راكان خالد الخريشا - في ظل التصعيد المستمر والانتهاكات المتكررة التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، تبرز أهمية تسليط الضوء على حجم التحديات التي تواجهها مدينة القدس ومسجدها المبارك، الذي بات في قلب صراع الهوية والسيادة والشرعية الدينية والتاريخية في المقابل، يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله، القيام بدوره التاريخي والديني في حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، من خلال الوصاية الهاشمية، التي شكلت على الدوام صمام أمان للحفاظ على هوية المدينة ومقدساتها، ودرعًا سياسيًا ودبلوماسيًا في وجه محاولات التهويد.
وبدوره قال الأمين العام للجنة الملكية لشؤون القدس، عبدالله توفيق كنعان، في تصريح خاص لـ"صدى الشعب"، إن الانتهاكات الإسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى المبارك لم تبدأ بعد حرب عام 1967 فقط، بل تعود إلى ما قبل ذلك بكثير، حين بدأت الحركة الصهيونية بوضع مخططاتها التوسعية وأضاف كنعان إن هذه المخططات لم تتوقف عند حدود عام 1948 عندما استولت إسرائيل على جزء كبير من مدينة القدس، بل استمرت بوتيرة متصاعدة حتى يومنا هذا.
وأشار كنعان إن الاحتلال الإسرائيلي، منذ عام 1967، يسعى لفرض السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى ضمن رؤية صهيونية توراتية مزيفة تدّعي أن ”الهيكل المزعوم” يجب أن يُقام مكان المسجد، ويعمل لتحقيق “التقسيم الزماني والمكاني”، وتابع كنعان إن ساحات الأقصى تشهد يوميًا اقتحامات متكررة من قبل المستوطنين والمتدينين اليهود، تحت حماية قوات الاحتلال، في ظل تقليص واضح لصلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، التي كانت ولا تزال الجهة المشرفة على المسجد الأقصى.
وبيّن كنعان إن الاحتلال استولى على باب المغاربة منذ عام 1967، وجعله المدخل الرئيسي لاقتحامات المستوطنين، الذين تطورت ممارساتهم من جولات سياحية إلى أداء صلوات وطقوس توراتية، في خرق فاضح للوصاية الإسلامية وأوضح إن سلطات الاحتلال حاولت تحويل مصلى باب الرحمة إلى كنيس يهودي، إلا أن وقفة أهل القدس وثورة المصلين أفشلت هذا المخطط، وأعيد فتح المصلى، وتم تركيب أبواب حديدية لحمايته من أي محاولة مستقبلية للسيطرة عليه.
ولفت كنعان إن المسجد الأقصى تعرض عام 1969 لحريق كبير أتى على منبر صلاح الدين التاريخي، والذي أمر الملك الحسين بن طلال – رحمه الله – بإعادة بنائه بنفس الطريقة الأصلية وبدون استخدام المسامير، وأردف أن جلالة الملك عبدالله الثاني أشرف شخصيًا على إعادة تركيب المنبر في المسجد، في حفل رسمي يعكس عمق العلاقة الأردنية التاريخية مع المسجد الأقصى مؤكداً إن الاحتلال لم يكتفِ بالاقتحامات، بل واصل الحفر أسفل المسجد الأقصى بحثًا عن آثار للهيكل المزعوم، ولم يجد شيئًا رغم استعانته بخبراء آثار عالميين، ولفت إلى أن عالمة آثار بريطانية عملت ثلاثين عامًا في القدس تم ترحيلها خلال 24 ساعة بعد نشرها تقريرًا ينفي وجود أي دليل أثري على الهيكل تحت المسجد.
وشدد كنعان إن القدس والأقصى لم يغيبا أبدًا عن بال وسياسة الهاشميين، والملك عبدالله الثاني أولى الأقصى والأوقاف الإسلامية عناية خاصة، هناك مجلس أوقاف في القدس تابع لوزير الأوقاف الأردني، وله صلاحيات كاملة لإدارة شؤون الأقصى، وفي الأقصى يوجد ما بين مئة وخمسين إلى مئتي معّلم، بينها مدارس وأماكن عبادة ودروس دينية وكرسي الإمام الغزالي الذي أُنشئ في الأقصى مبيناً إن الأوقاف الإسلامية في الأقصى عيّنت حراسًا وموظفين يصل عددهم إلى نحو ألف شخص يعملون هناك، وأن الأوقاف الإسلامية تملك أكثر من ثلث القدس القديمة، من منازل وعقارات، والثلث الآخر أوقاف مسيحية، ولذلك مجلس الأوقاف مُشكّل من أردنيين وفلسطينيين، وشغلهم الشاغل هو المسجد الأقصى، من صيانته وإعادة إعماره وكل ما يتطلبه من جهود.
وأوضح كنعان إن إسرائيل حاولت التدخل في الإعمار، لكن الأردن بحكم وصايته الهاشمية وعلاقاته وسلطته، وقف حائط صد أمام تدخل السلطات الإسرائيلية وأكد كنعان إن جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله أطلق عدة مبادرات في المسجد الأقصى، منها “كرسي الإمام الغزالي”، ومبادرة ”قرّاء القرآن الكريم” بمشاركة حوالي ألف قارئ في الأقصى، وهناك أيضًا مبادرات الإفطار اليومية في رمضان، وكل ما يحتاجه الأقصى، وجلالة الملك يتابعه أولًا بأول، وزاد مكافآت الموظفين والحراس وتابع كنعان إن جلالة الملك عبدالله بن الحسين أنشأ “الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة”، ويرأسه سمو الأمير غازي بن محمد، لتوفير التمويل اللازم للإعمار والصيانة.
