3: ابعاد النظرة الاردنية للقدس

صورة القدس الاردنية متعددة الابعاد، ولكنها ابعاد متشابكة، تداخل فيها وعلى مدى العقود الستة الماضية التاريخي بالوجداني والروحي والديني، والمبدئي بالسياسي، والاستراتيجي بالتكتيكي، والوطني بالقومي والاقليمي والدولي، والاسلامي بالمسيحي واليهودي. ففي هذا السياق يقول جلالته في كلمة له في مأدبة عشاء اقامها الرئيس اللبناني شارل الحلو على شرف جلالته في بيروت في 23/8/1967:

“في العالم يا صاحب الفخامة، لؤلؤة لا كاللآلئ، وجوهرة لا كالجواهر، قد اعتدى عليها الغاصبون الآثمون، فدنسوا حرماتها ولطخوا اقداسها، ففجعوا معنا بغدرهم قلوب سائر المؤمنين بالله، الا وهي تلك المدينة العربية الخالدة بيت المقدس. ومن هنا يا صاحب الفخامة دعوتنا الى كل من تصله بالسماء رسالة الحق والمحبة لأن يقف معنا وينتصر لمهد عيسى ومسرى محمد، وحقها في رعاية شريفة وامينة وصون للحرمات والمقدسات عرفت يدنا العربية كيف تعطيها منذ اكثر من الف عام”.

ويقول الحسين في حديث آخر له بمناسبة ذكرى الاسراء والمعراج في 15/2/1958:

“حقاً ان مسرى الرسول قد ملك على العرب والمسلمين البابهم منذ فجر الدعوة الاسلامية الخالدة وسيبقى هذا شأنه الى يوم الدين. ونحن نشهد الله ونعاهد التاريخ المنصف على ان لا نفرط بشبر من ربوع المعراج الطاهرة وحمى الاديان السماوية الهادية الى الخير والرشاد”.

ويقول الحسين في حديث آخر له بذكرى الاسراء والمعراج في 25/1/1960:

“… وانني من هذه الارض المقدسة التي بارك الله حولها ادعو بني وطني وامتي وديني الى العمل الموحد من اجل احقاق الحق في فلسطين وفي كل بلد عربي، بل ادعو الإنسانية على اختلاف مشاربها في كل مكان ان تكفر عما حل بالمثل والمقدسات في هذه الارض التواقة الى الحرية والسلام”.

ويقول الحسين في حديث له بذكرى الاسراء والمعراج في 14/1/1961:

“نحن نقف في خط التضحية والفداء دفاعاً عن دنيا العروبة والاسلام، وذوداً عن مقدسات الشعوب من سائر الاديان”.

ويقول الحسين في حديث له لدى لقائه وفداً المانياً في 27/2/1961:

“من دواعي فخرنا أن تكون لدينا هذه الاماكن المقدسة: القدس وبيت لحم،والتي نحمل عبء الدفاع عنها والمحافظة عليها، لتظل مصدر اشعاع وهداية لسائر المؤمنين بالله ومزاراً للناس من مختلف اقطار العالم فهذه الاماكن لا تخصنا بل هي لجميع المؤمنين بالله”.

وفي رسالة بعث بها جلالة الحسين الى قائد سلاح المدرع الملكي آنذاك زيد بن شاكر في 4/5/1970 يقول الحسين:

“اردد عهداً قطعناه جميعاً على انفسنا، قوياً قوة الحق ان نعيش، رجالاً ونموت رجالاً، نحمي راية اسلامية عربية هي رمز تعلقنا بالقدس وتجعلنا في كل ذرة تراب في فلسطيننا من وطننا الواحد الكبير”.

ويقول الحسين في كلمة له في افتتاح مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية في 10/7/1980:

“ان القدس حبة قلوبنا ونور عيوننا، ورمز ايماننا ومسرى رسولنا، ومثوى شهدائنا وابطالنا، يستحيل علينا أن ننساها لحظة واحدة او نفرط في ذرة من ترابها”.

ويقول جلالته في حديث له لمركز تلفزيون الشرق الأوسط في 29/11/1991:

“القدس في القلب والوجدان، وهي بالنسبة لنا جميعاً من الأهمية بمكان وهي اكبر من ان تكون جزءاً من عملية، هي لكل المسلمين والمؤمنين بالله، وبطبيعة الحال هناك فيما يتعلق بالقدس اهتمام كبير، ولا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي ما لم تكن هناك معادلة تقبل بها ليس الاطراف المعنية بشكل مباشر، وانما فقط يقبل بها العالم العربي “الاسلامي وكل المؤمنين بالله”.

