تمهيد : الاطار التاريخي لسياسة الاستيطان الاستعماري اليهودي في فلسطين

سياسة الاستيطان الاستعماري اليهودي في فلسطين وتمحورها في القدس وضواحيها لا يمكن التعرف على طبيعتها ومراميها ومدياتها وأشكالها وآلياتها بمعزل عن التعصب اليهودي الصهيوني والحركة الصهيونية للغرب الأوروبي من جهة وسياساتها الاستعمارية من جهة أخرى. سواء في الفترة التي سبقت الوجود الاستيطاني الاستعماري لليهود في فلسطين الممتدة من سقوط الخلافة الأموية في الأندلس وطرد اليهود منها في عام 1942م وحتى الاحتلال البريطاني لفلسطين في عام 1918م، وتوجت بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين في 15/5/1948م، أو في الفترة التي أعقبت قيام اسرائيل على 78% من مجموع مساحة فلسطين وحتى الآن. وشهدت احتلال ما تبقى من فلسطين في حرب اسرائيل العدوانية التوسعية ضد دول الجوار العربي : الأردن وسوريا ومصر.

وبهدف التعرف على سياسة الكيان الصهيوني الاستعمارية الاحلالية العدوانية التوسعية بثوابتها الأيديولوجية والاستراتيجية ومتغيراتها التكتيكية والمرحلية لابد من تناولها ضد المراحل الزمنية الآتية:

1 : مرحلة ما بعد تحرير القدس وحتى الاحتلال البريطاني (1187 – 1917م)

مع أن العهدة العمرية التي اعطاها الخليفة عمر بن الخطاب الى صفرنيوس في العام السادس عشر الهجري الموافق لعام 637م نصت على عدم جواز مشاطرة أي يهودي للمسيحيين سكناهم القدس، فان القائد العربي الاسلامي صلاح الدين الأيوبي بحكم سياسته التسامحية لم يلتزم بما نصت عليه العهدة العمرية. فقد سمح لليهود بالعودة الى القدس والاقامة فيها فأخذوا يتقاطرون عليها لأسباب عدة اهمها الاضطهاد الأوروبي لهم. وتزامن توافد اليهود على القدس مع خضوع البلاد العربية لسيطرة الامبراطورية العثمانية التي عرفت بعد تحولها للخلافة الاسلامية بالتسامح مع اتباع الرسالات السماوية الأخرى من اليهود والمسيحيين. ويظهر ذلك جلياً من خلال الفرمان (المرسوم) الذي أصدره السلطان العثماني بايزيد الثاني (1841 – 1512م) القاضي بحسن معاملة اليهود المقيمين في ربوع امبراطوريته.

ورغم سياسة التسامح تلك فان عدد اليهود الذين كان يتركز وجودهم في حارات ثلاث من القدس هي : الشرف، والريشة، والمسلخ ظل متدنياً، اذ لم يزد عددهم طبقاً للاحصاء الذين أجري لهم عام 1752م عن 115 شخصاً.

ولكن اعداد اليهود أخذت في التزايد خلال القرن التاسع عشر الميلادي بسبب ما كانوا يتعرضون له من اضطهاد في أوروبا وبخاصة الشرقية من جهة، ولازدياد نفوذ الدول الأوروبية في الدولة العثمانية من جهة أخرى التي أخذت تتنافس وتتسابق فيما بينها على تأمين الحماية لليهود من خلال منحهم جنسياتها طمعاً في تدعيم نفوذ تلك الدول في الدولة العثمانية بتوظيف “الجالية اليهودية” خدمة لمصالحها. وهنا تظهر بوضوح بوادر أو معالم الترابط المصلحي بين الوجود الأوروبي وبين الوجود اليهودي في الدولة العثمانية الذي لا بد “للجالية اليهودية” (يهود الدونما) وأن أدركته وعملت على توظيفه لصالح مشاريعها الاستعمارية في المنطقة العربية.

