1: تمهيد

الشرعية العربية تعني ابتداءً “القرارات المتخذة من الدول العربية بصفة جماعية، سواء تلك الصادرة عن مجلس جامعة الدول العربية منذ تأسيسها في 25/3/1945، أو عن مؤسسة القمة العربية” منذ مؤتمرها الأول المنعقد في القاهرة بمبادرة من الرئيس جمال عبد الناصر للفترة من 17-13 كانون الثاني/يناير 1964 وشاركت فيه 13 دولة عربية0 وعليه فإن المتتبع للصراع الصهيوني العربي وللقرارات العربية الجماعية تجاه هذا الصراع يمكنه الوقوف بسهولة على المراحل التي مر بها الصراع الصهيوني – العربي وهي:

2: مرحلة النظرة المبدئية للصراع

اتسمت هذه المرحلة بالنظرة المبدئية للصراع العربي الاسرائيلي واعتباره صراعاً وجودياً بين مشروعين متناقضين ونافٍ كل منهما للآخر. وامتدت هذه المرحلة من حرب 1948م والنكبة التي رافقتها وحتى نكسة الخامس من حزيران عام 1967م. وفي هذه المرحلة كانت القرارات العربية التي اتخذتها الدول العربية بصفة جماعية سواء في إطار جامعة الدول العربية، أو في إطار مؤسسة القمة العربية منسجمة مع النظرة المبدئية للصراع الصهيوني – العربي، وضرورة تحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر. وأن لا حل لهذا الصراع بدون زوال دولة إسرائيل كونها – وبحق- جسماً غريباً زرع في قلب هذه المنطقة ليكون صديقاً دائماً للاستعمار الغربي آنذاك بزعامة بريطانيا وعدواً دائماً للعرب وحائلاً دون توحدهم في دولة عربية واحدة ذات إمكانات وقدرات هائلة تكفل لهم مكاناً مرموقاً في حركة دوران العالم السياسي والحضارة الإنسانية.

ففي الفترة من كانون الثاني 1964م وحتى نكسة حزيران عام 1967م عقدت مؤسسة القمة العربية ثلاثة مؤتمرات، الأول في القاهرة عام 1964م، والثاني في الإسكندرية للفترة من 5-11 أيلول/سبتمبر 1964م. أي بعد ثمانية أشهر فقط من انعقاد القمة الأولى، والثالث في الدار البيضاء عام 1965م. وكان من أهم قرارتها:

  1. تحويل روافد نهر الأردن بما يجعل من قرار إسرائيل بتحويل نهر الأردن باتجاه أراضيها عملاً غير مجد.
  2. الاعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية لتكون مسؤولة عن نضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير وطنه بالتعاون مع الدول العربية. غير أن المراقبين والمحللين السياسيين قد رأوا في ذلك خطوة على طريق التحول بالصراع من صراع مبدئي غير قابل للحل إلا بزوال الكيان الصهيوني إلى صراع سياسي من الممكن حله سياسياً مع بقاء هذا الكيان. وأن مثل هذا القرار كان المقدمة المنطقية والضرورية، ولكنها مؤجلة لقرار قمة الرباط عام 1974م القاضي باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني. إلا أن هناك من رأي في هذا القرار الأرضية الطبيعية لامتلاك الشعب العربي الفلسطيني لزمام المبادرة وتهيئة المقدمات الضرورية لمباشرة عملية التحرير من خلال الكفاح الشعبي المسلح.
  3. إقرار الميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني.
3: مرحلة إزالة آثار العدوان

تمتد هذه المرحلة الانتقالية من مؤتمر القمة العربي الرابع المنعقد في الخرطوم للفترة من 29/8-1/9/1967م وحتى مؤتمر القمة العربي السابع المنعقد في الرباط للفترة من 26-30/10/1974م وحضرته جميع الدول العربية المنضوية آنذاك تحت لواء الجامعة.

ومع أن قمة الخرطوم قد عرفت بلاءاتها الشهيرة الثلاث: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بإسرائيل، فإنها وإن هي جاءت متداخلة بذلك مع المرحلة المبدئية السابقة كانت بمثابة توطئة لمرحلة التعامل مع الصراع الصهيوني – العربي كقضية سياسية يمكن حلها استناداً إلى ما عرف فيما بعد بالشرعية الدولية، والأدلة على ذلك متعددة أهمها:

  1. قبول الدول العربية، باستثناء العراق، بقرار مجلس الأمن 242/1967م الذي عرف فيما بعد بقرار الشرعية الدولية باعتباره قد تضمن “مبادئ سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط”. هذا القرار الذي يعني عملياً انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بحق دول المنطقة بالعيش بأمان وسلام ضمن حدود آمنة معترف بها من الدول العربية، في حين أنه لم ينص على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وظل يتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين ذات طابع إنساني.
  2. قبول أكبر دولة عربية، الجمهورية العربية المتحدة بمشروع روجرز عام 1970م. هذا القرار الذي أملته ظروف الصراع الصهيوني – العربي آنذاك والتي كانت مصر تتحمل العبء الأكبر فيه، إلا أنه خلط الأوراق من جديد وأعاد المنطقة العربية إلى “حالة اللاسلم واللاحرب” ، وأنقذ إسرائيل من التبعيات المادية والبشرية والمعنوية المكلفة لحرب الاستنزاف التي فرضتها مصر عليها آنذاك.
  3. قبول الدول العربية وفي مقدمتها مصر وسوريا باعتبارهما الطرفين اللذين خاضا حرب تشرين ضد إسرائيل عام 1973م بقرار مجلس الأمن رقم 338 لعام 1973م، الذي جاء مؤكداً قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967م، وداعياً إلى تنفيذه بالكامل.
  4. البدء بالتمهيد لتفكيك قضية الصراع الصهيوني – العربي إلى صراعات وقضايا ثنائية: قضية فلسطين، وقضية سيناء، وقضية الجولان. فبعد أن كانت القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع الصهيوني – العربي أصبحت مثلها مثل سيناء والجولان مع أولوية الأخيرتين بالنسبة لمصر وسوريا، باعتبارهما قضيتين وطنيتين تتقدمان على ما سواهما من قضايا قومية. وتعزز هذا التوجه باعتراف الدول العربية المجتمعة في قمة الرباط / 1974م بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب العربي الفلسطيني الذي جاء متزامناً تقريباً مع منح هيئة الأمم المتحدة صفة مراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد كان هذا التطور الذي جاء تحت غطاء الضرورات الوطنية والقومية لنضال الشعب العربي الفلسطيني عملياً توطئة لانفراد مصر بصلح مع الكيان الصهيوني من جهة، واستدراج منظمة التحرير الفلسطينية إلى فخ الاعتراف بشرعية اغتصاب إسرائيل لفلسطين عام 1948م. عندما تسمح الظروف الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية بذلك، مقابل اعتراف صهيوني شكلي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وانسحاب مقنن من بعض أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة أخرى. وبذلك يكون قد فتح الباب على مصراعيه أمام انفراد كل طرف عربي بتسوية مشكلاته مع إسرائيل مباشرة وثنائياً، باعتبارها مشكلات وطنية لها الأفضلية على غيرها من قضايا الصراع الصهيوني – العربي، بما في ذلك القضية الفلسطينية التي لا تزال الدول العربية تعدها جوهر الصراع مع الصهيونية وكيانها العنصري إسرائيل، وتوطئة إلى تجزئة القضية الفلسطينية إلى قضايا متعددة يلقى بها في ميزان المفاوضات مع الكيان الصهيوني، بما يسهل عملية ابتزاز إسرائيل للطرف الفلسطيني بخاصة والعرب بعامة. فمنذ مؤتمر القمة العربي السادس المنعقد في الجزائر للفترة من 26-28/11/1973م أخذت قضية القدس تظهر إلى الوجود كقضية منفصلة تحت غطاء قدسيتها ومكانتها الإسلامية ورمزيتها للسلام العادل والدائم والشامل، بعد أن كانت القضية الفلسطينية بأبعادها وقضاياها كافة المحور الأساسي للصراع الصهيوني – العربي من قبل. ويعد ذلك تحولاً خطيراً رغم كل المسوغات التي تقدم بها هذا الطرف العربي أو ذاك.
4: مرحلة الصلح المنفرد وعزل مصر

بدأت هذه المرحلة المتوقعة وغير المفاجأة للمراقب السياسي بزيارة الرئيس محمد أنور السادات إلى الكنيست الإسرائيلي عام 1977م التي انتهت إلى توقيع صلح منفرد مع إسرائيل في 26/3/1979م عرف باتفاقات كامب ديفيد. وقد أسفر هذا الصلح عن نتائج وخيمة كان أبرزها:

  • إخراج مصر كبرى الدول العربية من ساحة الصراع الصهيوني – العربي والعمل على وضعها في مواجهة العرب لفترة غير وجيزة من الزمن.
  • تجزئة العرب إلى معسكرين: معسكر مؤيد للسلام مع الكيان الصهيوني، وإن كان لا يجرؤ في الواقع على المجاهرة بذلك وآثر الانضواء تحت لواء المعسكر المناهض للصلح مع إسرائيل إلى أن تلوح له فرصة التحول إلى الجانب الآخر، ومعسكر مناهض للصلح مع إسرائيل وهو الذي كانت له الغلبة في قمة بغداد عام 1978م. وانعكس هذا الانقسام على العراق باعتبارها الدولة المبادرة لعزل الاتجاه المؤيد للصلح مع الكيان الصهيوني بصيغة حرب عدوانية مدمرة جردت لها الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من ثلاثين دولة من بينها دول عربية عرفت بحرب الخليج الثانية. وقد جاءت نتائجها المدمرة ممهدة الطريق أمام حل الصراع الصهيوني – العربي وفقاً للتصور الإسرائيلي – الأمريكي.
  • حروب أهلية كالحرب اللبنانية التي استمرت لأكثر من خمسة عشر عاماً بمشاركة عربية سورية فلسطينية انتهت بتقسيم لبنان إلى كانتونات دينية طائفية لم يتمكن لبنان من تجاوزها واستعادة عافيته إلا بعد تضحيات بشرية ومادية هائلة.
  • طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان اثر الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982م وتشتيتها على العديد من البلدان العربية وغير العربية واضطرارها إلى نقل مقرها إلى تونس بعيداً عن الأرض الفلسطينية.
5: مرحلة المبادرات العربية