من خلال ما تقدم من استعراض لبعض المقتطفات من النطق الملكي السامي حول القدس يتبين للمرء ما يأتي:

  1. وحدة قضية القدس في ذهن القيادة السياسية الأردنية.
  2. صعوبة ان لم يكن استحالة الفصل بين ابعاد صورة القدس في ذهن القيادة السياسية الأردنية وسلوكها السياسي.
  3. تمحور الاستمرارية في الرؤية والسلوك السياسي الأردني حول الابعاد التاريخية والوجدانية والروحية، بينما يطول التحول البعد المبدئي – الاستراتيجي والبعد السياسي – التكتيكي حيث يشكل الاول مرتكزاً للسلوك السياسي الاردني، بينما يعكس الثاني محطات التحول وظروفها ومسوغاتها وطبيعتها وعمقها وقابليتها للتحقق.
  4. لذا فان البحث في أبعاد صورة القدس الاردنية سيتركز لما تقدم من معطيات من جهة ولطول الفترة الزمنية التي يغطيها البحث والتي تمتد لخمسة عقود متتالية من جهة ثانية، ولغزارة المادة من جهة ثالثة، على البعدين المبدئي – الاستراتيجي والسياسي – التكتيكي.

1:3: البعد المبدئي – الإستراتيجى

ان المتتبع للرؤية الأردنية لقضية القدس في بعدها المبدئي-الإستراتيجى سرعان ما يخلص الى الاستنتاجات الآتية:

  • قضية القدس هي لب القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع الصهيوني – العربي بمعنى آخر ان قضية القدس لا يمكن النظر اليها بمعزل عن القضية الام فلسطين، أو عن الصراع الصهيوني – العربي حيث تشكل القضية الفلسطينية احد اهم ابعاده المتعددة.
  • الصراع الصهيوني – العربي صراع ذو طبيعة وجودية ناف للذات الأخرى. بمعنى استحالة تعايش المشروع النهضوي العربي والمشروع الصهيوني على ارض واحدة بسبب اختلاف اصولهما العقائدية ورؤاهما الفكرية وتناقض مصالحهما الحيوية.
  • لذا فإن هذا الصراع لا يمكن حله الا بالسلاح وفي ساحات الوغى.
  • مع ان هذه النظرة المبدئية للصراع الصهيوني- العربي استمرت حتى اندلاع الحرب العدوانية الاسرائيلية ضد العرب واحتلالها لشبة جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية من المملكة الأردنية الهاشمية في الخامس من حزيران عام 1967م، إلا أن بوادر تحول في هذه النظرة المبدئية كانت تطفو على السطح بين حين وآخر. ففي هذا السياق يقول الحسين في حديث له لدى لقائه وفداً المانياً في 27/2/1961:

    “من دواعي فخرنا العظيم أن تكون لدينا هذه الاماكن المقدسة: القدس وبيت لحم التي نحمل عبء الدفاع عنها والمحافظة عليها، لتظل مصدر اشعاع وهداية لسائر المؤمنين بالله ومزاراً للناس من مختلف اقطار العالم، فهذه الاماكن لا تخصنا بل هي لجميع المؤمنين بالله”. ومع أن القدس وبيت لحم مكانان مقدسان لدى المسلمين والمسيحيين، وأن مصطلح “المؤمنين بالله”، قد يقصد به اليهود ايضاً، وهو ذات المصطلح الذي اخذ جلالته يمهد به للتحول المبدئي- الإستراتيجى شيئاً فشيئاً وصولاً الى مبدأ “لا سيادة على القدس الا لله” او “لا سيادة على الاماكن المقدسة الا لله”. كما أن جلالته كان قد اشار في كلمة له بمناسبة الاحتفال باعلان واشنطن بتاريخ 25/7/1994 وبحضور الرئيس الامريكي بيل كلنتون ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين الذي نص على انهاء حالة الحرب بين الأردن واسرائيل الى ان جذور ايمانه بالسلام والتعايش السلمي ما بين العرب واسرائيل تعود الى بدايات حكمه، لابل الى فترة حكم الجد المؤسس الذي رأى حل المشكلة اليهودية من خلال دولة عربية وحكم ذاتي لليهود.