ويعيد بعض المؤرخين تزايد عدد اليهود في القدس الى عوامل اضافية أخرى أهمها الزلزال الذي اجتاح فلسطين عام 1837م، مما حمل بعض اليهود من سكان المدن الفلسطينية الأخرى وبخاصة من مدن الشمال الفلسطيني: طبريا وصفد الهجرة الى القدس والاقامة فيها.

وينتمي اليهود الذين قدموا الى القدس الى طائفتين وبنيتين:

  • السفارديم وهم المهاجرون من اسبانيا والمغرب بشكل خاص.
  • الاشكناز (السكناج) وهم المهاجرون من دول وسط وشرقي أوروبا وبخاصة من بولندا والمجر وروسيا الذين كان يحمل معظمهم جنسيات الدول التي هاجروا منها ولا سيما الروسية والبريطانية والنمساوية والأمريكية اذ قدر عددهم بحوالي (5000) شخصاً: 3 آلاف يحملون الجنسية النمساوية و(1000) يحملون الجنسية البريطانية و(1000) بعضهم يحمل الجنسية الهولندية والبعض الآخر الجنسية الأمريكية.

كما استفاد اليهود كذلك من سياسة التسامح التي انتهجها محمد علي باشا خلال فترة حكمه للقدس الممتدة من (1831 – 1840) ازاء المسيحيين واليهود عندما سمح لليهود السفارديم اعادة بناء كنيسهم الذي دمره زلزال عام 1837م، ولليهود الاشكناز بناء معبد ومدرسة دينية عام 1836م. اما قراره برفع الجزية والضرائب المفروضة عليهم وتحسن الأوضاع السياسية لتطوير نشاطهم الاقتصادي ليشمل شراء الأراضي والزراعة فقد اصطدم بمعارضة المسؤولين في الادارة المصرية ومجلس شؤون القدس.

واليهود كعادتهم يوظفون مكاسبهم لتحقيق مكاسب أخرى جديدة وبخاصة في المجال الديني مستغلين التسامح الاسلامي معهم. فما ان كان لهم بناء المعابد والكنس حتى توجهوا نحو تعزيز مكاسبهم الدينية بسعيهم الى انتزاع الاعتراف بمزاعمهم بعائدية حائط البراق لهم من خلال رفع أصواتهم لدى زيارتهم لحائط البراق وتقدم أحدهم مدعوماً من القنصل الانجليزي بمذكرة الى السلطات المصرية لتسمح له بتبليط المنطقة الواقعة أمام حائط البراق في حارة المغاربة.

وبسبب اضطراب الحياة السياسية في دول أوروبا من جهة والتوجيهات الاستعمارية لأوروبا من جهة ثانية، والدور المأمول من المهاجرين اليهود الى فلسطين أوروبياً من جهة ثالثة لم يكن غريباً أن تزداد هجرة اليهود الى فلسطين. فكان ان ساهمت هجرتا اليهود: الأولى خلال الفترة من 1882 – 1904م، والثانية خلال الأعوام 1905 – 1914م في زيادة عدد اليهود في القدس الذين جاء معظمهم من دول أوروبا الشرقية، ولا سيما من روسيا، وبولندا، ورومانيا.

ومع أن التوجه الاستيطاني الاستعماري التوسعي الاحلالي للمهاجرين اليهود من جهة والنوايا والأهداف الاستعمارية للغرب الأوروبي من جهة أخرى قد كانت بعض ملامحه آخذة في الارتسام، فان ذلك لا يعني أن جميع المهاجرين اليهود كانوا يضعون نصب أعينهم أو تحركهم أهداف استيطانية استعمارية احلالية بدليل أن هناك من كان ولا يزال يرفض مبدأ اقامة دولة يهودية في فلسطين لأسباب روحية وأخرى سياسية أهمها انها تشكل خطراً وجودياً على اليهود في العالم العربي وهو الذي أظهر لهم من التسامح ما لم تظهره أمم أخرى وسمح لهم بالاقامة بين ظهرانيتهم سواء في المشرق العربي أو في الأندلس.