وتمنى كنعان أن تتوحد كلمة العرب والمسلمين، وأن يتم دعم الأردن، الذي يقف دائمًا مدافعًا عن القضية الفلسطينية، وحاملاً لواء القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ومساندته في مواقفه وتابع أتمنى تحرير القدس وفلسطين من البحر إلى النهر، لأن الكيان الإسرائيلي رُفضت عليه كل مبادرات السلام، ومنها المبادرة العربية التي قدمتها سبع وخمسون دولة عربية وإسلامية مقابل التطبيع، لكنه رفض، وكذلك رُفضت عليه قرارات الشرعية الدولية: الجمعية العامة ومجلس الأمن واليونسكو وحقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، ومع ذلك ضربت إسرائيل بهذه القرارات عرض الحائط، ولا تلتزم بشيء، وترتكب المجازر في غزة، إبادة جماعية لشعب أعزل، طائرات تقصف مدنيين وبيوتًا وعائلات، ودمرت غزة، ورغم ذلك، صمد شعب غزة، وأعلن جلالة الملك عبدالله الثاني “لا للتهجير”، وأكد أن الأردن لن يسمح بتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، ويعتبر ذلك خطًا أحمر، لا للوطن البديل، والقدس خط أحمر، والأردن دائمًا مع فلسطين.
وشدد كنعان إن فلسطين للفلسطينيين، والأردن للأردنيين، وأن الجميع يعرف ما يبذله جلالة الملك عبدالله الثاني من اتصالات دولية وتحركات فورية، لا ينتظر اتصالًا بل يسافر فورًا لإجراء مباحثات، ويتابع القضية الفلسطينية أولًا بأول لكن إسرائيل، ضمن مخطط “إسرائيل الكبرى” وأهداف الحركة الصهيونية، تضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية، وللأسف، الولايات المتحدة الأمريكية هي الداعم الرئيسي للعدوان الإسرائيلي، ولولاها لاضطرت إسرائيل للالتزام بالشرعية الدولية.
ولفت كنعان ان اللجنة الدولية التي شكلتها بريطانيا بعد ثورة حائط البراق قابلت الجميع، وخلصت إلى أن حائط البراق والرصيف التابع له جزء من المسجد الأقصى وهو ملك خالص للمسلمين وقرار لجنة التراث في اليونسكو التي تضم علماء عالميين، بعضهم يهود، أعلنوا أن المسجد الأقصى بمساحته البالغة مئة وأربعة وأربعين دونمًا هو ملك خالص للمسلمين، ولا علاقة لليهود به على الإطلاق، ولا يوجد فيه أي أثر لهم ورغم ذلك، إسرائيل مستمرة في ممارساتها، لأنها تشعر بالدعم من اللوبي الصهيوني المسيطر في الولايات المتحدة وأوروبا، ويجري الكيل بمكيالين.
تقوم اللجنة الملكية لشؤون القدس بالعديد من الأنشطة الإعلامية التي تهدف إلى توضيح قضية القدس والدفاع عنها، وذلك من خلال اللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية المحلية والعربية، التي تُجرى في مناسبات خاصة أو تتناول أحداثًا معينة تتعلق بالقدس، بالإضافة إلى إصدار البيانات الصحفية التي ترد على السياسات والإجراءات الإسرائيلية في القدس، وتوزيعها على وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المختلفة، كما أصدرت اللجنة كتيبًا بعنوان “اللجنة الملكية لشؤون القدس – نشأتها وتطورها ووسائلها وهيكلها” باللغتين العربية والإنجليزية، وتسهم كذلك في المشاركة بالمعارض المتخصصة، والحوارات واللقاءات مع الجهات المعنية لإبقاء قضية القدس حية في الوعي العام، وتصدر اللجنة نشرة توثيقية شهرية باللغة العربية تحت عنوان ”نشرة القدس”، تتضمن دراسات وأبحاثًا منشورة في الصحف الأردنية والعربية، إلى جانب إعداد تقرير صحفي يومي يرصد الأخبار المتعلقة بالقدس في الصحف الأردنية والفلسطينية وبعض الصحف العربية والإسرائيلية الصادرة بالإنجليزية، كما تملك اللجنة مكتبة تضم حوالي 6000 كتاب يتناول موضوع القدس، وكتابًا يوثق طوابع القدس عبر التاريخ، وقد أصدرت حتى الآن 67 كتابًا مخصصًا لتوثيق مختلف جوانب قضية القدس.
وأوضح الدكتور كنعان انطلاقاً من أهمية التوعية بقضية مدينة القدس وتعريف الاجيال والمهتمين بهذه القضية أصدرت اللجنة الملكية لشؤون القدس العديد من الكتب والنشرات والدراسات والابحاث التي تسلط الضوء على القدس والاقصى وابعاد تطور هذه القضية وترسيخ الهوية الثقافية العربية لمدينة القدس فقد عمدت اللجنة الملكية لشؤون القدس لتحرير ونشر عدد كبير من الكتب من ابرزها “كتاب مدينة القدس في الطوابع العالمية” من اعداد جليل حنا طنوس وتقديم الدكتور عبدالله كنعان ليكون هذا الكتاب مرجعاً توثيقياً بين يدي المهتمين محلياً وعالمياً وكذلك عدد من الكتب من اعداد الدكتور نصر محمود الشقيرات وهي: “القدس وقرار ترامب” وكتاب “الاعتداءات الاسرائيلية على الاحياء والقرى والبلدات المقدسية ”وكتاب” نظرة في موقف الاحزاب الإسرائيلية تجاه مدينة القدس المحتلة”.
صدى الشعب 13/4/2025