مع أن تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية يعود الى عام 1963م حيث عقدت مؤتمرها التأسيسي في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا من 23-26/5/1963م، فان اهتمامها بالقضية الفلسطينية عموماً لم يبدأ الا بعد حرب الخامس من حزيران عام 1967م. وكان ذلك بتأثير من الدول العربية الأفريقية تعبيراً عن تضامنها مع مصر العضو المؤسس والهام في منظمة الوحدة الأفريقية.

أما قضية القدس فقد تناولها مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في مؤتمره الاستثنائي لدورته الثامنة غير العادية المنعقدة في 19-21/11/1973م في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا لأول مرة بالمناقشة واتخذ قراراً بشأنها تضمنه البند الخامس من قراراته والذي خصصه للوضع الخاص بمدينة القدس اذ نص على “رفض مجلس الوزراء الأفريقي أي تعديل للوضع في القدس واعتبر اجراءات الضم التي تعرضت لها المدينة المقدسة لاغية ومرفوضة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 252 لسنة 1968 وقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2253 بتاريخ 4 تموز/ يوليو لسنة 1967م ورقم 2254 بتاريخ 14 تموز/ يوليو سنة 1967م”.

وجرى تناولها كذلك في الدورة (22) لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة في العاصمة الأوغندية كمبالا في نيسان (1974م). وقد تضمن القرار (331) الصادر عن هذه الدورة عدة مبادىء تتعلق بالقضية الفلسطينية أهمها:

  1. الانسحاب الكامل للقوات الاسرائيلية من جميع الأراضي العربية التي احتلت منذ حزيران 1967م.
  2. تحرير مدينة القدس.
  3. ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره”.

وفي دورة مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية (23) وفي ضوء مناقشته لأزمة الشرق الأوسط صدر القرار (332) أكد فيه المجلس على مضمون قراره (321) وعلى ان السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط يجب ان يستند الى “انسحاب القوات الاسرائيلية الكامل من جميع الأراضي العربية منذ حزيران 1967م حتى خطوط 4 حزيران 1967م، وتحرير مدينة القدس العربية، وممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره والاعتراف بالحقوق الوطنية، والاعلان عن تأييد المجلس الكامل لكفاح منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وكفاحها البطولي ضد الصهيونية والعنصرية”.

وقد صادق مجلس رؤساء الدول والحكومات الأفريقية في دورته (11) المنعقدة في العاصمة مقاديشو الصومال في حزيران 1974م على القرار (332).

ولكن التقدم الأهم في مواقف منظمة الوحدة الأفريقية سجله اعلان اديس أبابا الصادر عن الدورة (24) لمجلس وزراء المنظمة في 13-21/2/1975م والذي “دان فيه المجلس اسرائيل بشدة بسبب أعمالها العدوانية على كل الحرمات والمقدسات في فلسطين والأراضي العربية .. بشكل لم يشهده العالم من قبل من اعتى النظم الاستيطانية والعنصرية ..”.

كما اعتبر المجلس “قضية فلسطين والشرق الأوسط قضية أفريقية مثلها مثل قضايا زيمبابوي وجنوب أفريقيا، وان من حق افريقيا بل ومن واجبها ان يكون لها دور بناء في محاولات اقرار السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط ..”.

وفي الدورة (12) لاجتماع رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، المنعقدة في (كمبالا/1975) اقر المؤتمر بضرورة “وضع استراتيجية لتحرير فلسطين” بالتشاور ما بين جامعة الدول العربية ولجنة التنسيق لتحرير أفريقيا ..” كما أصدر المجلس قراراً خاصاً بفلسطين والشرق الأوسط “دان فيه اسرائيل لتقاعسها عن الامتثال لقرارات الأمم المتحدة وندد بشدة استمرارها في احتلال الأراضي العربية وتنكرها لوجود الشعب الفلسطيني وحقوقه ..”.

وأكد كذلك على قراره رقم (332)، وعلى احكام قرار الجمعية العامة رقم (3236/د.29)، ولا سيما “حق الفلسطينيين الثابت في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم، وحقهم في الاستقلال والسيادة، وان الشعب الفلسطيني يمثل طرفاً أساسياً في ارساء سلام دائم وعادل في الشرق الأوسط”.