وارتبط التوجه الاستيطاني الاستعماري الاحلالي للمهاجرين اليهود ارتباطاً وثيقاً بالحركة الصهيونية ربيبة الاستعمار الأوروبي. اذ كانت باكورة المشاريع الاستيطانية الاستعمارية قد بدأت بمبادرة موشيه مونتيفوري اليهودي البريطاني بشراء قطعة أرض غرب سور القدس وأقام عليها مستعمرة “مشكانوت شأنانيم” وما ان حل عام 1914م حتى كان عدد المستوطنات الاستعمارية اليهودية غرب القدس قد بلغ (24) مستوطنة استعمارية.

الجدول رقم (1) يبين اسم المستوطنة وتاريخ انشائها:

 

اسم الحي

سنة الانشاء

1

مونتفيوري (مشكنوت شأنانيم)

1860م

2

محانية يسرائيل (معسكر اسرائيل)

1866م

3

نحلات شفعا (المستوطنة السابعة)

1869م

4

شكنوت هابوخاريم (مساكن البخاريين)

1873م

5

مئة شعاريم (مائة بوابة)

1874م

6

نحلات تزفي (مستوطنة تزفي)

1874م

7

ايفن إسرائيل (حجر إسرائيل)

1875م

8

مشكنوت يسرائيل

1875م

9

نحلات شمعون هتصدق (مستوطنة الصديق شمعون)

1876م

10

بناي يعقوب (بني يعقوب)

1877م

11

بناي ديفيد (بني داود)

1877م

12

شعار موشيه ( باب موسى)

1885م

13

بيت إسرائيل

1886م

14

محانيه يهودا (معسكر اسرائيل)

1887م

15

شكنوت هشالوم ( مساكن السلام)

1888م

16

شعاري تصيدق ( بوابة تصديدق)

1889م

17

زخرون طوبيا (الذكرى الطيبة)

1890م

18

أوهل شلومو

1891م

19

يمين موشيه

1892م

20

كريات نئمات (قرية نئمات)

1892م

21

بيت اوتغرين

1897م

22

زخرون موشيه (ذكرى موسى)

1905م

23

نحلات تزيون (مستوطنة صهيون)

1908م

24

جفعات شاؤول (تلة شاؤول)

1910م

وقد ترافق انشاء تلك المستوطنات الاستعمارية مع توفير مستلزمات ديمومتها (البنى التحتية لبقائها) تركزت في المجالات التعليمية، والاعلامية، والصحية وأهمها:

أولاً: انشاء المدارس بهدف توفير التعليم للمستعمرين اليهود في القدس وتلقينهم العقيدة الصهيونية.

وفي هذا السياق يمكن التمييز لجهة الأشراف بين ثلاثة أنواع من المدارس:

  1. المدارس الدينية

    يخضع هذا النوع من المدارس التي يقتصر التعليم فيها على النواحي الدينية لاشراف رجال الدين اليهود. وكان عددها حتى نشوب الحرب العالمية الأولى (7) مدارس، بالاضافة الى (4) مدارس اليشفاه المخصصة للطلبة ممن هم في سن الثالثة عشر.

  2. المدارس التابعة لمؤسسات أجنبية يهودية وهي:
    • مدارس الاتحاد الاسرائيلي العالمي (الأليانس) ومقره باريس الذي كان يشرف على مدرسة ابتدائية للذكور أنشئت عام 1882م وأخرى للبنات أنشئت عام 1906م بالاضافة الى مدرسة مهنية مختلطة أسست عام 1897م وهي:
    • مدارس منظمة الهلفرين ومقرها المانيا والتي كانت تشرف على مدرسة ليمل (Lamel) التي أسسها يهود النمسا في القدس عام 1856م.
    • مدارس الجمعية الانجليزية اليهودية ومقرها لندن التي أسسها يهود بريطانيا عام 1871م وكانت تتولى الاشراف على مدرسة “ايفلينا دي روتشلد” المؤسسة في القدس عام 1864م.
  3. المدارس اليهودية الصهيونية

    كان من بين اهتمامات المؤسسات اليهودية الصهيونية انشاء المدارس في القدس وتمويلها. فقد أنشأت عدداً من المدارس منها وتعهدت بالانفاق عليها منها مدرسة ابتدائية للذكور أسست عام 1913م، والمدرسة العبرية العليا (جمباز يوم القدس).