  • ان مرحلة الثوابت في النظرة الأردنية للقدس باعتبارها بعداً من ابعاد القضية الفلسطينية جوهر الصراع الصهيوني العربي تنتهي مع النتائج الوخيمة العواقب التي خلفتها حرب الخامس من حزيران عام 1967 لتبدأ مرحلة جديدة طابعها الاساس التحول من النظرة المبدئية للصراع باعتباره صراعاً نافياً للذات الأخرى غير قابل للحل الا بزوال احد طرفيه الى صراع سياسي قابل للحل بالسبل والوسائل السلمية. وهنا يبدأ البعد السياسي لقضية القدس بالهيمنة.
2:3: البعد السياسي

يعتبر البعد السياسي من اهم واخطر أبعاد النظرة الأردنية للقدس. ففيه تصب جميع الابعاد الأخرى. وفيه تتفاعل سلباً وايجاباً. فهو وبحق المرآة العاكسة لجميع ابعاد النظرة الأردنية للقدس بصيغة التفاعل والتأثير المتبادلين. ومنه يستطيع المرء التعرف على مظاهر الأستمرارية والتحول ومحطاتهما وميادينهما وطبيعتهما ومدياتهما واهدافهما ومبرراتهما. وحتى لا يضيع المرء في متاهات التفاصيل ويضل الطريق لابد من تناول البعد السياسي عبر مراحله المختلفة وهي:

1:2:3: مرحلة ما قبل الخامس من حزيران عام 1967م

اتسمت هذه المرحلة بالسمات المركزية الآتية:

أولاً: استحالة التعايش مع الكيان الصهيوني. ففي هذه المرحلة ظلت المملكة الاردنية محكومة في سلوكها السياسي تجاه القضية الفلسطينية والقدس احد أهم محاورها الرئيسية بالبعد العقائدي المبدئي – الإستراتيجى للصراع، باعتبار الصهيونية ظاهرة استعمارية استيطانية إحلالية. لذا فهي مرفوضة ولا مجال للتعايش السلمي معها ومع كيانها اسرائيل على ارض العرب ومقدساتهم. اذ يقول الحسين بمناسبة عيد النهضة العربية في 21/3/1956م:

“ها هي الصهيونية تحتل قسماً من وطننا الغالي وقد اصابت للشعب العربي اعز تراثه واغلى مقدساته”.
لذا فان الأردن كان يرى معركة العرب الحاسمة مع الكيان الصهيوني، اذ يقول الحسين في اشارة تاريخية واضحة منه الى جذور هذا الصراع:

“لا نزال نعتقد جازمين بأن معركة العرب التي تنتظرهم لن تكون الا على صعيد الوطن السليب حيث حطين وغزة وبيت المقدس”. وعليه فلا عجب أن يشدد الحسين على:

“ان الأردن – يعاهد الله والتاريخ بالبقاء وفياً لآمال العرب، ساهراً على خط دفاعه، اميناً على تراثهم ومقدساتهم”. ويؤكد الحسين ذلك التوجه في مناسبة اخرى وبتصميم اشد بقوله: “ونحن نشهد الله ونعاهد التاريخ المنصف على ان لا نفرط بشبر من ربوع المعراج الطاهرة وحمى الاديان السماوية الهادية الى الخير والرشاد”.

ثانياً: التركيز على ابراز الطبيعة العدوانية للصهيونية وكيانها اسرائيل.

يقول الحسين بمناسبة الذكرى الثلاثين للجلوس على العرش في 11/1/1982م مؤكداً الطبيعة العدوانية التوسعية للصهيونية وكيانها اسرائيل اللذان ابتلى الاستعمار العرب بهما:

“وحسبنا ما بلوناه جميعاً من مكائد الاستعمار وشروره، وما حل بشعب فلسطين وكل العرب في صراعهم المصيري مع الصهيونية الغازية واحتلال اسرائيل لفلسطين كلها وما جاورها من ارض العرب العزيزة الغالية في سلسلة الحروب التي شنتها علينا، وتدنيسها ارضنا ومقدساتنا وتهويد وجودنا ومستقبل اجيالنا”.

ثالثاً: مركزية القضية الفلسطينية

ويقول الحسين في هذا السياق في نفس المناسبة الآنفة الذكر:

“.. ان احتلال اسرائيل لفلسطين كلها وغيها وتماديها في ممارساتها اللاإنسانية في القدس العربية وفي ارضنا المحتلة، يؤكد للعالم اجمع، دون لبس او ابهام ان مأساة فلسطين كانت في البدء وستبقى اساس الصراع وجوهر النـزاع العربي الصهيوني”.

