ان الوعي بالتاريخ ومضامينه الدقيقة غاية ضرورية في الثقافة الحضارية المعاصرة، وسبيل للدفاع عن هويتنا وتراثنا وضمان استمرارهما للأجيال القادمة، ليكون ذلك معيناً لها في بناء الأمة والمضي قدماً وبكل ثقة في مشروع نهضتها.
ويندرج تحت واجب مساندتنا لأهلنا في فلسطين والقدس بغية عودة الحقوق الشرعية والتاريخية إليهم الكثير من الجهود ووجوه العمل، حيث يقع ضمن هذه الجهود ما يمكن تسميته بالجهد الثقافي لنصرة القدس وأهلها، خاصة في هذا العصر الذي تنتشر فيه المعارف والعلوم بشكل واسع يتخطى الحدود ليصل للجميع بفضل استخدام التكنولوجيا والتطور المعرفي الذي حدث على نطاق هائل، وذلك كله بات أمراً ملحاً له فوائد ونتائج عديدة، لعل من أبرزها ترسيخ الهوية الحضارية الفلسطينية والمقدسية والدلالة على عمق جذورها وصفاء منابعها العربية التي تعود إلى أكثر من خمسة آلاف عام، كذلك من فوائده أيضاً مواجهة الرواية الأسطورية الصهيونية المخادعة التي تعتمد على المبررات والإشارات التاريخية والأثرية المزيفة التي تحاول إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) ترويجها وإقناع العالم بها عبر وسائل الإعلام التي تمتلكها والموالية لها، في وقت نحن بحاجة فيه إلى إستراتيجية إعلامية موجهة للرأي العام الغربي تحدثهم بلغتهم، وتنقل لهم الأخبار والوقائع والتاريخ والثقافة الفلسطينية المقدسية الشرعية بشكلها الصحيح الأصيل دون تحريف، وقد كنت قد أعددت خطة إعلامية متكاملة بهذا الخصوص ستنشرها اللجنة الملكية لشؤون القدس قريباً.
وتضع اللجنة الملكية لشؤون القدس بين يدي المهتمين والباحثين عربياً وإسلامياً ودولياً هذا الكتيب بعنوان ((الروايات والوثائق التاريخية ودورها في حفظ الموروث المقدسي)) لمؤلفته الأستاذة الدكتورة غيداء عادل «خزنة كاتبي»، أستاذة التاريخ والفكر الاقتصادي والدراسات الحضارية الإسلامية في الجامعة الأردنية، والذي ناقشت فيه دور الوثائق التاريخية إلى جانب الروايات ومنهجها في حفظ التراث الثقافي المقدسي طوال الفترة الإسلامية، وذلك من خلال رصد وعرض وتحليل مضامين عدد منها، لتدلل على تأريخ وتطور هذه الثقافة وشموليتها وأبعادها الواضحة في الوثائق، إلى جانب ذلك عرضت الدكتورة الصعوبات التي واجهت الثقافة في القدس وبينت الكيفية الحضارية التي ابتكرها المقدسيون وبها استطاعوا تجاوز الصعوبات وأنتجوا ثقافة التحدي، وأود الإشارة هنا إلى مسألة مهمة وهي أن هذه الدراسة تمكن الباحثين الاستفادة من التراث الحضاري المقدسي وربطه بالمسار والتطور الثقافي المقدسي المعاصر، كما ويلاحظ أن الدراسة ومن خلال الوثائق بما فيها وثائق الأديرة (دير سانت كاترين) دللت على وجود حالة تاريخية أصيلة من الانسجام والتوافق بين مكونات المجتمع المقدسي (المسلمين والمسيحيين) في الأداء الثقافي العام لمدينة القدس وهو أمر ما زال موجوداً حتى اليوم وسيبقى مستقبلاً باعتبار ذلك ثقافة متأصلة، وسأترك للقارئ رصد العديد من الإشارات والمعلومات القيمة في هذا الكتيب.
ويسرني أن أقدم الشكر الجزيل للمؤلفة الأستاذة الدكتورة غيداء عادل «خزنة كاتبي»، على ما بذلته من جهد لإعداد هذا الكتيب، كما أشكر الدكتور نصر محمود الشقيرات مدير وحدة الدراسات والأبحاث في اللجنة الملكية لشؤون القدس على مراجعته الكتيب، وأشكر الأستاذ حسام نصار على الإخراج الفني والتصميم، والذي تنشره اللجنة الملكية لشؤون القدس سعياً منها إمداد المكتبة العربية والإسلامية وكل من يطلبها بإصدارات متخصصة بمدينة القدس.