ثانياً: الصحافة:

من الطبيعي ان يحرص اليهود على الاهتمام بالصحافة لما لها من دور مؤثر في ترويج فكر وأهداف اليهودية الصهيونية. لذا عملت مبكراً ومع بداية هجرة اليهود الى فلسطين الى اصدار العديد من الصحف العبرية في القدس، اذ يعود صدور اول صحيفة عبرية في القدس الى عام 1863م ليتوالى فيما بعد صدور صحيفة عبرية تلو الأخرى، فكان عدد الصحف العبرية التي صدرت في القدس للفترة من (1863 – 1904م) حوالي (25) صحيفة والتي تلاشى جميعها فيما عدا واحدة ظلت تصدر حتى عام 1914م.

ثالثاً: المجال الصحي:

كما اهتم اليهود بمؤسساتهم المختلفة بالمجال الصحي. فأنشأوا عدداً من المستشفيات في القدس كان اولها المستوصف اليهودي الذي أنشأه موشيه مونتفيوري في القدس عام 1843م. كما أنشأ روتشيلد مستشفى (ميجا فالاداخ) عام 1854م. وما ان حل عام 1893م حتى بلغ عدد المستشفيات اليهودية في القدس (3) مستشفيات.

2: مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى اعلان قيام اسرائيل (1915 – 1948م)

شهدت هذه المرحلة احداثاً سياسية بالغة الخطورة وشكلت بيئة سياسية جد ملائمة لاستمرارية المشروع الاستيطاني الاستعماري اليهودي الصهيوني، ومن أهم تلك الأحداث السياسية:

  1. احتلال بريطانيا للقدس عام 1917م ومباشرتها بتهيئة المناخ السياسي المحلي والدولي لتطبيق وعد بلفور من خلال تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين بشكليها السري والعلني، والسماح لليهود بشراء الأراضي وتمليكهم الأراضي الأميرية (أراضي الدولة).
  2. وعد بلفور في 2/11/1917م، والذي تعهدت فيه حكومة بريطانيا العظمى بانشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
  3. مؤتمر سان ريمو عام 1920م حيث اتفقت بريطانيا مع الدول المشاركة في المؤتمر على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني تمهيداً لاقامة الوطن القومي وفقاً لوعد بلفور.
  4. صك الانتداب الصادر عن عصبة الأمم المتحدة عام 1922م الذي جاء تطبيقاً لوعد بلفور ولمقررات مؤتمر سان ريمو لوضع فلسطين في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تضمن انشاء وطناً قومياً لليهود في فلسطين.وكذلك الاعتراف بالوكالة اليهودية في فلسطين كهيئة عمومية “لاسداء المشورة والنصح الى ادارة فلسطين البريطانية”. كما عهد صك الانتداب الى بريطانيا باعتبارها الدولة المنتدبة الاضطلاع بجميع الأمور المتعلقة بالأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وحرية العبادة مع المحافظة على مقتضيات النظام العام، وتأليف لجنة لدراسة وتحديد وتقرير الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة.

وقد اتخذ في تلك المرحلة تهويد القدس المحتلة أشكالاً متعددة أهمها:

أولاً: اعادة تخطيط المدينة:

وطبقاً للمخطط الهيكلي لمدينة القدس الذي اعتمدته سلطات الاحتلال البريطاني تم تقسيم القدس الى اربع مناطق وهي:

  1. البلدة القديمة وأسوارها.
  2. المناطق المحيطة بالبلدة القديمة.
  3. القدس الشرقية “القدس العربية”.
  4. القدس الغربية “القدس اليهودية”.

