عبد الله توفيق كنعان
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
شهد شهر يناير في العديد من السنوات خطوات تشريعية تعنى بحقوق الطفل على مستوى العالم ، ومنها في شهر يناير 1990م فتح باب التوقيع والتصديق أو الانضمام لاتفاقية حقوق الطفل التي ادرجتها الجمعية العامة للامم المتحدة ضمن القانون الدولي عام 1989م، كذلك كان دخول الاتفاقية الاوروبية بشأن ممارسة حقوق الطفل حيز التنفيذ في شهر يناير عام 2000م، وعلى الصعيد العربي قامت جامعة الدول العربية في يناير عام 2004م ، بإقرار خطة العمل العربية الثانية للطفولة للأعوام (2004-2015)،كما قرر مجلس التعاون الخليجي عام 2020م باختيار يوم 15 يناير من كل عام، ليكون يوماً للطفل الخليجي،
ولكن يبقى لشهر يناير الفلسطيني وفي كل عام حديث آخر مؤلم حزين، توجه فيه رسالة انسانية للعالم، والذي أصبح اليوم وللاسف يقف صامتاً وعاجزاً أمامها، حيث تُصدر في هذا الشهر العديد من المؤسسات الحقوقية والقانونية ومراكز الدراسات تقارير تتضمن احصائيات ترصد انتهاكات الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين والقدس، يتصدر فيها الطفل الفلسطيني القائمة الاولى في الوجع والمأساة، لتعرضه للقتل والاسر والاعتقال والحرمان من العلاج والطعام والصحة والتعليم واضطراره للعمل ليتمكن هو وأهله من العيش.
ففي غزة وحدها ومنذ السابع من اكتوبر عام 2023م ارتقى 18 الف طفل شهيداً، عدا عن الالاف من المفقودين والاسرى والنازحين والايتام والمحرومين من التعليم، وليس الحال بأقل قسوة في مدن الضفة الغربية المحتلة، ومنها مدينة القدس التي استشهد منها خلال عام 2024م ما مجموعه 14 طفلاً أصغرهم الطفلة رقية أبو داهوك وعمرها ثلاث سنوات، ويزداد الظلم والوحشية الاسرائيلية باحتجازها في الثلاجات ومقابر الارقام جثامين 10 أطفال شهداء، كما اعتقل 112 طفلاً ، وبحسب مؤسسة الضمير لرعاية الاسير وحقوق الانسان فهناك 10400 اسير فلسطيني من بينهم 300 اسير مقدسي بمن فيهم الاطفال، إضافة الى عشرات الاطفال المقدسيين ممن تعرضوا للاعتداء الجسدي والرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط وحالات الاختناق بالغاز والضرب المبرح والحبس المنزلي، وبالطبع فإن الايذاء النفسي والخوف والترهيب اصبح مناخ شبه يومي للطفل المقدسي الفلسطيني .
وفي سياق تجاوز المفهوم التشريعي الدولي والاخلاقي للقانون فان الاحتلال الاسرائيلي وامعاناً في الظلم والابرتهايد يشرع قوانين عنصرية ظالمة، ولكن وبالرغم من أن جميع القوانين العنصرية تطال الاطفال باعتبارهم من مكونات الاسرة المقدسية المستهدفة، الا أن هناك قوانين ابرتهايد لها تأثير خطير على تهجير الاطفال وحرمانهم من التعليم ومنها مصادقة كنيست الاحتلال في 7 تشرين الثاني بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون يسمح بترحيل عائلات ( منفذي عمليات المقاومة) الى غزة او جهات اخرى تحدد حسب الظروف، وهذا من قوانين العقاب الجماعي المحرمة دولياً، كما أقر الكنيست أوامر مؤقتة تتيح سجن الأطفال تحت سن 14 عاماً، كما أقرت الهيئة العامة للكنيست يوم 11 كانون الأول، بالقراءة التمهيدية، وبأغلبية أصوات الائتلاف اليميني المتطرف وقسم من المعارضة الصهيونية، وبدعم من الحكومة، مشروع قانون يمنع تسليم جثث المقاومين الفلسطينيين، بل دفنهم في مقابر خاصة تحت سلطة الجيش الاسرائيلي وبالطبع من ضمنهم الاطفال الشهداء، كما طرح للتشريع الظالم أيضاً مشروع قانون يسعى لجعل قانون منع لم شمل العائلات الفلسطينية من قانون طوارئ مؤقت الى قانون ثابت، وبالطبع لهذه الحزمة التي لا يمكن تسميتها بالقانون بل شريعة الغاب لها من ظلم وانعكاس خطير على الطفل .