2:2:3: مرحلة ما بعد الخامس من حزيران عام 1967م

اتسمت هذه المرحلة باستعداد عربي رسمي شبه شامل للقبول بتسوية سياسية للصراع الاسرائيلي- العربي. فالنتائج المدمرة التي جلبتها حرب اسرائيل العدوانية التوسعية في 5/6/1967م على دول المواجهة العربية جعلت الحسين وباتفاق مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يبدي مرونة في تحركه السياسي. وهذه المرونة السياسية لم تقتصر على الأردن فحسب، بل شملت سوريا، والجمهورية العربية المتحدة. إذ اصبح الشعار المتداول عربياً في اعقاب قمة الخرطوم المنعقدة في الفترة من 29/8-1/9/ 1967 م هو: “ازالة آثار العدوان”. وهذا يعني تحولا في السياسة العربية من تحرير كامل فلسطين الى ازالة آثار العدوان، وبالتالي التحول بالصراع الصهيوني العربي من صراع مبدئي وجودي ناف للذات الى صراع سياسي قابل للتسوية، وذلك بقبول: مصر والأردن وسوريا ومعظم الدول العربية الأخرى بقرار مجلس الامن رقم 242 والقاضي بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بإسرائيل دون أن يشترط لذلك مفاوضات مباشرة. ولا يقلل من حقيقة هذا التحول واهميته لاءات الخرطوم الثلاث العربية الشهيرة: لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. فالدول العربية المعنية مباشرة بقرار مجلس الأمن 242 قد قبلت في الواقع بمضامين هذا القرار واهمها مقايضة الارض بالسلام ، فاتحة بذلك الباب على مصراعيه امام تسوية سياسية للصراع الصهيوني العربي شريطة أن تكون تسوية جماعية لا انفرادية.

وجاءت أول إشارة أردنية للقبول بتسوية تعيد الضفة والقدس في قول الحسين في مأدبة غداء أقامها رئيس وزراء لبنان رشيد كرامي على شرف جلالته في بيروت في 24/8/1967م:

“سنعمل وسنكون على استعداد للتضحية بكل غالي ونفيس حتى تعود ارضنا وتعود القدس (التي) لا يمكن أن نقبل بيوم من الأيام أن يقال إنا تخلينا عنها، لتعود للمؤمنين بالله، تعود الى وضعها الطبيعي، تعود بأي شكل من الاشكال، واذا كان ما امامنا سبيل غير سبيل النضال والموت في سبيل أن تعود أو أن نقضي على الطريق هذا فسنختاره”.

ولكن الحسين لم يغلق الباب امام العودة الى الخيار العسكري سبيلاً لاستعادة الأراضي العربية المحتلة اذ يقول في حديث له لمجلة الاكسبرس في 29/8/1967: “أعتقد أن التراجع عن المواقع (أي تراجع اسرائيل) المحتلة منذ الخامس من حزيران هو فرض واجب”.

3:2:3 مرحلة ما بعد عام 1974م

اتسمت هذه المرحلة التي تمتد حتى عام 1988م ببروز تحول ذي طبيعة مزدوجة جمع ما بين المبدئي – الاستراتيجي وبين السياسي – التكتيكي، وذلك بحكم الظروف العربية والاقليمية التي أملته. وتمثل هذا التحول في نزول الأردن عند رغبة القادة العرب في قمة الرباط التي جمعتهم عام 1974م، باعتراف الأردن بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب العربي الفلسطيني. وفي هذا السياق يقول الحسين في خطاب له أمام مؤتمر القمة العربية في 27/10/1974م:

“ان بياني اليكم أيها الأخوة الكرام، يشتمل على عرض للموقف كما أعرفه وأراه … ومسؤولية الأردن في مساعيه الهادفة نحو تأمين الانسحاب الاسرائيلي الكامل عن الضفة الغربية المحتلة واعادة السيادة العربية على القدس الشريف. وعلى الرغم من أن الجيش العربي الأردني كان أصغر الجيوش العربية عدداً واقلها عدة، فقد تمكن الأردن من انقاذ الضفة الغربية والقدس العربية وحمى مقدساتها. وعندما عرض المستر وليم روجرز وزير الخارجية الأمريكي، مشروعه بتاريخ 20 حزيران عام 1970 الذي قبلته مصر والأردن، أجابته الحكومة الأردنية بكتابها المؤرخ في 26 حزيران 1970 بأنها في نظرتها الى تنفيذ قرار مجلس الأمن تنطلق من منطلقين أساسيين هما:

الأول:

وجوب قبول اسرائيل بمبدأ الانسحاب من كافة الأراضي العربية التي احتلتها منذ الخامس من حزيران عام 1967 دون أي استثناء وفي طليعتها القدس.

والثاني:

الاعتراف للشعب الفلسطيني بكامل حقوقه المشروعة … ان الأردن سيواصل العمل من أجل الانسحاب الاسرائيلي من سائر الأرض المحتلة وفي مقدمتها القدس، ويرفض أن يقوم السلام الا على هذا الأساس”.