وتتجلى السياسة الاستعمارية لبريطانيا المتماهية مع المشروع اليهودي الصهيوني من خلال منع البناء بشكل مطلق في المناطق المحيطة بالبلدة القديمة، ووضع قيود على البناء في “القدس الشرقية”، واعلان “القدس الغربية” منطقة تطوير وبناء.

وتزداد النوايا والتوجيهات الاستعمارية لدولة الاحتلال بوضوح عندما قامت سلطات الاحتلال البريطاني في عام 1921م بترسيم حدود بلدية القدس لتضم البلدة القديمة، وقطاعاً بعرض (4000م) على طول الجانب الشرقي لسور المدينة، بالاضافة الى احياء الساهرة، ووادي الجوز، والشيخ جراح شمالاً، وتوسيع حدود البلدية لتضم المستعمرات الاستيطانية اليهودية بالاضافة الى بعض القرى العربية : القطمون، والبقعة الفوقا والتحتا، والطالبية، والشيخ بدر، ومأمن الله.

ثانياً: تشجيع هجرة اليهود الى القدس

عملت بريطانيا منذ احتلالها لفلسطين على تشجيع هجرة اليهود الى القدس بشتى الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة مما ساهم كثيراً في تغيير الوضع الديموغرافي فيها لصالح المهاجرين اليهود. فقد بلغ عدد اليهود في فلسطين عام 1922م حوالي (83.790) نسمة، كان 40.7% منهم يقيم في القدس. وارتفع عددهم عام 1948م الى 716.700 أقام 11.6% منهم في القدس.

ثالثاً: تهويد المجلس البلدي

ان سياسة بريطانيا في تهيئة البنى التحتية لتهويد القدس لم تقتصر على ما تقدم من اجراءات تهويدية، بل تعدتها لتشمل تركيبة المجلس البلدي. اذ عملت فور احتلالها للقدس عام 1917م على تشكيل مجلس قوامه ستة أعضاء مثلت فيه الطوائف الدينية الثلاث بالمسلمين والمسيحيين واليهود بالتساوي، عضواً لكل طائفة. ولم تكتف بذلك، بل عمدت الى تقسيم مدينة القدس عام 1934م الى 12 منطقة انتخابية ستة لليهود والست الأخرى للعرب (مسلمين ومسيحيين). وبذلك حصل اليهود على نصف أعضاء المجلس البلدي. كما عملت على تعيين يهودي رئيساً للمجلس البلدي اذ قامت بتعيين اليهودي البريطاني دانيال اوستر خلفاً لرئيس المجلس البلدي مصطفى الخالدي الذي توفاه الله عام 1944م ولكنها لم تفلح في مسعاها ذلك بسبب تهديد الأعضاء العرب بالاستقالة فلجأت الى حل المجلس البلدي وشكلت لجنة تضم رئيساً وأربعة أعضاء وجلهم من الانجليز.

رابعاً: تركيز المؤسسات الصهيونية في القدس واستمراراً على ذات السياسة الهادفة الى تهيئة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتهويد المدينة وتحقيق حلم اليهود بوطن قومي سمحت بريطانيا للحركة الصهيونية بنقل مقرات عدد من مؤسساتها الاستعمارية الى القدس ومنها المنظمة الصهيونية العالمية، والوكالة اليهودية، والصندوق التأسيسي (الكيرن هيسود)، والصندوق القومي اليهودي، والمجلس الوطني للبشوف، والحاخامية الرئيسية لليهود. كما أقامت الجامعة العبرية في القدس عام 1975م، ومستشفى هداسا عام 1939م.

خامساً: التوسع في بناء المستعمرات الاستيطانية والأحياء اليهودية: اخذت وتيرة بناء المستعمرات الاستيطانية والتوسع في الأحياء اليهودية بالتزايد في غرب القدس بفضل الدعم البريطاني اللامحدود للنشاط الاستعماري اليهودي في القدس وما حولها.