ولان قطاع التعليم يعتبر ركيزة مهمة في الحفاظ على الهوية الحضارية الثقافية الفلسطينية بما فيها المقدسية ولارتباطه بمستقبل الاجيال، فقد عمد الاحتلال الاسرائيلي الى زيادة تضييقه وحربه الممنهجة ضده بهدف تهويده واسرلته ، ووفق دراسة احصائية اعدتها (مؤسسة فيصل الحسيني) في مدينة القدس عام 2022م، تشير الى حاجة المدارس ( حوالي 146 مدرسة) وتتبع الأوقاف العامة، المدارس الأهلية، ووكالة الغوث الى مبلغ مالي قدره (11,814,685) مليون دولار، لتوفير وشراء الأثاث والاجهزة التعليمية للصفوف والمختبرات والمشاغل التعليمية، وبالطبع تواجه وكالة الاونروا نفسها الخطر بعد فرض القيود والتهديد بحظرها في القدس ومصادرة الاحتلال لمقراتها ، والتحدي البالغ الخطورة أيضاً هو اغلاق المدارس بسبب مطالبة اسرائيل هذه المدارس بضرورة القيام باعمال الصيانة والذي هو امر مرفوض طبعاً، ولكنه اسلوب ممنهج ليكون حجة لاغلاقها او تحويلها تحت اشراف بلدية الاحتلال، واجبارها على ضرورة تدريس المنهاج الاسرائيلي وسط اجراءات ومعيقات تتعلق بتأخير الترخيص، اضافة الى منع المدارس من تعيين حملة الشهادة الجامعية من خريجي الجامعات الفلسطينية، حيث جرى إغلاق ما يزيد عن 8 مدارس لعام 2024م بسبب مضايقات الاحتلال، مثل مدرسة وروضة احباب الرحمن الاساسية (من عمر 3 -12 سنة) وعدد الطلبة فيها 250 طالباً، اضافة الى تزايد تسليم اخطارات الهدم للمدارس ومن ذلك تسليم مدرسة خاصة في منطقة العيسوية (مدرسة المستقبل الخاصة) اضافة لنادي رياضي وهو المتنفس الوحيد في البلدة للشباب، اخطاراً بالهدم بتاريخ 21/2/2024م، كما يتعرض الطلبة لمضايقات وحواجز تفتيش تمنع وصولهم لمدارسهم أو اثناء مغادرتهم لها، كما أنهم يتعرضون لالقاء قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم واقتحام مدارسهم، كما جرى بتاريخ 28 كانون الثاني من اقتحام مدرسة الاقصى الشرعية للبنات ، اضافة الى عقوبة الحبس المنزلي لبعض الطلبة مما يعرضهم لازمة نفسية واجتماعية ويزيد الاعباء على اسرهم حيث تتحول الام او الاب الى سجّان لابنه .
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وأمام الاحصائيات والواقع اليومي الخطير للطفل الفلسطيني، تدعو الرأي العام العالمي بما فيه المنظمات والمؤسسات الدولية المشرعة والموقعة على عشرات الاتفاقيات والمعاهدات المعنية بحقوق الانسان بشكل عام وحقوق الطفل بشكل خاص، الى سرعة انقاذ الطفل الفلسطيني والمقدسي من أهوال الاحتلال وجرائمه المستمرة، ففي يناير شهر الاتفاقيات والقرارات المعنية بالطفل لسان حال كل حر في العالم هو اين العالم الذي يتغنى بحرية الانسان وحقوق المرأة والطفل مما يجري في فلسطين والقدس من جرائم وابادة جماعية وتطهير عرقي ؟، واين المؤسسات الحقوقية والقانونية والاعلامية من فضح الاعتداءات الاسرائيلية ضد الاطفال والنساء والشيوخ؟.
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد للمجتمع الدولي بان شريعة الغاب الاسرائيلية وممارسات الاحتلال اليومية لن تفلح في تحقيق وهم الامان المزعوم، بل ستزيد القناعة لدى الاجيال بان المقاومة والنضال هو السبيل الوحيد للحياة والكرامة، وسيبقى الاردن شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية في القدس السند الداعم للشعب الفلسطيني بمن فيه الشيوخ والنساء والاطفال، انطلاقاً من حقهم في تقرير مصيرهم واقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
الدستور 20/1/2025