تصريح صحفي لامين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس الى وكالة الانباء الاردنية “بترا” بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لأحراق المسجد الأقصى الشريف

في مثل هذا اليوم قبل (33) ثلاثة وثلاثين عاماً تعرض الأقصى الشريف اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين الى عدوان غاشم تمثل في اقدام المجرم مايكل دينس روهان اليهودي الاسترالي الجنسية كاد ان يأتي عليه بالكامل لولا مشيئة الله التي تأبى ان تخرب بيوته؛ فالله حافظه كما حفظ الكعبة من قبل عندما هاجمها ابرهة الحبشي بجيوشه وفيلته.

ومثل هذا العدوان المبيت والخطير والمخطط له باتقان لا يمكن باي حال من الاحوال النظر اليه بمعزل عن السياسة العدوانية التوسعية الاستعمارية الاحلالية لاسرائيل المستندة الى الاساطير والحكايا والخرافات التوراتية والمحصنة بها التي لا ترى سبيلاً لتمرير سياساتها التهويدية الا بتحصينها عقيدياً وباجتثاث المسجد الأقصى بطريقة او بأخرى لتقيم هيكلها المزعوم مكانه باعتباره المدخل الامثل لتكريس احتلالها للقدس، والاحتفاظ بها عاصمة موحدة وابدية لكيانها ونقطة البداية في مخططها التوسعي العدواني بصيغه الجغرافية والتاريخية والتوراتية.

ولكن هل يمكن لنا معشر العرب والمسلمين ان نكتفى باستذكار ذلك الحريق مرة كل عام؟ ام ان هذا التاريخ المشؤوم يذكرنا بأكثر من ذلك ويتطلب منا مواقف وسياسات جديرة بمواجهة السياسة الاسرائيلية العدوانية التوسعية؟

اجل حريق الاقصى ظل وسيقى يدق ناقوس الخطر في الذاكرة العربية والاسلامية الفردية والجمعية، الشعبية والرسمية، العلمانية والدينية . حريق الاقصى يذكرنا بأكثر من نار اشعلت فيه لتأتي على بنيانه من الاساس وبأكثر من منبر التهمته السنة النار الصهيونية الحاقدة. حريق الاقصى يذكرنا افراداً وجماعات، شعوباً وحكومات بـ :

