بيانات اللجنة

مشروع وادي السيليكون الاستعماري.. تساؤلات مشروعة ومقارنات ممنوعة

عبدالله كنعان*

تقوم التنمية في عالمنا المعاصر على التخطيط وطرح البرامج، والغاية الاساسية هي النماء والتطور الاقتصادي وتحقيق مستويات عالية من الرفاهية للأفراد، أي أن المشاريع الاقتصادية يقاس نجاحها بمقدار ما تحققه من نتائج تنعكس ايجاباً على المجتمعات المحلية والعالمية، وهُنا سأقف بشكل موجز أمام مشروع (وادي السيليكون الاستعماري) في وادي الجوز في مدينة القدس، وآخر هو مشروع (وادي السيليكون الأوروبي) في بريطانيا، محاولاً طرح تساؤلات مشروعة قانونياً وانسانياً وعقد مقارنات وصفتها بالممنوعة للأسف، لأن العالم الذي يدعي الديمقراطية وحقوق الانسان بات لا يسمح بها ولا ينصت أو ينظر لها.

فأما مصدر مصطلح مشروع وادي السيليكون (Silicon Valley) فقد جاء نسبة لمنطقة تقع في شمال كاليفورنيا أو بحسب رؤية القائمين على المشروع كاليفورنيا للابد (california forever)، وتُعد هذه المنطقة مركزًا عالميًّا للتكنولوجيا والابتكار وموطنًا للعديد من أكبر شركات التكنولوجيا الفائقة في العالم مثل فيسبوك وغوغل وأبل وغيرها، وبحسب بعض التقارير فإن هناك 85 مليارديرا في وادي السيليكون الاميركي، وأن المنطقة تُعد ثالث أكبر تجمع للمليارديرات في العالم، ومن هنا جاءت محاولة البعض استنساخ هذه التجربة والنموذج الاقتصادي التنموي العالمي، ومن ذلك مشروع اقترحته وزيرة الخزانة البريطانية (راشيل ريفز)، يقوم كما ترى الوزيرة على الشراكة والتنسيق بين أكبر مراكز التعليم والبحث العلمي والتكنولوجي في العالم وهما جامعتا أكسفورد وكامبريدج، ويتضمن جُملة من المشاريع بما فيها توسعة مطار هيثرو، ومشاريع بناء أخرى متعددة، وما لفت انتباهي أن هذا المشروع على اهميته لرفد وتطوير الاقتصاد البريطاني الا أن هناك مخاوف من بعض المعارضين أو المنتقدين له، حول ضرر المشروع على الطبيعة بما في ذلك إمكانية انبعاث الغازات من المطار والمصانع المزمع اقامتها.

بالمقابل تطرح حكومة الاحتلال الاسرائيلي مشروعاً استعمارياً مرتبطاً بمنهج مستمر يسعى لمحاولة تهويد وعبرنة مدينة القدس، ويعرف باسم (مشروع وادي السيليكون)، هدفه الربط بين الجانبين الشرقي والغربي للقدس المحتلة، ضمن خطة استيطانية ستُنفذ على مراحل بين الاعوام 2024-2028م وبكلفة مالية تزيد عن مليار دولار، تشمل مصادرة حوالي 2000 دونم لإقامة شارع بعرض 20 متراً، كذلك اقامة منشآت صناعية وتجارية من عدة طوابق على حساب هدم محلات وعقارات اقتصادية تعود ملكيتها لأهالي المنطقة المقدسيين، وهو أمر مرتبط بمحاولة تهجيرهم والتضييق الاقتصادي عليهم، ولا يقتصر المشروع على منطقة وادي الجوز فقط، بل يُطرح مشروع سيليكون استيطاني آخر في جنوب فلسطين المحتلة، وتحديداً فيما يُعرف بمستعمرة سديروت المقامة على الاراضي الفلسطينية المحتلة في شمال شرق غزة، في مخطط لتحويلها لمركز تكنولوجي عالمي، ولهذه الغاية تم انشاء ما يسمى (صندوق أوسيم سديروت للتعليم التكنولوجي والتطوير الصناعي)، وبالطبع يستند الاحتلال في مشاريعه الاستعمارية على حزمة من القوانين العنصرية مثل قانون املاك الغائبين والمساحات الخضراء التي يمنع البناء فيها، إضافة للقول بعدم وجود تراخيص بناء وغير ذلك من ذرائع المصادرة الظالمة.

إننا والعالم الحر اليوم أمام مقارنة برسم السؤال المشروع في الوقت نفسه، أي أمام نموذجين أولهما من سيليكون عالمي تنموي، مطروح لتقدم ورفاهية الشعوب وخروجها من الازمات الاقتصادية، تخطط له الدول الديمقراطية لحماية شعوبها وتطورهم، وآخر سيليكون استعماري اسرائيلي هدفه الاستيطان والتهويد والتضييق الاقتصادي على اهالي فلسطين، وهو جزء من حرب ابادة جماعية وتطهير عرقي وحشي، فأين العالم ومنظماته الحقوقية والقانونية مما يجري، فهل يحق للرجل الغربي ومن يؤيده الحياة برفاهية، ولا يحق للفلسطيني والمقدسي المحتلة ارضه والمستباحة مقدساته الاسلامية والمسيحية غير أن يعيش مجبراً حياة الاستعمار والظلم، فشتان ما بين مشروع سيليكون بريطاني تتم معارضته لوجود احتمالية لتأثيره على البيئة، ومشروع سيليكون صهيوني استعماري مدعوم بصمت عالمي على الرغم من أنه يهدد حياة ومعيشة وارزاق ووجود الفلسطينيين.

ان المجتمع الدولي اليوم وهو يتابع دون حراك ما يجري من هول الابادة الجماعية في فلسطين المحتلة، مطالب انسانياً واخلاقياً بالتحرك الفوري لنصرة الشعب الفلسطيني، فلا سلام ولا أمن في المنطقة والعالم الا إذا تمّ لجم الاحتلال وايقاف مشروعه الاحتلالي التوسعي المتغطرس، وردع ومعاقبة حكومته اليمينية المتطرفة، وانصاف الشعب الفلسطيني بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.

* أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

الرأي 5/2/2025 ص6

اللجنة الملكية لشؤون القدس

اللجنة الملكية لشؤون القدس هي لجنة أردنية رسمية مقرها العاصمة عمان تأسست عام 1971 لتُعنى بأوضاع مدينة القدس ونشر الوعي بأهمية قضية القدس.

مهامنا

وضع الإطار العام لتوجهات اللجنة سياسياً وإعلامياً والمصادقة على الخطة العامة السنوية للجنة، واتخاذ القرارات الكفيلة بإنجاحها ومتابعة تنفيذها.