بموجب نص الرسالة الملكية السامية الى دولة رئيس الوزراء

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي الأمين

دولة رئيس الوزراء الأفخم

الدكتور عبد السلام المجالي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

فإنه ليسعدني ونحن نحتفل بالذكرى العطرة للاسراء والمعراج ان نبعث إلى أسرتنا الأردنية الواحدة وإلى العرب والمسلمين كافة بأطيب السلام، وأزكى التحية وخالص التمنيات بأن يعيد الله سبحانه وتعالى هذه الذكرى على أمتنا وقد نهضت من كبوتها، ورصت صفوفها، ووقفت تواجه تحديات هذا الزمان حرة كريمة موحدة.

وفي هذه الذكرى يستولي علينا خشوع عميق حين نستمع إلى ترتيل القارئين لآيات المجد والحكمة :”(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)”. فيتضاعف ايماننا بقيمة المقدسات والقدس، هذه المدينة الخالدة التي تشهد في الآونة الحاضرة أوضاعاً صعبة معقدة، وتواجه مصيراً يشوبه الغموض، وهذا يؤكد واجبنا نحوها، فهي عزيزة علينا، وهي ملء جوانحنا وفي أعماق قلوبنا. ونشعر بان أي تفريط من العرب والمسلمين بشأنها سيقيده التاريخ بالالم والندم. ولقد كان الموقف الأردني الهاشمي من القضية الفلسطينية بعامة وقضية القدس بخاصة موقفاً مشرفاً، يقوم على ثوابت بصيرة من الحق والعدل ولا يعتريها وهم ولا ابهام ولا غموض، ولا تقبل التغيير ولا التبديل، فالقدس عربية إسلامية، عهدتها عمرية، وعهدها هاشمي، يستند إلى عزيمة الشريف الحسين بن علي الراقد فيها، ورؤية عبد الله بن الحسين شهيدها، ونحن على دربهم سائرون، نرى القدس قريبة مهما رآها غيرنا بعيدة ونراها جوهرة السلام وقاعدته، ووعدنا أن نطل على أسوارها ذات صباح – مهللين مكبرين.

لقد كان تشكيل اللجنة الملكية لشؤون القدس في الماضي عملاً أردنياً هاشمياً حكيماً يشعر بمكانة هذه المدينة من نفوسنا وعقولنا، وكان الهدف من انشائها هدفاً وطنياً وقومياً وإسلاميا يتناسب مع مكانة هذه المدينة وقدسيتها، وقد قامت اللجنة على طول سنوات الاحتلال البغيض بقسط جوهري من التوعية ورصد الحوادث، وتوثيق الدراسات.

ان القدس ذات علاقة وثيقة بعقيدة الامة، فهي أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى رسول الله محمد صلى الله علية وسلم، وهي ذات تاريخ حافل بالعظات والعبر والدروس، وهذه المكانة للمدينة المقدسة توجب علينا بذل مزيد من العناية بها والاهتمام بشأنها واقعاً وتاريخاً ومستقبلاً، وتدعونا إلى ان نعمل على تنقية تاريخها مما شابه وعلق به من تزييف وتشكيك وتحريف.

ومن المؤسف انها تمر في هذه الآونة بمنعطف تاريخي حرج أفقد أهلها الشعور بالأمن والاستقرار والسلام، واشاع في اجوائها حالة من القلق والخوف، وقد بلغ الاسى والمرارة مداهما من هذا الواقع الصعب الذي تعيشه، حيث شبعت ظلماً واتخمت مراوغة ومخادعة وتآمراً، وكل ذلك يضع اللجنة الملكية لشؤون القدس أمام مسؤولية كبرى هي مسؤولية الامانة العلمية التي توجب نفي المزاعم وتثبيت الحقائق، وتشجيع البحوث العلمية الرصينة، وتقديم المشورة فيما يؤكد عروبة القدس وإسلاميتها، ويدعم الموقف الأردني المشرف من قضيتها والمساهمة في الجهود المبذولة لعودتها إلى ايدي العرب والمسلمين حرة عزيزة كما كانت على مدى القرون والازمان.