  1. اصرار اسرائيل على المضي قدماً في نهجها العدواني التوسعي الاستعماري الاحلالي بشتى الوسائل والسبل حتى وان اقتضى ذلك ابادة الشعب العربي الفلسطيني بأكلمه واستئصال امة عريقة من جذورها وتدمير مقدساته الاسلامية والمسيحية عن بكرة ابيها.
  2. ولادة منظمة المؤتمر الاسلامي كرد فعل على العدوان الاسرائيلي وعلى تواطؤ الكيان الاسرائيلي مع العصابات اليهودية المحلية والعالمية لاستئصال الاقصى؛ يذكرنا بقرارات المؤتمر الاسلامي التي ظلت حبراً على ورق لم تفو على تحريك ساكن لدى اسرائيل ومناصري سياساتها التهويدية، منظمة المؤتمر الاسلامي التي ولدت لتحرير القدس ولكنها على ما يبدو ضاعت في اكوام قراراتها التي ذهبت ادراج الرياح او طواها النيسان.
  3. قرارات الشرعية الدولية، قرارات هيئة الأمم المتحدة المسؤول الاول عن مأساة الشعب العربي الفلسطيني بقرار جمعيتها العامة رقم 181 لعام 1947 الذي نص على اقامة دولة يهودية في فلسطين على ما مساحته 56% من فلسطين الى جانب دولة عربية على الجزء المتبقى منها، وان يكون للقدس كيان خاص بها، فمنحت بذلك القرار اللاشرعي ارض شعب لأخر على غير وجه حق؛ فهي لا تملك مثل هذا الحق اصلاً، بينما هي لم تستطع ان تلزم اسرائيل ولو لمرة واحدة بالامتثال لقرراتها بحجة انها ليست ذات طبيعة الزامية وليست اكثر من توصيات متروك لاسرائيل الأخذ بها او تجاهلها من ناحية، وتحصن اسرائيل بالفيتو الامريكي من ناحية ثانية، مع ان اسرائيل مدينة بوجودها للقرار اليتيم رقم 181/1947 وهو قرار غير ملزم حسب المنطق الاسرائيلي والامريكي.
  4. لافعالية المجتمع الدولي في ظل السيطرة والهيمنة والتفرد الامريكي بالارادة والقرار الدوليين وتفرد اللوبي الصهيوني بشقيه المسيحي واليهودي (المحافظين الجدد) على الارادة والقرار الامريكي.
  5. مقولة كيسنجر: طريق القدس يمر ببغداد لنجد تطبيقها العملي باحتلال العراق خدمة لمصالح الولايات المتحدة الامريكية الحيوية وفي مقدمتها: النفط واسرائيل.
  6. حرب الابادة المنهجية الشاملة التي تشنها اسرائيل بزعامة السفاح ومجرم الحرب شارون ضد الشعب العربي الفلسطيني وسياسة المخاتله والمخادعة الاسرائيلية سياسة “الثعلبة في زي الناسكين” التي بلغت ذروتها في تصريحات وتحذيرات وزير الامن الداخلي الاسرائيلي اسحاق هنغبي” وغيره من مسؤولي الاجهزة الأمنية الاسرائيلية حول الاعتداء الذي قد تقوم به عصابات يهودية متطرفة ضد المسجد الأقصى.
  7. انتفاضة الأقصى التي كان سببها المباشر الاقتحام الاستفزازي العدواني الذي قام بها ارئيل شارون بحراسة الالاف من عساكر قوات الاحتلال المدججة بالسلاح في عهد سلفه ايهود باراك لساحة الحرم الأقصى وتدنيسه لها ؛ تلك الانتفاضة التي اندلعت في 28/9/2000 ولا تزال مستمرة حتى الآن. ولكن ورغم وجسامة التضحيات التي قدمها الشعب العربي الفلسطيني البشرية والمادية فان هذا الشعب مصمم على انتزاع حقه في تقرير مصيره مهما غلت التضحيات وعظمت واقامة دولته المستقلة ذات السيادة التامة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس، ولا سيما ان اسرائيل “بشاروناتها” المتعددي الاوجه والاشكال لم يتركوا له خياراً سوى قبول التحدي وركوب المخاطر والصبر على ويلات حرب الابادة الشاملة المنهجية التي تقترفها قوات الاحتلال الاسرائيلي ضده حتى تتحقق له اهدافه الوطنية ويستعيد ارضه التي كفلتها له الشرعية الدولية.
  8. حالة العجز العربي والاسلامي المطبقة والقاتلة في آن معاً بما جرته على الامتيين العربية والاسلامية من ويلات وكوارث بدأت باحتلال ما تبقى من فلسطين، وتهويدها بشتى السبل والوسائل واخطرها حريق الاقصى، واصرار الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على ازالته وبناء هيكلها المزعوم بدلاً منه وحروب الابادة الشاملة والمنهجية وصولاً الى احتلال العراق و”الحبل على الجرار”. حالة العجز العربي والاسلامي المستدامة هذه لابد لها ان تنتهي والا فان الامتين العربية والاسلامية سيكونان امتين خارج التاريخ تستبيح اراضيهم وتغتصب، وتداس مقدساتهم وتنتهك حرماتهم دون ان يرف جفن لاعدائهم وفي مقدمتهم اسرائيل.

فالاقصى ليس مجرد بيت، او مبنى يمكن ان يشب فيه حريق او تلتهمه السنه اللهب كأي بيت آخر. الاقصى رمز ايمان هذه الامة ووطنيتها وهويتها العربية الاسلامية. فالحريق الذي يلتهمه يلتهم الامة قبله، والتدنيس الذي يطاله يطال الامة العربية والاسلامية ابتداءً . ولو كان الاقصى بيتاً عادياً لما وقع الحريق اصلاً ولما كان المحرك لولادة منظمة المؤتمر الاسلامي بمؤتمراتها وقراراتها العتيدة. ولو كان الاقصى مجرد منبر لكفى الاردن الامتين العربية والاسلامية شر القتال. ولو كان الأقصى مجرد شقوق وتصدعات مزعومة او حقيقية لتكفل به رجال الخير من هذه الامة وهم كثر. ولكن الأقصى قضية امة وشعب يفرض عليهما الواجب القومي والديني ان يكونا بمستوى هذه القضية وتحدياتها فهل لنا ان نطمح بذلك؟ ام اننا نفكر خارج التاريخ؟!

الأمين العام

عبد الله كنعان

17/8/2004