وفي دورة انعقاده العادية (25) في كمبالا (18-26/7/1975م) صدر عن مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية اعلان أكد فيه على نفس المبادئ والمواقف التي أقرها في دورات انعقاده السابقة معتبراً سياسة اسرائيل “الشرق أوسطية” “عدواناً دائماً وتهديداً خطيراً لأمن الدول والشعوب العربية وسلامتها وسيادتها وان الوقت قد حان لاتخاذ الأمم المتحدة الاجراءات الزجرية المنصوصة في ميثاق الأمم المتحدة ضد اسرائيل بسبب استمرارها في انتهاك مبادئ الميثاق ومواصلة عدوانها ضد الدول العربية والشعب الفلسطيني… ودان اسرائيل لاستمرارها في سياسة العدوان والتوسع وضم الأراضي العربية بالقوة ومحاولتها تغيير طبيعتها الديمغرافية والجغرافية والاقتصادية والحضارية … ورفض اسرائيل المستمر الانصياع لقرارات الأمم المتحدة وتعطيلها المتعمد بشتى المناورات لأي جهد يبذل لاقرار السلام العادل والدائم في المنطقة، كما شجب موقف الدول التي تمد اسرائيل بالمساعدات والأسلحة ووسائل القتل والتدمير … (لتثبيتها) كقاعدة للاستعمار والعنصرية في قلب العالمين الأفريقي والعربي والعالم الثالث”.

أما مؤتمر القمة الأفريقية (12) المنعقد في كمبالا في 28/7-1/8/1975م فقد ناقش مشروع قرار خاص بفلسطين والشرق الأوسط واتخذ بشأنه القرار الآتي:

“يطالب جميع الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية باتخاذ الاجراءات الأكثر ملاءمة من أجل زيادة الضغوط التي تمارس على اسرائيل في الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة ومنها امكانية حرمانها من عضويتها في هذه المنظمات اذا اقتضى الأمر ذلك”.

كما اعتمدت القمة “اعلان اديس أبابا” حرفياً الذي شكل أساساً للموقف الأفريقي المبدئي من القضية الفلسطينية والقدس.

ولكن ماذا عن الموقف الأفريقي بعد توقيع مصر على اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية؟ وهل طرأ عليه تحول ملموس، وبأي اتجاه؟

يرى بعض المتخصصين بالشؤون الأفريقية ان الموقف الرسمي الأفريقي عموماً “ظل وفياً للمقررات التي اتخذتها منظمة الوحدة الأفريقية” بشأن قضية فلسطين والشرق الأوسط مستندين في ذلك الى قرار القمة الأفريقية المتخذ في دورتها العادية (16) المنعقدة في 17-20/7/1979 في منروفيا عاصمة (ليبيريا) الخاص بالقضية الفلسطينية والشرق الأوسط الذي يستنكر “الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، ويؤكد دعم منظمة الوحدة الأفريقية غير المشروط للحقوق الفلسطينية، منطلقاً من أن أي حل لمشكلة الشرق الأوسط لا يأخذ بعين الاعتبار القضية الفلسطينية محكوم عليه بالفشل. كما أدان المؤتمر الحلول الجزئية دون ذكر اتفاقيتي كامب ديفيد بالاسم”. الا أن اولئك لا ينكرون انعكاس الصلح المنفرد مع اسرائيل سلبياً على القضية الفلسطينية، وعلى مواقف الدول والمنظمات الاقليمية والدولية المناصرة للحق العربي والفلسطيني. اذ من غير المعقول ان تكون أفريقيا أكثر حرصاً من العرب على قضاياهم. وقد بدى ذلك واضحاً من خلال التفاوت البين في حدة الموقف الأفريقي قبل وبعد كامب ديفيد ولم تبق الأمور عند حد التراجع في لهجة الموقف الأفريقي، بل ان هناك دولاً مثل أثيوبيا قد مكنت يهود الفلاشا بالتواطؤ مع حكومة جعفر النميري بالهجرة الى اسرائيل فضلاً عن ان الباب بات مفتوحاً على مصراعيه أمام جميع الدول الأفريقية لاقامة علاقة دبلوماسية وتعاون عسكري واقتصادي وعلمي وتكنولوجي مع الكيان الصهيوني بعد أن تم كل ذلك بين مصر واسرائيل. وحتى بعد ان تحولت منظمة الوحدة الأفريقية في آخر قمة لها عقدتها في عاصمة التوغو (لومي دوكو 18-19/5/2002م) الى الاتحاد الأفريقي بمبادرة من الرئيس الليبي معمر القذافي على غرار الاتحاد الأوروبي، فان الأمور لا تبشر بمواقف أفضل طالما ان العرب انفسهم يتهافتون على امريكا من خلال اسرائيل.