تمثلت هذه المرحلة بموافقة الدول العربية على مشروع الملك فهد في قمة فاس، القمة العربية الثانية عشرة عام 1990م، الذي عرف فيما بعد سياسياً وإعلامياً بالمشروع العربي للسلام أو خطة السلام العربية. ذلك المشروع الذي لم تتحفظ عليه سوى العراق مؤكداً في المذكرة التي بعث بها الرئيس العراقي صدام حسين في أعقاب اجتماع ضم القيادتين القومية والقطرية ومجلس قيادة الثورة العراقي على حقه في مناهضة هذا المشروع عندما تتغير الظروف التي أملته وأجبرت العرب على القبول به. واعتبر هذا المشروع مسوغاً لما عرف فيما بعد بالسلام خيار العرب الاستراتيجي. وكان المقدمة الطبيعية لمؤتمر مدريد حيث أسفرت المفاوضات على توقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن في 25/10/1994م، بعد أن استدرجت منظمة التحرير الفلسطينية إلى فخ الاعتراف المتبادل مع إسرائيل والتوقيع على إعلان المبادىء الفلسطيني – الإسرائيلي في 13/9/1993م في واشنطن إثر مفاوضات سرية جرت في أوسلو وأسفرت عن اتفاق غزة – أريحا أولاً، الأمر الذي مهد لإعلان واشنطن الآنف الذكر الذي اتبع بعدد من الاتفاقات الثنائية ما بين “السلطة الوطنية الفلسطينية” وبين إسرائيل انتهت إلى:

  • تفكيك القضية الفلسطينية في بعدها الوطني.
  • تجريد القضية الفلسطينية من بعدها العربي.
  • تجريد القضية الفلسطينية من بعدها الإسلامي والإقليمي.
  • تجريد القضية الفلسطينية من بعدها الدولي.

من خلال ما تقدم من عرض مكثف لقرارات “الشرعية العربية” وتطوراتها بشأن القضية الفلسطينية يمكن التوصل إلى الاستنتاجات الآتية:

  1. انتهاء التعامل عملياً مع القضية الفلسطينية ككل وفقاً للرؤية المبدئية للصراع الصهيوني العربي بمؤتمر القمة العربي الثالث المنعقد في الخرطوم في آب/أيلول عام 1967م.
  2. بروز القدس قضية منفصلة بدءاً بمؤتمر القمة العربي السادس المنعقد في الجزائر للفترة من 26-28/11/1973م.
  3. تمحور قرارات الشرعية العربية ابتداءاًمن المؤتمر السادس على:
    • إزالة آثار العدوان والتحرير الكامل لجميع الأراضي العربية المحتلة في عدوان الخامس من حزيران 1967م، وعدم التنازل أو التفريط في أي جزء من هذه الأراضي أو المساس بالسيادة الوطنية عليها.
    • تحرير مدينة القدس وعدم القبول بأي وضع من شأنه المساس بسيادة العرب الكاملة عليها.
    • الالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني وفق ما تقرره منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
    • قضية فلسطين هي قضية العرب جميعاً ولا يجوز لأي طرف عربي التنازل عن هذا الالتزام، وذلك وفق ما أكدته مقررات مؤتمرات القمة العربية السابقة.
    • عدم القبول بأي حل لا يقترن بقرار من مؤتمر قمة عربي يعقد لهذه الغاية.
    • التعهد باتخاذ التدابير اللازمة تجاه المحاولات الرامية لإعادة العلاقات مع العدو الصهيوني أو الاعتراف بالقدس عاصمة له أو نقل سفارة أي دولة إلى القدس.
    • انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربي المحتلة عام 1967م بما فيها القدس العربية.
    • إزالة المستعمرات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967م.
    • تأكيد حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره، وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ممثله الشرعي والوحيد، وتعويض من لا يرغب في العودة.
    • إخضاع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة لمدة لا تزيد على بضعة أشهر.
    • قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
    • قيام مجلس الأمن الدولي بوضع ضمانات السلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدولة الفلسطينية.
    • قيام مجلس الأمن الدولي بضمان تنفيذ تلك المبادئ.
    • حل النزاع وإحلال السلام بعقد مؤتمر دولي في إطار الأمم المتحدة بحضور ومشاركة الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومشاركة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني والأطراف المعنية الأخرى.
    • الموافقة على مشروع الملك فهد للسلام باعتباره مشروعاً عربياً للسلام في مؤتمر فاس عام 1980م الذي لم تتحفظ عليه سوى الجمهورية العراقية.