ذكرى حرب حزيران عام 1967م ودعوة الأمة للتضامن

 

ذكرى حرب حزيران عام 1967م ودعوة الأمة للتضامن

                                                    عبد الله توفيق كنعان

تستذكر أمتنا العربية والإسلامية وأهلنا في فلسطين التاريخية في الخامس من حزيران الذكرى الثالثة والخمسين (53) المؤلمة لنكسة وحرب عام 1967م، تلك الذكرى التي تمثل حلقة من حلقات النكبة الفلسطينية والتي كان من أبرز نتائجها الميدانية احتلال إسرائيل لكامل الضفة الغربية ومنها القدس إضافة إلى قطاع غزة والجولان السورية وسيناء المصرية (التي خرجت منها لاحقاً)، وقتلها الآلاف، وتشريدها لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، وقد بلغ عددهم اليوم عدة ملايين، فيما يعيش من بقي منهم في فلسطين وفي القدس تحت وطأة الجرائم والمعاناة اليومية بسبب استمرار سياسة القتل والتهجير وفرض القوانين العنصرية ومصادرة وضم الأراضي وهدم الممتلكات، وبناء المستعمرات واعتقال الشيوخ والنساء والأطفال حيث يقدر عدد أسرى الشعب الفلسطيني في سجون الاحتلال الإسرائيلي حتّى آذار عام 2020م أكثر من (5000) أسيراً، من بينهم النساء والأطفال، إلى جانب المعتقلين الإداريين وعددهم بالمئات يُسجنون دون محاكمة، إلى جانب أحكام بالسجن المؤبد يزيد الحكم الواحد منها عن الخمسين عام وعددهم يزيد على (540) أسيراً، وعدد أسرى مدينة القدس وحدها يزيد على (300) أسيراً، وغيرها من الممارسات الإسرائيلية البربرية الوحشية التي تتناقض مع القيم الإنسانية والحقوق البشرية، وهذه الرؤية تجاه النتائج الكارثية لهذه الحرب يؤيدها عدد من الكتّاب والمفكرين الاوروبيين والإسرائيليين وغيرهم ، ممن يتذمر من السياسة العنصرية الإسرائيلية، فعلى الرغم من عدة حروب وعشرات المجازر التي قامت بها إسرائيل إلا أنها لم تحقق حالة الأمن والطمأنينة لمجتمعها، كما وعد بها كذباً قادتهم، وسوف تزداد خسائرها ما دامت تتحدى علناً الشرعية الدولية، وتستند على شريعة الغاب التي تحظى بدعم مباشر من الادارة الأمريكية الحالية وبضغط من اللوبي الصهيوني (إيباك) والجماعات الإنجيلية الصهيونية، ومن  الاعتداءات الإسرائيلية الحفريات والتنقيبات تحت المسجد الأقصى المبارك (بمساحته الكلية 144 دونماً) وما يتعرض له من اقتحامات يومية للمتطرفين لمحاولة فرض تقسيمه زمانياً ومكانياً.

