ما شهدته الساحة الفلسطينية منذ سنوات، وما تشهده الآن من جرائم القتل والاغتيالات، على يد المؤسسة الصهيونية الحاكمة في تل أبيب، ان هو الاّ امتداد لجرائم اغتصاب الأرض وسرقة الوطن. والجريمة النكراء التي اقترفتها حكومة شارون يوم أمس، والتي أودت بحياة المجاهد الكبير الدكتور عبد العزيز الرنتيسي قائد حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في قطاع غزة، بعد حوالي ثلاثة أسابيع من الجريمة المروعة التي ارتكبتها ضد شيخ المجاهدين المقعد أحمد ياسين، مؤسس الحركة وزعيمها الروحي، هما حلقة في سلسلة متصلة من جرائم الاغتيالات الصهيونية التي بدأت باغتيال الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت عام 1948م، واستمرت باغتيال الشهداء أبو جهاد وأبو اياد ويحيى عياش وفتحي الشقاقي والعبيات وصلاح شحادة واسماعيل أبو شنب وغيرهم من رجال المقاومة الذين لا زالت دماؤهم الزكية تلطخ أيادي ووجوه القتلة العنصريين.

لقد حصد المشروع الصهيوني الذي مضى عليه ما يزيد على قرن من الزمان، والذي تجسد باقامة ذلك الكيان العنصري في أرض فلسطين، مئات الآلاف من الفلسطينيين ومن أشقائهم العرب في الأردن ولبنان ومصر وسوريا، وشرد الملايين، ونشر البؤس والجوع والخراب في ربوع الوطن العربي. وما يجري الان على أرض الرافدين من مذابح تقشعرّ لها الأبدان في الفلوجة وسائر المدن والقرى والبوادي، ما هو الا امتداد طبيعي لما يجري في فلسطين، حيث المحرض على الاحتلال الأمريكي هم صهاينة تل أبيب وواشنطن، واليد الأمريكية القاتلة هي لصالح أرباب المال المتاجرين بالنفط والدماء في واشنطن، ولصالح الصهاينة المغتصبين في فلسطين.

ان الدعم الذي قدمه الرئيس جورج بوش لشارون في زيارته الأخيرة لواشنطن حين أعلن على الملأ انكار حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى أراضيهم المحتلة منذ عام 1948م، واعلان البيت الأبيض مشروعية الاغتيالات التي ينفذها رجال المقاومة، بحجة الدفاع عن النفس في مواجهة ما يسميه “الارهاب” لن يخدم السلام الذي ترعاه الولايات المتحدة بل هو وصفة سحرية لاستمرار العنف، نتيجة المجازر الصهيونية في فلسطين والأمريكية في العراق، والذي ينذر بالانتشار للدول العربية المجاورة، في وقت ليس بالبعيد.

ونحن اذ نحذر من مغبة هذه الأفعال الشنيعة، لنتوجه لكل القوى التي يهمها السلام حقاً، الحريصة على عدم العودة لشريعة الغاب، في عصر الفضاء والتكنولوجيا و”حقوق الانسان”، كما يقال، ان تعلن موقفاً صريحاً تطالب بوقف نزيف الدم العربي في فلسطين والعراق، واطفاء لهيب النار التي تضطرم في صدور أبناء الأمة العربية والمسلمين كافة، حفاظاً على مصالحها أولاً، وعلى السلم العالمي ثانياً، وصوناً لقيم العدل والحق والمبادىء الانسانية التي يتشدقون بها.

ان الدولة التي ترفع راية الحرية والديمقراطية، وتسعى للقضاء على قوى الارهاب والظلام، يجب عليها هي أن تكف عن الارهاب، الذي يتجلى بأبشع صوره في احتلال بلد آخر وقهر شعبه، فتسحب قواتها وتعتذر للشعب عما ألحقته به، هذه هي الخطوة الأولى. أما الثانية فهي اعادة الوحش الصهيوني الى القفص، وهي التي أطلقته بعد أن ربته وغذّته هي وحليفتها الوفيّة بريطانيا، وهي لن تستطيع ذلك الا بعد التخلص من طغيان اللوبي الصهيوني على واشنطن. وللسلام طريق واحد : كفّوا عن قتل أبنائنا وارحلوا عن أرضنا.

عبد الله كنعان

18/4/2004