وسواء كان قبول الأردن بقرار قمة الرباط لأسباب سياسية وتكتيكية للتخفيف من حدة الضغط العربي الرسمي داخل القمة الذي كانت تقوده مصر آنذاك وبدفع من منظمة التحرير الفلسطينية وبدوافع متعددة بقدر تعدد الأطراف العربية المشاركة في المؤتمر، أو كان قبولاً مبدئياً – استراتيجياً بغطاء عربي للتخلص من الضغوط الاقليمية والدولية واحترازاً من أن يكون الأردن يوماً موضوعاً للمساومة أو”الوطن البديل”، فان موافقة الأردن على هذا القرار تعني الخطوة العملية الأولى باتجاه التخلي عن السيادة الأردنية على الضفة الغربية المحتلة.

ويظهر ذلك في مدى المرارة والحرقة اللتين تضمنهما تصريح الحسين حول هذا القرار لدى عودته من قمة الرباط في 30/10/1974، حيث ذكر قائلاً:

“كم قاسيت في سهر الحكم ولكن عن رضى، وكم عانيت ولكن في ارتياح وبلوت من عبء القيادة ومواجهة الأحداث ما لم يشفع به الا الواجب القومي أو لأني من بيت كتب الله عليه أن يحمل الرسالة، فاذا القدس موطن الاسراء يرقد فيها الحسين الأول بجوار المسجد الأقصى، واذا عبد الله شهيد في الأقصى … وجرت بحكمها الأقدار، فاستغل العدوان الاسرائيلي المسلح واجتاح من أرضنا وحقنا ومقدساتنا ما اجتاح، ووقعت فلسطين كلها في يد الغاصب المحتل “.

ومع ذلك، وكما هو واضح مما سلف من اقتباسات، فان هذا التخلي كان جزئياً طال السياسة دون الجغرافيا. اي ان الأردن وان هو تخلى ظاهرياً لمنظمة التحرير الفلسطينية عن حق تمثيل الشعب الفلسطيني، الا انه ظل عملياً يتشبث بالسيادة الأردنية على الضفة الغربية لأسباب دينية وأخرى قانونية وسياسية تتعلق بحرص الأردن على عدم نشوء فراغ السيادة، وهو المدخل الخطير الذي ظلت إسرائيل تحاول النفاذ منه لضم الضفة الغربية. أضف الى ذلك ان الأردن يرى بأنه يتحمل مسؤولية أدبية وسياسية تجاه الضفة الغربية التي احتلتها اسرائيل وهي تحت السيادة الأردنية ودينية تجاه المقدسات الاسلامية فيها وبخاصة القدس، الأمر الذي يفرض على الأردن واجب النضال السياسي وغيره من أجل استعادتها للسيادة العربية، تاركاً للشعب العربي الفلسطيني حق تقرير مصيره بعد عودتها.

وظلت الرؤية الأردنية للقضية الفلسطينية بما في ذلك القدس، وسياسة الأردن الداخلية والخارجية، وكذلك العلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية محكومة بمبدأ وجوب انسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها القدس العربية وبحق الشعب العربي الفلسطيني بتقرير مصيره بعد خلاصه من الاحتلال. واتسمت هذه العلاقة بالتذبذب بين صعود ونزول، وبين تعاون وتعارض، وبين قطيعة ووصال، وبين تنسيق وصدام. اما الايجابية منها فتمثلت بانعقاد المؤتمر الوطني الفلسطيني في عمان، اذ يقول الحسين في كلمة الافتتاح لاجتماعات الدورة السابعة عشر للمجلس في 22/11/1984:

“تمضي السنون سبعة عشر عاماً ويزيد، والضفة الغربية والقطاع ما زالا في قبضة الاحتلال. والعدو ماض في البرمجة والتنفيذ، والقدس تئن صابرة تحت كل قلعة يهودية تقام على صدرها، والمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة مهددان بالهدم والازالة وقد استباحتهما أوهام وظنون المغتصبين والأرض المقدسة الغالية تقضم كل يوم مصادرة واستملاكاً أو باسم الأمن والتنظيم والاقتصاد … فعلى بركة الله باشروا أعمالكم، وصوب القدس وجهوا انظاركم وعلى الله اجعلوا اتكالكم. اننا معكم ولكم كما كنا أبداً حتى يعود الحق الى أهله وأصحابه وتنقذ الأرض والمقدسات ودرتها (قدس الأقداس)”.

أما مظاهر التوتر في العلاقة الأردنية مع منظمة التحرير الفلسطينية في هذه المرحلة فكانت بعد رفض المجلس الوطني الفلسطيني المصادقة على بيان 11/ شباط 1985م، الذي حدد مسؤولية كل طرف في تحرير الأرض العربية المحتلة في فلسطين ووقع بالأحرف الأولى من جلالة الحسين والرئيس ياسر عرفات. اذ أعلن الحسين في خطاب له من على شاشة التلفزيون الأردني عدم قدرة الأردن على التعامل مع منظمة لا تحترم كلمتها ولا تفي بالتزاماتها.