وذلك كله يحتاج إلى بذل جهود متواصلة، واجراء دراسات علمية عميقة لابراز مكانة القدس، وتوضيح علاقتنا بها، والقيام بدور اعلامي وثقافي وتوجيهي مركز، تجند فيه وله الأقلام الأمينة النظيفة والعقول الراجحة، والضمائر الحية بصورة فاعلة ومؤثرة، وتدعم الحل المشرف لقضية القدس والمقدسات، وتسد الطريق على أي مخطط او توجيه يبتغي نزعها من ايدي العرب والمسلمين.

وينبغي ان يعلم العالم عنا من خلال اللجنة الملكية بصورة واضحة لا يشوبها لبس، اننا نحن الاردنيين لسنا طلاب غنائم، ولا طلاب وجاهات، ولا طلاب نفوذ ومراكز، وإنما نحن طلاب سلام وطلاب حقوق: حقوق أمة، وحقوق دين وحقوق حضارة وحقوق تاريخ، وليس لنا مصلحة فردية أنانية ننادي بها على حساب مصلحة القيم والاخلاق ومصالح الأمة العليا. ومن هنا فإننا نرى في مدينة القدس مرتكزاً لتوحيد جهود العرب والمسلمين والتقريب بينهم ولا ينبغي ان تكون مرتكز خلاف يأخذ طريقه في صفوفهم.

ان اعادة بناء اللجنة الملكية لشؤون القدس بصورة متينة هي إحدى الضمانات المهمة لرفع عملها وتعميق مهمتها، التي انشئت من أجلها في بادئ الأمر، حتى تنهض بأعباء المسؤولية المسندة إليها، خاصة في هذا الظرف الدقيق، ولا بد من رفدها بخيرة الكفاءات ودعمها مادياً حتى يتسنى لها متابعة الدراسات والبحوث العلمية والتاريخية والقانونية والشرعية الخاصة بالقدس الشريف، وتنظيم جهود الباحثين وتنسيق أعمالهم، وتعميم انتاجهم، والتعاون مع الجامعات ومراكز البحوث والدراسات في الداخل والخارج، وإقامة الجسور بينها ليكون الفهم لقضية القدس فهماً رصيناً بعيداً عن الانفعال وجموح العواطف. وإبراز الدور الأردني الهاشمي الرائد والمتميز في المحافظة على عروبتها وإسلاميتها وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

ونحن الهاشميين نسعى حتى يتحقق للقدس الشريف سلام دائم وعادل، ونناضل حتى تكون سبيلاً إلى وحدة العرب والمسلمين، وجمع صفوفهم، وتوحيد كلمتهم ولا نريد لها ان تكون سبباً إضافياً من أسباب الفرقة والخلاف فيما بينهم.

ولكي تتمكن اللجنة من النهوض بهذه المسؤوليات الكريمة وتحقيق الأهداف والغايات الجليلة، ومتابعة كل أمر يتعلق بالقدس والمقدسات في المجالات الدينية والتاريخية والسياسية والثقافية والاعلامية والقانونية، فإننا نأمر بإعادة تشكيل “اللجنة الملكية لشؤون القدس” برئاسة أخي وقرة عيني وولي عهدي صاحب السمو الملكي الامير الحسن، وعضوية الذوات التالية أسماؤهم:

  • سيادة المشير عبد الرحمن سوار الذهب
  • معالي السيد أحمد الطالب الابراهميمي
  • سماحة الشيخ أحمد الخليلي
  • سماحة الشيخ محمد المختار السلامي
  • فضيلة الشيخ محمد تقي الدين العثماني
  • فضيلة الدكتور فاضل الحسيني الجيلاني
  • فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
  • فضيلة الشيخ إسماعيل بن علي الأكوع
  • سعادة الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري
  • معالي وزير الاعلام
  • سماحة قاضي القضاة
  • معالي وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
  • معالي وزير الدولة للشؤون الخارجية
  • معالي الدكتور حازم نسيبة
  • معالي السيد عبد الله صلاح
  • معالي الدكتور جمال ناصر
  • معالي الأستاذ الدكتور كامل أبو جابر
  • معالي الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد
  • نيافة المطران سليم الصايغ
  • نيافة المطران سمير قفعيتي
  • سعادة الأستاذ الدكتور محمد عدنان البخيت
  • الأب قسطنطين قرمش
  • سعادة السيد عون الخصاونة

وإنني إذ أرجو أن تتمكن اللجنة من القيام بواجباتها ومسؤولياتها الجليلة وفاء للقدس وللأمة، لأود التأكيد على ضرورة تقديم كل ما تحتاج إلية من دعم مادي ومؤازرة وخبرات حتى تنهض بالأمانة على خير وجه.

