عبد الله توفيق كنعان
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
يُعرف القانون الدولي وبحسب المادة 6 من نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية مصطلح الإبادة الجماعية" بأنه الأفعال التي يتم ارتكابها بقصد الإهلاك الكلي أو الجزئي لمجموعة قومية أو عرقية أو طائفية أو دينية، كما تعتبر الإبادة الجماعية جريمة دولية في راوندا، وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948م، هذه الاتفاقية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1951م بعد تصديق 20 بلداً عليها ، باعتبار ان المادة 13 من ميثاقها ينص على شرط عدد البلدان المصدقة لتدخل حيز التنفيذ، وفي اطار التطبيق التاريخي القانوني لها في المحكمة الجنائية الدولية ، ففي تاريخ 2 أيلول عام 1998م صدر اول حكم دولي بتهمة الابادة الجماعية ، وعلى صعيد السياسة الامريكية باعتبارها القوى الاكثر تاثيراً عالمياً في تطبيق الشرعية الدولية، فإنها في سياق استخدام المصطلح دبلوماسياً ولأول مرة تشير له بتاريخ 9 أيلول 2004م وتحديداً بخصوص قضية دارفور.
وتأتي ذكرى هذا اليوم الدولي ولا زالت تمارس من قبل الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين المحتلة وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي كل أركان جريمة الابادة الجماعية بحق فلسطين وأهلها وخاصة منذ السابع من اكتوبر عام 2023م (طوفان الاقصى)، علماً بأنها جريمة وحشية استمرت طوال تاريخ الاحتلال والاستعمار الاسرائيلي ، حيث تشير بعض الاحصائيات أن العصابات الصهيونية ارتكبت ما بين عامي 1937 و1948م حوالي 75 مجزرة، ارتقى على اثرها اكثر من 5 الاف شهيد، وبالطبع تزايدت الجرائم بعد النكبة عام 1948م اي بعد اقرار اتفاقية الابادة الجماعية، مما يشعر بعدم اكتراث اسرائيل لها ولغيرها من المواثيق والمعاهدات والقرارات الدولية، وهو امر يشكل تحدياً واحراجاً للمنظمات الدولية.
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة مرور 75 عاماً على اتفاقية منع الابادة الجماعية، تؤكد أنه وبالرغم من توقيع 153 دولة عليها، الا أنها ما تزال حبراً على ورق في ظل ما تمارسه اسرائيل من ابادة جماعية متوحشة ضد الشعب الفلسطيني، الامر الذي يجعل المؤسسات والمنظمات الدولية أمام مواجهة حقيقية تتفرع الى تحديين هما الدفاع عن شرعيتها ومنطلقاتها التي وجدت من أجلها، وأيضاً البحث عن سُبل كفيلة بتنفيذ شرعيتها والزام كل من يعارضها ويحاول نسفها مثل الاحتلال الاسرائيلي، الذي يعمد الى ممارسة الابادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، كذلك السعي نحو اغلاق المؤسسات الدولية مثل الاونروا ومنع ممثلي المنظمات الدولية من دخول فلسطين المحتلة والتضييق عليهم وتهديدهم في حال كانت تقاريرهم ترصد حجم عدوانهم السافر.
وتبين اللجنة الملكية لشؤون القدس أن هناك اعتراف دولي مقرون بأدلة قطعية بارتكاب اسرائيل للابادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قرارات المحكمة الجنائية الدولية، ففي عام 2015م قبلت بموجبه اختصاص المحكمة بالجرائم المرتكبة في الاراضي الفلسطينية المحتلة وتشمل جرائم حرب في سياق عدوانها على غزة عام 2014م وملف الاستيطان، ومؤخراً قرار المحكمة الجنائية الدولية باصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو و وزير دفاعه السابق يوآف غالانت، وفي سياق اعتراف العالم بممارسات اسرائيل الوحشية نذكّر بموقف وتذمر الكثير من العلماء والمفكرين والدبلوماسيين سواء من اليهود وغيرهم في الغرب، حيث اشار المؤرخ اليهودي المعارض للصهيونية ايلان بابيه، لجرائم اسرائيل في كتابه " التطهير العرقي في اسرائيل"، وكتابه " اكبر سجن على الارض : تاريخ الاراضي المحتلة"، وهو اتجاه اتفق معه في مضامينه المؤرخ شلومو ساند وكتابه " اختراع الشعب اليهودي"، والعالم اليوم شاهد على تصريحات المسؤولين الاسرائيليين ودعواتهم الصريحة بابادة الشعب الفلسطيني خاصة بعد السابع من اكتوبر، ومنها تصريح ما يسمى وزير التراث الاسرائيلي عَميحاي إلياهو، " إن إلقاء قنبلة ذرية على غزة هي إحدى الإمكانيات في الحرب".وفي ذات الاطار التحريضي قال نائب رئيس الكنيست، نيسيم فاتوري، إنه "لجميعنا هدف واحد مشترك الآن – محو قطاع غزة من على وجه الأرض"، وأنه "يجب إحراق غزة". ، وغيرها من تصريحات رجال السياسة والاعلام في اسرائيل ودون خجل او خوف من العقاب والتي تطالب صراحة بالابادة الجماعية وتنشر الكراهية والشر وتعرض الاقليم لحرب بدأت تتزايد اليوم رقعتها.
وتؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس أن العالم الحر ومنظماته الحقوقية والقاانونية مطالبة اليوم باعادة الثقة بها وبتعزيز ارادتها ومكانتها من خلال حماية الشعب الفلسطيني من خطر التجويع والابادة والتهجير، اضافة إلى القيام بكل ما يلزم من ضغوط وعقوبات لردع اسرائيل، ليعيش العالم في ظل حقوق الانسان والعدالة والديمقراطية بدلاً من شريعة الغاب وسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها اسرائيل ومن يدعمها، وسيبقى الاردن شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس السند والداعم لاهلنا في فلسطين والقدس مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، بما في ذلك دور المؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني والاعلام بكافة اشكاله من حشد الراي العام العالمي وبيان حجم الابادة الجماعية الخطيرة التي تمارس على الشعب الفلسطيني من البحر الى النهر.
بترا 11/12/2024