ففي خطاب للحسين موجه الى الأمة حول الرؤية الأردنية للقضية الفلسطينية في 19/2/1986م ذكر قائلاً :

“ان الأردن بحكم صلته التاريخية والجغرافية المباشرة بفلسطين والقضية الفلسطينية، وبحكم مشاهدته لما يجري في الأرض المحتلة، وفي القدس الشريف على وجه الخصوص، وبحكم ادراكه الواعي للفكر الصهيوني والمخططات الاسرائيلية التي تنفذ في مرحلة واقع التفكك، وبالتالي الضعف والشلل العربي والتفوق العسكري الاسرائيلي، … يدرك الخطر الكبير الكامن في حالة اللاحرب واللاسلم على الشعب الفلسطيني أولاً، وعلى الأمن الوطني الأردني ثانياً وعلى الأمة العربية من بعدها.

… ما الذي نفعله للقدس والمقدسات التي نتباكى عليها ليل نهار، وفي كل مناسبة وعيد؟

هل ينقذها الحيز الذي تحظى به أدعيتنا وابتهالاتنا؟ وهل يحميها من الخطر الداهم التغني بتاريخها ومعمارها؟
بل ما الذي نقدمه للقدس وللمسجد وللأرض وللشعب غير دراهم معدودة تتناقص كل عام، وشعارات رنانة براقة بعد كل مؤتمر واجتماع، وعبارات طنانة في كل تصريح وبيان وخلاصة المجادلات والمهاترات بين المجموعات المتنازعة ورسائل اليأس الصادرة عن التمزق العربي؟”.

اذن فالأردن لا ينظر للقضية الفلسطينية والقدس على أنها قضية قومية أو قضية تخص طرفاً دون آخر، فهي قضية وطنية اردنية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأمن الوطني الأردني. ويقول الحسين في هذا السياق وبنفس المناسبة الآنفة الذكر:

“… فبالاضافة الى التزامنا القومي والديني والأدبي تجاه القدس والمقدسات والشعب الفلسطيني ووطنه، فهناك مسؤوليات تجاه أمننا الوطني”.

هذه المسؤوليات تجاه الأمن الوطني الأردني هي التي كانت وراء سعي الأردن الدؤوب لاقامة علاقة أردنية فلسطينية تستند الى استراتيجية اردنية – فلسطينية اساسها استعادة الأرض والمقدسات المحتلة، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة على أرضه وعاصمتها القدس، وضمان الأمن الوطني الأردني. وهي التي كانت وراء القطيعة الأردنية مع منظمة التحرير الفلسطينية بسبب عدم التزامها باتفاق شباط الذي كان من منظور اردني يؤمن الوصول الى الأهداف الوطنية لكلا الطرفين من خلال استراتيجية تقود الى السلام العادل والدائم والشامل. وفي هذا السياق يقول الحسين في رسالة له بعث بها الى رئيس مجلس الأعيان الأردني آنذاك احمد اللوزي في 25/2/1986:

“تلقينا بالشكر والتقدير برقيتكم المتضمنة مشاعركم وزملائكم أعضاء مجلس الأعيان أثر كلمتنا التي وجهناها لأبناء أسرتنا الأردنية الواحدة والأهل الصامدين تحت الاحتلال، والى أمتنا العربية، حول ما آلت اليه الجهود المتصلة التي بذلناها من أجل التوصل الى حل يستند الى السلام والعدل ويقر الحقوق وينقذ الأهل والمقدسات من مخططات الاحتلال”.

4:2:3 مرحلة فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية.

تمتد هذه المرحلة عملياً من عام 1988 وحتى الآن. ويمكن القول ان هذه المرحلة قد شهدت أكبر تحول في الرؤية والسلوك السياسي الأردني للقضية الفلسطينية والقدس. ففي 31/7/1988م أعلن الأردن قراره التاريخي بفك الارتباط الاداري والقانوني مع الضفة الغربية دون أن يشمل ذلك القدس والأماكن والمقدسات الاسلامية في الضفة الغربية. اذ يقول الحسين في هذا السياق مخاطباً شعبه الأردني ومبيناً له الأسباب التي حملته على هذا القرار في هذه المرحلة بالذات:

“يسعدني أن أتحدث اليكم حيثما كنتم على ثرى وطننا الأردني العزيز وان أخاطب فيكم العقل والقلب معاً وقد باشرنا بعد الاتكال على الله وعلى ضوء دراسة عميقة مستفيضة باخذ سلسلة من الاجراءات لدعم التوجه الوطني الفلسطيني وابراز الهوية الفلسطينية، متوخين منها مصلحة القضية الفلسطينية والشعب العربي الفلسطيني.. ويقينا ان قرارنا باتخاذ هذه الاجراءات لا يفاجئكم فالكثيرون منكم ترقبوه، والبعض منكم (طالبوا) به قبل اتخاذه بزمن، أما مضمونه فقد كان للجميع ومنذ قرار قمة الرباط، محل نقاش وبحث واجتهاد”.

