القدس عبر العهود الإسلامية

القدس في العهد الراشدي

بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عام 11هـ أمر الخليفة أبو بكر الجيوش الإسلامية بالتوجه لفتح العراق وبلاد الشام ولكن الخليفة أبا بكر توفي قبل أن يشهد فتح المسلمين للقدس. وتم لهم ذلك في أيام الخليفة عمر بن الخطاب عام 15هـ، وتظهر أهمية القدس ومكانتها في الإسـلام في أنها المدينة الوحيدة التي زارها الخليفة عمر بن الخطاب من بين المدن العديدة التي فتحت في عهده، وقد اتخذ فيها الخليفة عمر جملة من الإجراءات الهامة منها :

  1. كتب وثيقة تسليم المدينة والتي عرفت بالعهدة العمرية.
  2. عين عبادة بن الصامت قاضياً ومعلماً للمسلمين فيها.
  3. أمر ببناء المسجد الذي عرف بمسجد القدس (المسجد العمري).

أما الخليفة عثمان بن عفان فقد اهتم بمدينة القدس وسكانها المسلمين. ويظهر ذلك من أنه أمر بوقف قرية سلوان على ضعفاء المدينة.

وبدأت منذ الفتح العمري للقدس عملية إعادة تعريب المدينة. فقد وفد إليها عدد كبير من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابناء القبائل العربية فهناك (9) من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم دفنوا في بيت المقدس ومنذ ذلك الوقت لم ينقطع مجيء القادمين الى القدس من صحابة وتابعين وعباد وصوفية واستمر ذلك في مختلف العصور الاسلامية.

القدس في العهد الأموي

اهتم الخلفاء الأمويون بالقدس بشكل كبير وحظيت في عهدهم بمظاهر الاحترام والتقديس وأهم مظاهر الاهتمام الأموي بالقدس:

  1. زارها كل من معاوية ابن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان وسليمان بن عبد الملك وعمر بن عبد العزيز.
  2. بويع فيها عدد من الخلفاء الأمويين، ففيها اتخذ معاوية البيعة العامة سنة 41هـ وكذلك فعل كل من عبد الملك بن مروان وابنه سليمان.
  3. ان اعظـم مآثر الأموييـن في بيـت المقدس هو بناء الخليفة عبد الملك بن مروان لقبة الصخرة عام 72هـ/ 691م وبناء الخليفة الوليد بن عبد الملك المسـجد الأقصى بشكله الحالي عام 90هـ/ 708م.
القدس في العهد العباسي

في سنة 132هـ/ 750م انتقلت الخلافة من الأموييـن في دمشق الى الخلفاء العباسـيين في بغـداد، ولكن الاهتمام بالقدس ومكانتها اسـتمر مميزاً في العصر العباسـي وظهر ذلك من خلال:

  1. قيام الخليفة أبو جعفر المنصور بزيارتين للقدس الأولى سنة 140هـ/ 758م حيث أمر بإعادة بناء المسجد الأقصى بعد سـقوط الأجزاء الشرقية والغربية منه بفعل الزلزال الذي أصاب المدينة سنة 130هـ/ 748م أما الزيارة الثانية فقد تمت سنة 154هـ/772م.
  2. زيارة الخليفة العباسي المهدي القدس سنة 163م/ 780م وأمره بإعادة بناء المسجد الأقصى من جديد بعد تعرض المدينة لزلزال أدى الى تهدم بعض أجزاء المسجد.
  3. أمر الخليفة العباسي المأمون أثناء زيارته للشام سنة 215هـ/ 830م بترميم قبة الصخرة.
  4. أمرت أم الخليفة المقتدر بالله سنة 310هـ/ 913م بصنع أبواب قبة الصخرة الأربعة من خشب التنوب.
القدس في العهد الفاطمي

أولى الفاطميـون القدس ولا سـيما المسجد الأقصى وقبـة الصخرة العنايـة الكاملة وظهر ذلك من خلال:

  1. قيام الظاهر لإعزاز الله عام 407هـ/ 1016م بزيارة القدس حيث أمر بإعادة بناء قبة الصخرة كما أعاد بناء المسجد الأقصى سنة 426هـ/ 1030م.
  2. أمر المنتصر بالله سنة 458هـ/ 1066م بتجديد الواجهة الشمالية للمسجد الأقصى.
  3. انشـأ الفاطميون في القدس المدارس والمسـتشفيات وأهمها البيمارستان الفاطمي ودار العلم الفاطمية.
القدس في العهد الأيوبي

عمل صلاح الدين الأيوبي وغيره من السلاطين الأيوبيين فور استرجاع القدس من الفرنجة (الصليبيين) سنة 583هـ/ 1187م على إعادة الطابع الإسلامي العربي للمدينة فقاموا بما يلي:

  1. أعاد صلاح الدين قبة الصخرة والمسجد الأقصى الى حالهما القديم فأمر بإزالة المذبح والصور والتماثيـل من داخل قبة الصخرة وعين لها إماماً ووقف عليها الأوقاف وأمر بترخيـم حجرات الأقصى ووضع فيه المنبر الذي صنعه نور الدين زنكـي.
  2. أقام الأيوبيون الكثير من الأبنية والقباب والمآذن والقناطر في منطقة الحرم الشريف.
  3. أسس الأيوبيون في القدس عشر مدارس منها المدرسة الصلاحية والمدرسة الختنية. كما أسسوا المستشفيات ومنها البيمارستان الصلاحي. أما الإنفاق على هذه الأماكن فكان عن طريق الأوقاف العديدة التي خصصت لها في القدس وخارجها.
  4. اهتم صلاح الدين والسلاطين الأيوبيون من بعده بتعمير المدينة، فقد حفر صلاح الدين خندقاً عميقاً وبنى أبراج حربية من باب العمود الى باب الخليل وانفق على ذلك أموالاً طائلة لتقوية دفاعات المدينة أمام أي محاولة صليبية لاحتلالها.
القدس في العهد المملوكي

أخذ التطور الذي شهدته القدس في العصر الأيوبي منحنى متصاعداً وثابتاً في عصر المماليك. فقد كان هذا العصر الذي دام اكثر من 260 سنة متميزاً سواء في النهضة العمرانية التي شـهدتها المدينة أو في إقامة المؤسسات الدينية والعلمية وكثرة الأوقاف التي خصصت لها وقد حظيت فيه المدينة بمظاهر التقدير بوصفها المدينة الثالثة في الإسلام.

وقد اتخذ اهتمام حكام المماليك بالقدس صوراً عديدة من أبرزها:

  1. الاهتمام بتعمير المدينة والأماكن الدينية فيها، فمعظم الآثار الباقية في القدس اليوم التي تعطي للمدينة صورتها التاريخية هي آثار مملوكية. فمن بين 153 أثر تضمنها الفهرس الذي أعدته المدرسة البريطانية للآثار في القدس هناك 81 أثراً ترجع الى عهد المماليك هذا فضلاً عن أعمال الترميم الكثيرة للاماكن الدينية المقدسة ولا سيما لمسجدي قبة الصخرة والأقصى.
  2. اهتم المماليك بتزويد القدس بالماء فعمروا قناة السبيل التي كانت تنقل المياه للقدس (الحرم الشريف) من عين العروب.
  3. أنشأ المماليك البرك والاسبلة والخانات والربط والزوايا والخوانق في المدينة منها:
    • اكثر من عشرين خاناً في القدس.
    • 12 رباط في المدينة.
    • 40 زاوية.
    • بنوا 6 خوانق.
  4. قام الملك الناصر محمد بتعمير قلعة القدس سنة 710هـ/ 1310م.
  5. اهتم المماليك ببناء المدارس في القدس وبلغ عدد المدارس التي كانت موجودة في القدس في عهدهم حوالي 57 مدرسـة من بينها 10 مدارس انشأها الأيوبيون. وهذا يعني ان المماليك أنشأوا حوالي 47 مدرسة منها المدرسة الدوادارية والتنكزية والجوهرية والاشـرفية السلطانية بحيث أصبحت القدس في العصر المملوكي مزاراً للعلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فأمها العلماء من المغرب والأندلس ومصر والعراق وإيران وبلاد الشام واستقر عدد كبير منهم فيها، ولذلك كانت القدس أحد المراكز الثقافية والعلمية المهمة في البلاد الاسلامية في العصر المملوكي.وقد خصص المماليك الأوقاف في فلسطين وخارجها للأنفاق على هذه الأماكن. فمثلاً أوقف الظاهر بيبرس قرية العوجا للأنفاق على الحرم الشريف.
  6. أهتم السلاطين المماليك بزيارة القدس. فقد زارها الظاهر بيبرس أربع مرات كما زارها كل من السلطان الناصر محمد وبرقوق والناصر فرج بن برقوق وغيرهم.
القدس في العهد العثماني

أولى العثمانيون القدس عناية واهتماماً كبيرين بالقدس. وتجلى ذلك الاهتمام بالآتي:

  1. قام السلطان سليم الأول عام 1516م بزيارة للقدس حيث تسلم مفاتيح مسجدي الأقصى وقبة الصخرة وقدم الهدايا والأموال لأهالي المدينة وأعفاهم من دفع الضرائب.
  2. أولى السلطان سـليمان القانوني عناية خاصة بالقدس بعد ان لقب نفسه بملك (مكة والمدينة والقدس)، وقد قام بعدة أعمال عمرانية عديدة في القدس. أهمها:
    • تجديد بناء قبة الصخرة المشرفة.
    • بناء سور القدس بين سنتي 934هـ- 947هـ/ 1527م-1540م.
    • ترميم قلعة القدس.
    • بناء التكية العامرة (تكية خاصكي سلطان)، وهي عبارة عن رباط وخان ومسجد ومطبـخ ضخم لاطعام الفقراء والمحتاجين.
    • بناء المسجد القيمري ومسجد الطور وقبتي الأرواح والخضر وحمامين ومقام النبي داود ومئذنة مسجد القلعة.

كما درج الخلفاء العثمانيون المتأخرون على نهج أسلافهم الأوائل بالاهتمام بتعمير القدس والأماكن الدينية فأنشأوا المدارس والمستشفيات والربط والزوايا والخانات العديدة.