والله نسأل ان يوفقنا جميعاً لما فيه مرضاته، إنه نعم المولى ونعم النصير.

عمان في 26رجب سنة 1414 هجرية.

الموافق 8 كانون الثاني سنة 1994 ميلادية.

اخوك

الحسين بن طلال

نص رسالة دولة رئيس الوزراء رداً على الرسالة الملكية السامية

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على النبي العربي الهاشمي وعلى آله أجمعين
مولاي حضرة صاحب الجلالة الملك الحسين بن طلال المعظم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

فقد تشرفت يا مولاي باستلام خطابكم، والذي أمرتم فيه باعادة تشكيل اللجنة الملكية لشؤون القدس، ولقد تمثلت كل كلمة جاءت فيه، فهو عامر بالفكر العميق والراسخ، وبالتوجيه الحكيم السديد، ولسوف أبذل قصارى جهدي كي نوفر للجنة الامكانات والمناخ المحفز، لكي تنهض بمسؤولياتها الدقيقة، وترقى إلى مستوى توقعاتكم فيها.

لقد جاءت توجيهاتكم الملكية السامية في الوقت الذي يحتفل المسلمون فيه بعيد الاسراء والمعراج، حين أسرى رسول الله محمد بن عبد الله إلى القدس، وعرج منها إلى السموات العلى، فكانت امتحاناً ودعماً، وتأكيداً لحقوق المسلمين في أقدس الأقداس، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين.

ولقد أثبتم يا مولاي، عبر السنين، جدارتكم واستحقاقكم لما ورثتموه عن جدكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، من مكانة وشرف، حين أوليتم القدس والأماكن المقدسة على أرضها الطهور، كل عنايتكم، ومتابعتكم، في حلو الأيام ومرها، فدافعتم مع جند الحسين على أسوارها، وجاهدتم وناضلتم حين تعرضت للاحتلال والحرق والتخريب، لكي تعيدوا إليها مكانتها، وزينتها، فتبقى شاهداً حياً عبر الأيام والسنين، على صادق عزمكم، وعلو همتكم.

والقدس يا مولاي تناديكم، وقد أحاط بها المكر والخديعة، وتفرقت حولها الأهواء والرغبات، وبات خطر طمس هويتها واقعاً، لكي تقودوا الركب لرص الصفوف، وتنقية النفوس، وتوجيه الجهد العربي والإسلامي، لإنقاذ القدس مما هي فيه، ومما تقاسيه.

ولقد جاء اختياركم يا مولاي لسمو الأمير الحسن بن طلال، ولي عهدكم الأمين، رئيساً للجنة الملكية لشؤون القدس خير دليل على الأهمية القصوى التي أوليتموها لهذا الأمر العظيم. فقد برهن سموه في جميع المواقف على علو الهمة، وصادق الفكر، والتوجه العلمي الرصين في جميع المسؤوليات التي كلفتموه بها، وكذلك كان يا مولاي الاختيار الدقيق لأعضاء اللجنة من ذوات إسلامية وعربية وأردنية، ممن أثبتوا جدارة في البحث، وصدقاً في الانتماء لأمتهم وأهدافهم السامية.

وانني يا سيدي أقدر الأهمية التي تولونها للقدس ومكانتها كل تقدير، فسأوفر للجنة الملكية لشؤون القدس، والتي أمرتم بإعادة تشكيلها كل الإمكانات والوسائل، حتى تقوم بإعداد البحوث والتحقيقات الموثقة الدقيقة، ولكي تبرز الدور الهاشمي الرائع في بنائها والحفاظ عليها، وتدعم موقفنا العربي والإسلامي من حقنا الراسخ فيها على أعين الدنيا كلها، ودعائي إلى الله العلي القدير أن يحفظكم من كل سوء، ويثبت أقدامكم، ويعلي كلمتكم حتى تتكلل مساعيكم الخيرة بالتوفيق والنصر المبين، إنه نعم المولى، ونعم النصير،

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

خادمكم
الدكتور عبد السلام المجالي
رئيس الوزراء

عمان في 28 رجب 1414 هجرية
الموافق 10 كانون الثاني 1994 ميلادية