اذن فالاسباب التي حملت الأردن على اتخاذ قرار فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية باستثناء القدس والاماكن والمقدسات الاسلامية في الضفة الغربية هي:

  1. التجاوب مع رغبة منظمة التحرير الفلسطينية في اقامة الدولة الفلسطينية ذلك الهدف المركزي الذي عملت له منذ ان ظهرت للوجود على كسب التأييد العربي والدولي له تجسيداً للهوية الفلسطينية، الأمر الذي يعني عملياً الانفصال عن الاردن. الأمر الذي كان الأردن نفسه عام 1972 قد وضعه كخيار من بين خيارات ثلاث أمام القيادة الفلسطينية وهي:
    • العودة للوحدة الاندماجية كما كان عليه الحال قبل احتلال الضفة الغربية.
    • المملكة العربية المتحدة.
    • إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

    ويظهر ذلك جلياً من قول جلالته في خطابه حول فك الارتباط:

    “ومع ذلك يمكن للبعض ان يتساءل لماذا الآن؟ لماذا يتخذ القرار اليوم ولم يتخذ غداة قمة الرباط؟ أو غداة قرار قمة فاس مثلاً؟ وجوابنا على ذلك يقتضينا الرجوع إلى عدد من الحقائق التي سبقت قرار الرباط وإلى الاعتبارات التي انطلق منها النقاش والبحث حول الشعار الهادف الذي دفعته منظمة التحرير الفلسطينية وعملت لكسب التأييد له عربياً ودولياً، وهو هدف اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، الذي يعني فضلاً عما يعنيه من تطلع المنظمة لتجسيد الهوية الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني انفصال الضفة الغربية عن المملكة الأردنية الهاشمية.

    أما الحقائق التي سبقت قرار الرباط فقد قمت كما تذكرون باستعراضها أمام الأخوة القادة العرب في قمة الجزائر، ولعله من المهم التذكير بأن من أبرز هذه الحقائق التي ذكرت نص قرار الوحدة بين الضفتين في نيسان عام 1950، ويؤكد هذا القرار في جزء منه على “المحافظة على كامل الحقوق العربية في فلسطين والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة” وبملء الحق، وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة، في نطاق الاماني القومية والتعاون العربي، والعدالة الدولية. لذلك، وهذا يعني ببساطة اننا اعلنا موقفنا الواضح حول تمسكنا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على ترابه الوطني بما في ذلك حقه في اقامة دولته المستقلة، قبل قرار قمة الرباط باكثر من عامين، وهذا الموقف هو الذي سنظل متمسكين به الى ان يحقق الشعب الفلسطيني اهدافه الوطنية كاملة غير منقوصة بمشيئة الله.

    اما الاعتبارات التي كان ينطلق منها البحث دائماً حول علاقة الضفة الغربية بالمملكة الأردنية الهاشمية، على خلفية دعوة منظمة التحرير لاقامة دولة فلسطينية مستقلة فيمكن حصرها في اعتبارين اثنين هما:

    أولاً: اعتبار مبدئي يتصل بقضية الوحدة العربية باعتبارها هدفاً قومياً تلتقي عليه أفئدة الشعوب العربية وتتطلع الى تحقيقه.

    ثانياً: اعتبار سياسي يتصل بمدى انتفاع النضال الفلسطيني من الابقاء على العلاقة القانونية بين ضفتي المملكة”.

  2. التجاوب مع الرغبة العربية في رؤية الدولة الفلسطينية المستقلة حيث يقول جلالته في هذا السياق:

    “ويأتي هذا القرار كما تعلمون، بعد ثمانية وثلاثين عاماً من وحدة الضفتين، وبعد أربعة عشر عاماً من قرار قمة الرباط، وبعد ستة أعوام من قرار قمة فاس التي اجمعت على قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين كأساس من أسس التسوية السلمية ونتيجة لها”.