الجدول رقم (2) يوضح المستعمرات الاستيطانية التي تم انشاؤها في الفترة التي تلت الاحتلال البريطاني للقدس وتاريخ انشائها:

 

اسم المستعمرة

تاريخ الانشاء

1

بيت فيغات

1921

2

روميما

1921

3

تل بيوت

1922

4

بيت هكيرم

1923

5

كريات موشيه

1924

6

ميكور باروخ

1924

7

رحافيا

1924

8

كريات شموئيل

1924

9

نحلات أحيم

1924

10

نفي شأنان

1925

11

بيت فجان

1925

12

محانايم

1925

13

سنهادريا

1925

14

ميكور حاييم

1926

15

جيئولا

1926

16

رامات راحيل

1926

17

نيفيه بتسائيل

1927

18

حيتس حاييم

1928

19

احوزات بني بريت

1929

20

يافيه نوف

1929

21

زخرون يوسف

1931

22

تل آزره

1931

23

زخرون اهيم

1934

24

فاجي

1934

3 : مرحلة ما بعد اقامة اسرائيل (1948 – 1967م):

ساهمت حرب عام 1948م مساهمة فعالة في كشف حقيقة العدو الذي يواجه العرب. حقيقة الحركة الصهيونية وكيانها العنصري اسرائيل، تلك الحرب التي بدأت بالاعلان عن قيام دولة اسرائيل وانتهت باحتلال 78% من مجموع مساحة فلسطين، أي بزيادة قدرها 24% عن المساحة المخصصة للدولة اليهودية بموجب قرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947م وكذلك احتلال الجزء الأكبر من القدس بالضد من القرار المذكور الذي نص على ان يكون للقدس كيانها الخاص. اذ احتلت العصابات اليهودية (37) قرية عربية في محيط القدس، وأجبرت سكانها على مغادرتها بقوة السلاح وهدمها لتقيم على انقاضها المستعمرات لاسكان المهاجرين اليهود فيها. وكذا فعلت مع فلسطينيي غرب القدس، اذ بلغ عدد المهجرين من القدس وضواحيها (80000) نسمة لينضموا الى جيش اللاجئين الفلسطينيين. ومن القرى التي شملتها الكارثة: أبو طور، والبقعة، والقطمون، وقرى دير ياسين، وعين كارم، واشوع، ولفتا، أما عدد القرى التي دمرتها اسرائيل فكان (38) قرية في قضاء القدس وعدد سكانها 28.801 نسمة.

أما الاجراءات ذات الطبيعة السياسية الاستعمارية العدوانية التوسعية فتمثلت بجملة من القرارات الادارية لحكومة اسرائيل أهمها نقل مقر المحكمة العليا الاسرائيلية والكنيست الاسرائيلي ووزارة الخارجية الى القدس، واعلان القدس عاصمة لدولة اسرائيل، ودعوتها الدول التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل الى نقل سفارات بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية الى القدس.

4 : مرحلة ما بعد عام (1967 – 1993م):

اذا كانت حرب 1948م قد مكنت الحركة الصهيونية وحليفها الاستراتيجي آنذاك بريطانيا العظمى من زرع اسرائيل في قلب الوطن العربي لتبدأ عملية تهويد فلسطين بعامة والشطر الغربي من القدس وضواحيه بخاصة تحت غطاء الدولة المعترف بها دولياً، فان حرب عام 1967م العدوانية التوسعية قد مهدت الطريق تماماً أمام اسرائيل وحليفها الاستراتيجي الجديد، الولايات المتحدة الأمريكية، لتهويد كامل فلسطين وجعلها قلعة استعمارية متقدمة على حساب شعب فلسطين العربي وامته العربية. ولذا ليس غريباً ان تتصاعد وتيرة الاستيطان، وأن تحصن بتشريعات جعلت من اسرائيل فوق القانون الدولي، وهي بذلك بالاضافة الى الولايات المتحدة الأمريكية الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تصران على سمو قوانينها الوطنية على القوانين والأعراف الدولية، ومع ان ذلك امتياز بقوة السلاح، فان سياسة الأمر الواقع التي ترتب على تنفيذ مثل تلك القوانين اللاشرعية هي مشكلة الواقع السياسي في فلسطين.

