يعد نشؤ حركة عدم الانحياز نتيجة طبيعية للقواسم النضالية المشتركة التي جمعت بين دول اعضائها في مواجهة الاستعمار، وانتزاع الاستقلال. وغلب على تركيبة عدم الانحياز في المراحل الاولى لولادتها الطابع الاسيوي الافريقي. فقد كانت جميع الدول المنضوبة تحت لوائها باستثناء يوغسلافيا من قارتي آسيا وافريقيا.لذا فليس غريباً ان تكون منطلقاتها ومبادؤها واهدافها متمحورة على مكافحة الاستعمار والتبعية للاجنبي والتخلف ورفض سياسة الاحلاف العسكرية ومناصرة حركات التحرر الوطني وفي مقدمتها حركة التحرر الوطني الفلسطيني.

ولما كان تأييد حركات التحرر الوطني والنضال من اجل الاستقلال، ومقاومة الاحتلال الاجنبي شرطاً للعضوية في حركة عدم الانحياز، فان من الطبيعي ان تقف حركة عدم الانحياز مع حركة التحرر الوطني الفلسطيني في مقاومة الاستعمار الصهيوني واحتلال اسرائيل للاراضي العربية، وتمكين الشعب الفلسطيني من تحرير ارضه، وتقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

ومع ان نشؤ حركة عدم الانحياز يعود الى مؤتمر باندونغ/اندونيسيا (18-24/4/1955م)، فإن الاهتمام الفعلي للحركة بقضية فلسطين لم يبدأ الا عام 1975م اذ تم ادراجها على جدول اعمال مؤتمر وزراء خارجية الحركة في مدينة ليما/ البيرو (25-30/8/1975م) تحت بند خاص بها: “قضية فلسطين ومسألة الشرق الاوسط والاراضي العربية المحتلة”، وقبول منظمة التحرير الفلسطينية عضواً كاملاً فيها.

اما قضية القدس فلم يجر التطرق اليها بالاسم الا في قمة كولومبو/ سريلانكا (16-19/6/1976م) عندما طالب المؤتمر الدول الأعضاء بالوقوف “صفاً واحداً في صد مساعي اسرائيل لتهويد الأراضي المحتلة ولا سيما القدس والخليل (ودعوتها) لممارسة الضغط على اسرائيل في الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والوصول الى امكانية حرمانها من عضوية هذه المنظمات جميعاً”.

أما مؤتمر قمة هافانا/ كوبا (3-9/9/1979م) فقد دان “اسرائيل وطلب ايقاف هذه السياسة وازالة المستعمرات فوراً واعادة الطابع العربي الى القدس طبقاً لقرار مجلس الأمن رقم 452 (1979م) وأكد أن استعادة العرب لسيادتهم على القدس شرط لا يمكن الاستغناء عنه لاقامة سلام عادل ودائم. ويجب اجبار اسرائيل على احترام قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الخاصة بالقدس والمناطق المقدسة، ودعا المؤتمر بلدان عدم الانحياز الى اتخاذ تدابير صارمة ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع البلدان التي تعترف رسمياً أو بصيغة غير مباشرةبالقدس كعاصمة لاسرائيل ودعا المؤتمر مجلس الأمن الى تحمل مسؤولياته عن طريق فرض العقوبات المنصوص عليها في الفصل السابع في الميثاق على اسرائيل”.

كما “أكد رؤساء الدول والحكومات المشاركون في المؤتمر التزامهم بالاتفاق مع جميع الدول والقوى المحبة للسلام باتخاذ جميع التدابير في اطار الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن لمجابهة تحدي اسرائيل المستمر، وانه يتعين عليهم بصفة خاصة تطبيق كل العقوبات اللازمة بحق اسرائيل، وكذلك فرض الحظر الشامل والالزامي عليها، واقصاؤها عن المجتمع الدولي، ومن الضروري أيضاً دراسة الاجراءات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي يجب اتخاذها بحق البلدان التي تساند النظام العنصري الصهيوني”.

كما صدر عن قمة هافانا (3) قرارات خصص آخرها الذي يحمل رقم (4) لمدينة القدس تم التأكيد فيه على “تحرير القدس والحفاظ على طابعها ومظهرها التاريخي وانها جزء لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة”.

كما تضمن القرار شجب المؤتمر “لما يتم في القدس من اجراءات الضم والتهويد وسلب الممتلكات بالقوة، وشدد على ضرورة تحرير هذه المدينة من الاستعمار الصهيوني واعادتها الى السيادة العربية وطالب بارغام اسرائيل على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقدس واعلن ان جميع الاجراءات القانونية التي اتخذتها اسرائيل في مدينة القدس باطلة وطالب بالغائها”.

وفي مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز في نيودلهي بين 9-12/2/1981م “دان وزراء الخارجية بشدة استمرار الولايات المتحدة في موقفها المعادي للحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وللانسحاب الشامل غير المشروط من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة ومنها القدس. ودعا الوزراء مجلس الأمن الى اتخاذ التدابير اللازمة لاعادة السلم والأمن الدوليين وصونهما وفقاً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة”. بمعنى أن المؤتمر طالب باجبار اسرائيل على الامتثال لقرارات الأمم المتحدة باستخدام جميع الوسائل الزجرية بما فيها القوة العسكرية. وهو موقف متقدم على الموقف العربي والاسلامي. “كما أهاب الوزراء بجميع الدول الا تتعامل مع اسرائيل او تقوم بأي عمل من شأنه ان ينطوي على الاعتراف بالقدس كعاصمة لاسرائيل ولو بصورة ضمنية”.

غير أن حركة عدم الانحياز باتت على هامش السياسة الدولية في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفياتي ومعسكر وارسو لتبقى قراراتها بشأن فلسطين والقدس والأراضي العربية المحتلة الأخرى مطوية في بطون الملفات يعلوها الغبار بعد ان قرر أصحاب القضية الدخول في مفاوضات مباشرة علنية وسرية مع اسرائيل وعقد معاهدات الصلح والاتفاقيات المنفردة معها، وبخاصة بعد أن بلغت الحركة من التردي والضعف لدرجة انها لم تجد دولة تستضيف قمتها.