  3. حرص الأردن على أمنه الوطني وألا يكون الأردن ” الوطن البديل “. فالأردن كان أمام خيارين أحلاهما مر، خيار التمسك بالسيادة الأردنية على الضفة الغربية وهو هدف يتصادم كلياً مع هدف المنظمة في اقامة دولة فلسطينية وتجسيد الهوية الفلسطينية كنقيض للهوية الاسرائيلية. وبالتالي لا مناص من الصدام المتواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تمتلك هي الأخرى أوراق ضغط على الطرف الأردني اقلها التلويح بقبول فكرة الوطن البديل وهو الكابوس المرعب الذي يجثم عـلى صـدر كل أردني. مضافاً لذلك الرغبة العربية الرسمية في رؤية دولة فلسطينية مستقلة لا سيما وان اياً من الدول العربية لم يعترف رسمياً بوحدة الضفتين في اطار المملكة الأردنية الهاشمية. ويقول الحسين في حديث له مع مجلة الحوادث اللبنانية في 13/4/1979 في هذا السياق:

    “اذا كان الفلسطيني يعيش في الأردن بين أهله فذلك لا يعني أن القضية يمكن أن تحل باعطائه وطناً بديلاً، بل ان الحل هو في حق الانسان الفلسطيني على الأرض الفلسطينية، على التراب الفلسطيني، وحق مئات الملايين من البشر في القدس العربية”.

كما أن هذا الخيار يبقي على احتمالات ممارسة ضغوطات اسرائيلية دولية وبخاصة امريكية على الأردن للدخول في تسويات بديلاً عن الفلسطينيين. وهذا يشكل مصدراً خطيراً من مصادر تهديد الأمن الوطني الأردني. فأمريكا لا تمتلك استراتيجية شرق أوسطية سوى دعم اسرائيل اللامحدود ودونما قيد أو شرط. وسياستها في الشرق الأوسط هي سياسة ادارة الأزمات. أي أنها لا تتدخل وبحكم مصالحها الحيوية وهي اسرائيل والنفط اهمها الا في حالة تعرض هذه المصالح للخطر. وهذا هو مبرر جميع المبادرات الأمريكية. اذ يقول الحسين في هذا المقام مفسراً المبادرات الأمريكية المستندة الى سياسة ادارة الأزمات.

“وأود في هذا السياق، ان أضع امام اخوتي خلاصة تجربة الاردن مع الولايات المتحدة الأمريكية في الواحد والعشرين عاماً الماضية، وتتلخص هذه التجربة في ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تتبنى سياسة خارجية في الشرق الأوسط سوى دعم اسرائيل، اما سلوكها تجاه مشكلة (النـزاع العربي الاسرائيلي)، فيقوم على سياسة ادارة الأزمات، مع الأسف الشديد، فالولايات المتحدة لا تقوم بأي تحرك سياسي، ولا تتقدم بأي مبادرة للسلام الا بعد انفجار الوضع في المنطقة على شكل حروب، فالتحرك الأمريكي لاستصدار قرار مجلس الأمن 242، انما جاء بعد حرب حزيران، ومبادرة روجرز، جاءت في خضم حرب استنـزاف، وموافقتها على عقد مؤتمر جنيف، ودبلوماسية كسنجر المكوكية التي تبعتها، جاءت بعد حرب تشرين، ومبادرة الرئيس ريغان، جاءت بعد غزو اسرائيل للبنان، اما مبادرة شولتز فقد جاءت بعد انفجار الثورة الشعبية الفلسطينية في الأرض المحتلة. وفي كل مرة تنتهي المبادرة بانتهاء الأزمة”.

اما الخيار الآخر فهو خيار التخلي عن الضفة الغربية جغرافياً وسكاناً لصالح منظمة التحرير الفلسطينية – وهدفها الدولة الفلسطينية المستقلة. وهذا الخيار وان كان يحمل في طياته اضعافاً للأردن ديموغرافياً، الا أنه يسحب البساط من تحت أقدام جميع الراغبين في اللعب على التناقض الفلسطيني – الأردني، بشأن السيادة على الضفة الغربية والقدس ويوصد الأبواب أمام كل الساعين الى توريط الأردن في تسويات بدلاً من الفلسطينيين، ويعزز الثقة بين القيادتين الأردنية والفلسطينية ويؤسس لعلاقات أردنية – فلسطينية متكافئة وأخوية لها صفة الديمومة والسعي نحو علاقة مؤسسية مستقبلية بين شعبي البلدين وبملء ارادتهما الحرة. ويلغي الى الأبد فكرة الوطن البديل.

ولكن لماذا استثنت القدس من قرار فك الارتباط القانوني والاداري؟ ولماذا استثنت الأماكن والمقدسات والأوقاف في الضفة الغربية والقدس من هذا القرار؟ ثم لماذا عاد الأردن واقتصر استثناءه على القدس وحدها؟