أما من الناحية الإستراتيجية فقد أدت هذه الحرب إلى تعقيد ملف القضية الفلسطينية، وتقويض فرص تحقيق الأمن والسلام المنشود في المنطقة، لذلك نجد أن مشاريع التسوية السياسية المطروحة دولياً وإقليمياً جميعها تتمحور في مطلب رئيس هو ضرورة انسحاب إسرائيل إلى ما قبل حدود عام 1967م، فإلى جانب رفض إسرائيل أكثر من (800) قراراً صادراً عن الجمعية العامة ومجلس الأمن بخصوص فلسطين والقدس، فهي اليوم تسعى إلى تنفيذ مخططها بضم أراض في الضفة الغربية والغور، علماً أن هذا المخطط الصهيوني ليس بجديد، فقد مهدت له إسرائيل بالعديد من القرارات والقوانين العنصرية، وبتقسيمها للضفة الغربية إلى أكثر من 100 كانتون من خلال حواجز تُسهم بعدم وجود تواصل سكاني واقتصادي واجتماعي بين مكونات الجغرافيا الفلسطينية، كذلك من خلال إيجاد نحو 165 بوابة حديدية على مداخل المدن والقرى، ونحو 600 حاجز عسكري، وتقييد حركة أهلنا في فلسطين ببعض الشوارع الالتفافية التي خصصت للمستعمرين فقط، بحيث يصل طول شوارع الابرتهايد والتي يمنع الفلسطينيين تماماً من استخدامها في الضفة الغربية حوالي 40 كم تقريباً، في حين بلغ عدد المواقع الاستعمارية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية عام 2018 في الضفة الغربية حوالي 448 موقعاً، منها 150 مستعمرة، وحوالي 150 بؤرة استعمارية، كما شهد العام 2019 زيادة كبيرة في توسيع المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث صادق الاحتلال الإسرائيلي على بناء حوالي 8,457 وحدة استعمارية جديدة، بالإضافة إلى إقامة 13 بؤرة استعمارية جديدة، وبلغ مجموع ما أنفق على مشاريع الاستعمار الإسرائيلي ما بين عامي 2011-2018م حوالي أربعة مليارات شيكل، أي ( مليار و150 مليون دولار أمريكي)، وبالتزامن مع هذه الإجراءات يشن الكتّاب الصهاينة حرب إعلامية مضللة تستهدف الروابط الوثيقة بين شعوب أمتنا وقياداتها وركائز وحدتها، ضمن محاولة فاشلة منهم تسعى لتفريق الجبهة الداخلية لأمتنا.

إن تداعيات حرب عام 1967م، شملت وما تزال العديد من الإفرازات السياسية والمخططات التهويدية المستمرة، والتي جابهها الموقف الأردني ورفضها كلها، وآخرها الموقف الأردني تجاه ضم أراض من الضفة الغربية والغور، الذي عبر عنه جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين صاحب الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس خلال مقابلته مع مجلة دير شبيغل الألمانية بتاريخ 15/5/2020 بقوله: “إذا ما ضمّت إسرائيل بالفعل أجزاءً من الضفة الغربية في تموز، فإن ذلك سيؤدي إلى صِدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية”، وهذا الموقف الراسخ تجاه فلسطين والقدس بوصفها قضية وطنية وقومية، هو امتداد لتضحيات الآباء والأجداد من الهاشميين وبطولات الجيش العربي الأردني في معارك عام 1948 وعام 1967م.

إننا نقف في الاردن وفلسطين صفاً واحداً خلف القيادة الهاشمية في دفاعها عن الحق التاريخي للشعب الفلسطيني بإقامة دولته على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م، هذا الموقف الذي ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية والمطالبات الرسمية والشعبية العربية والإسلامية، ولأن المخططات والأهداف الصهيونية تًهدد الأمة ومقدساتها وثرواتها، والمأمول اليوم من أمتنا العربية والإسلامية توحيد الصف والكلمة، والتكاتف مع القيادة الهاشمية التي يشد من أزرها شعب مؤمن بها واثق بقوتها وحكمتها، اضافة الى مساندة  الأردن خط الدفاع الأول عن فلسطين والأمة ودعم صموده أمام المخططات الصهيونية، فقوة الأردن تعزز قوة فلسطين والأمة،وبهذا التضامن يمكن بناء إستراتيجية عربية وإسلامية مشتركة تكوّن قاعدة مركزية لحماية الأمة من أي نكبات أونكسات تهدد وجودها وتاريخها وهويتها، وإلى جانب ذلك فإننا نؤكد على ضرورة تقديم الدعم للأهل في فلسطين والقدس لتعزيز  صمودهم ورباطهم، ودعوة القوى الفاعلة في العالم إلى إلزام إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) إلى تنفيذ كافة قرارات الشرعية الدولية وإنهاء الاحتلال.

                                                   أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

الغد 8/6/2020

Comments are disabled.