أما تهويد القدس فقد أخذ أشكالاً وصيغاً متعددة في تلك المرحلة أهمها:

أولاً: توسيع حدود بلدية القدس

منذ احتلال اسرائيل للشطر الشرقي من القدس وهي تعمل جاهدة ولاسباب استعمارية عدوانية توسعية على توسيع حدود بلدية الشطر الشرقي للمدينة بما يوفر لها ضم المزيد من الأراضي لأغراض استيطانية استعمارية اذ ارتفعت مساحة الشطر الشرقي من 6.5 كم قبل الاحتلال الاسرائيلي لها عام 1967م الى 70.5 كم عام 1968 بضم 28 قرية ومناطق مجاورة اليها، أي بزيادة قدرها 64 كم، ما يساوي أكثر من أحد عشر ضعفاً ونصف بقليل. وتصل مساحة بلدية القدس بشطريها الشرقي والغربي حالياً نحو 127كم مربعاً بعد أن كانت حتى عام 1967م 44.5 كم مربعاً، أي بزيادة قدرها 82.5كم، زيادة بما يساوي أكثر من 2.85كم ضعفاً.

أما أهداف سلطات الاحتلال من وراء سياسة توسيع حدود بلدية القدس (الموحدة) فتتركز حول:

  • تغيير التركيبة السكانية في المدينة بزيادة عدد اليهود والحد من عدد العرب.
  • عزل القدس عن باقي مناطق الضفة الغربية وعزل مناطق الضفة عن بعضها البعض.
  • فرض سياسة الامر الواقع في القدس قبل الانتقال الى مرحلة المفاوضات النهائية.

ثانياً: تفريغ القدس من سكانها الأصليين

لجأت اسرائيل لتحقيق هذا الهدف الى اعتماد العديد من الاجراءات أهمها:

  • سحب الهويات من عدد كبير من سكان المدينة بذريعة اقامتهم خارجها، اذ تشير احصائيات سلطات الاحتلال الاسرائيلية نفسها الى أنه تم سحب الهويات من 4169 رب أسرة عربية تقيم في القدس خلال الفترة من 1967 – 1997 كما حالت دون حصول من بلغوا سن السادسة عشر على الهوية والبالغ عددهم حوالي 10 آلاف شخصاً.
  • زيادة عدد اليهود في البلدة القديمة من صفر عام 1967 الى 3800 عام 2002م، ويتركز جميعهم في التجمع اليهودي الاستيطاني الذي أقيم في الحي الاسلامي وعلى انقاض حارتي المغاربة والشرف العربيتين بالاضافة الى عدد من البيوت التي استولى عليها اليهود في الحي الاسلامي.

وقد أدى ذلك التطور في التركيبة السكانية للبلدة القديمة (داخل الأسوار) الى التغيير في بنيتها الديموغرافية، اذ أصبح اليهود يستحوذون بالقوة على 20% من مجموع أراضي البلدة القديمة، بينما يملك العرب المسلمون 52% والعرب المسيحيون 29%.

ثالثاً: مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات الاستعمارية

مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية في القدس وحشوها بالمستوطنات ركن أساسي في سياسة التهويد الاسرائيلية للقدس لأغراض توسعية تارة بذريعة الصالح العام، وتارة لانشاء الطرق وأخرى للضرورات الأمنية، ولكنها في الواقع تهدف الى استكمال تهويد المدينة وتفكيك أوصالها، وعزلها عن محيطها العربي الفلسطيني، وتكريس احتلالها عاصمة موحدة وأبدية لها.

الجدول رقم (3) يظهر مساحات الأراضي المصادرة وتاريخ المصادرة والمستوطنات الاسرائيلية التي تم بناؤها في القدس وعام البناء ومساحات المستوطنات وعدد الوحدات السكنية التي تضمها كل مستوطنة وذلك للفترة من 1967 – 1993م.

اسم المستوطنة

سنة المصادرة

سنة الانشاء

المساحة المصادرة بالدونم

مساحة المستوطنة في 11/5/1993 بالدونم

عدد الوحدات السكنية

الحي اليهودي

1968

1968

116

130

650

رامات اشكول وجفعات همفتار

1968

1969

1039

2200

التلة الفرنسية (جفعات شبيرا)

1968

1968

3345

961

5000

الجامعة العبرية وجبل سكوبس

1968

1968

1190

2500

ماميلا

1970

1970

130

116

300

عطروت

1970

1970

1200

2715

منطقة صناعية

نفي يعقوب

1970

1971

1235

1795

4200

راموت

1970

1973

4840

4449

8700

معلومات دفنا

1968

1973

485

389

2400

جليو

1970

1970

2700

2743

10.000

تلبيوت الشرقية

1970

1973

2240

2240

5000

بسغات زئيف وبسغات عومر

1980

1982

4400

5518

8480

ريخس شعفاط

1992

1991

2024

1198

2083

قيد الانشاء

جفعات هاموتس

1991

1991

1062

1062

300

بيت جاهز

3000

قيد الانشاء

هارحوماه

1991

1991

1850

1850

6500

قيد الانشاء

المجموع

25627

27395

49.130 + 11.583

قيد الانشاء

5- مرحلة ما بعد اتفاقيات اوسلو (1993 – 2003م):

شهدت هذه المرحلة سياسة استيطانية مراوغة ومضللة للرأي العام العالمي بطلها الجنرال اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل الأسبق. فقد ابتكر سياسة التفريق بين مستعمرات استيطانية اسرائيلية ذات طابع أمني واجبة البقاء، وبين مستعمرات استيطانية اسرائيلية عشوائية ذات طبيعة سياسية أو دعائية قابلة للتفكيك ومع ذلك فان أي من تلك المستعمرات لم يجر ازالتها باستثناء بعض البؤر الاستيطانية التي تشكل عبئاً أمنياً وعسكرياً على اسرائيل، فضلاً عما تفعله تلك المخططات الدعائية من دور في تلميع صورة اسرائيل في أوساط الرأي العالمي، وتحرج الطرف الفلسطيني بتمسكه بخيار الانتفاضة أو المقاومة المسلحة أمام الرأي العام العالمي.

ومع أنه قد مر عقد من الزمن على توقيع اتفاقيات أوسلو، واعلان المبادئ الفلسطيني – الاسرائيلي، فان حكومة شارون وهي الرابعة التي تخلف حكومة اسحق رابين حتى الآن لا تزال تتحدث بنفس لغة رابين فيما يخص عزمه لأسباب ودوافع تكتيكية تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية.

غير أن الحديث عن سياسة استيطانية جديدة شيء وواقع التطور الاستيطاني في أعقاب توقيع اتفاقيات اوسلو واعلان المبادىء الفلسطيني – الاسرائيلي في 13/9/1993 شيء آخر تماماً. فهذا الواقع يكذب جميع مزاعم الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة. اذ ان سياسة الجدران الاسرائيلية مستمرة وآخر مظاهرها جدار الفصل العنصري الذي باشرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بأوامر من شارون ببنائه واصرارها على الاستمرار في البناء رغم المعارضة الدولية الواسعة النطاق والتي انضمت اليها واشنطن لأسباب تكتيكية بالطبع الذي يلتهم اجزاء واسعة من الضفة الغربية، ويفكك أوصالها، ويحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عليها، ويكرس القدس عاصمة موحدة وأبدية لها لاجبار العالم على الاعتراف بسياسة الأمر الواقع.