احمد ابراهيم منكو وداعا

بقلم : عبد الله كنعان

غادرنا هكذا دون سابق انذار دون وداع دون ان نراه مذ ان حل الوباء اللعين على مجتمعنا رغما عنا هكذا انقطع من يومها الاتصال مع الاخ والزميل والصديق د احمد منكو

الذي لم التقيه يوما سواء داخل مكتب سمو الامير الحسن بن طلال حفظه الله  اثناء العمل او خارجه اقول لم التقيه الا وكان وجهه مبتسما ضاحكا يشع منه ضوء المحبة والاحترام والتقدير حيث كان رحمه الله يداعبني بالقول اهلا بدكتور التخدير وقد اخذها من اطلاق سيدي حسن على عبدالله كنعان حيث اعطاه صفة الدكتور المخدر وهذه لها حديث طويل يعرفه بعض الاخوة والاخوات الذين واياهم  تشرفنا بالعمل بمعية سموه حفظه الله

نعم لم تكن قادرا ان تاخذ على د احمد سلوكا سلبيا او موضع نقد.

كان كثيرا ما يلجأ الي لاستشارتي في حل مشكلة من هاتفه او قرع باب منزله لقضاء حاجة لمعرفتهم انه يعمل بمعية سمو الامير كان د احمد ينقل لي طلب من احتاجه بطريقة لا تخلوا من الدعابة واللطف والادب

وهذا كان نابعا من اصالة تربيته في البيت وكيف لا ووالده رحمه الله ابراهيم منكو كان من الوطنيين الاحرار الذي سميت احدى سرايا المجاهدين في فلسطين باسمه فهو الذي مولها بكل ما تحتاجه من سلاح وعتاد.

نعم كان داحمد راقيا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وتطبيقا للقول انك اذا اردت معرفة شخص جيدا كن رفيقه في السفر تكتشف شخصيته

وفعلا ازدادت محبتنا لبعض عندما كنا معا في  زيارات سمو الامير الى خارج الوطن.

كان احمد رحمه الله مدهشا في جلساته ... لم اشعر يوما انه في حالة توتر او عصبية في الوقت الذي كان الحال مع بعض الزملاء.

د.احمد كنت المس اخلاصك ووفاءك ومحبتك لسمو الأمير. تعمل لم تكن ترجو جزاءا ولا شكورا ... نعم كنت لطيف المعشر والروح. 

 

هذه هي الحياة استقبال ووداع وفراق والفراق لمن تحب صعب والله لكنها قضاء الله ولا راد لقضائه ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وانا وعائلتي نشارك الاهل والاحبة العزاء والمواساة  نسال الله ان يجعل مثواك الجنة ولا نملك الا ان نقول انا لله وانا اليه راجعون البقاء لله وحده

عمون 22/7/2021

الطبيب يوسف القسوس كما عرفته نموذجاً للمواطنة الفاعلة

   عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

 

سرني أن يصدر كتاب مذكرات الأخ والصديق الدكتور يوسف القسوس، ومما لاشك فيه أن كتب المذكرات عادة ما تكون الغاية منها رصد السيرة الذاتية للبعض، بهدف التكريم والعرفان لهم على ما بذلوه من جهود خيّرة خدمة لأمتهم من جهة، إضافة إلى تسليط الضوء على جانب من خبراتهم وانجازاتهم التي تحققت من قبلهم خدمة للمجتمعات الإنسانية كلها، وساهمت في إدارة وتفعيل عجلة التنمية والنهضة الحضارية الوطنية والإنسانية من جهة أخرى.

لذا فإن ما يقدمه الفرد باختلاف المواقع والمهام التي يشغلها خدمة لمجتمعه، وما ينتج عنها من نجاحات تتشكل عادة من الدافعية والمهارة الشخصية المكتسبة لديه من خلال عقود من العمل، كما أنه لا يجب إغفال ما يقدمه المجتمع الوظيفي والمؤسسات الوطنية المحيطة بالفرد الناجح من دور مهم، يجدر الاعتراف به إذ غالباً ما يمنح المناخ الوظيفي عوامل مساندة تساعد على نجاح الأفراد وتميزهم، وبالتالي يكون الفرد بحق صنيعة مجتمع وقيادة قدرت أهمية الإنسان وعرفت تماماً معنى بناء الدولة ونهضتها لتكون نموذجاً يحتذى في العالم.

لطبيب يوسف القسوس نموذجاً وطنياً طبياً متميزاً تعزز سيرته الناجحة والحافلة مفهوم المواطنة الحقيقية والعطاء من أجل الوطن والإنسان، عبر مختلف مراحل عمله في المجال الطبي، بدءاً من مشوار كفاحه الطويل لأجل إتمام دراسته لينال شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة عين شمس المصرية، وبعدها الإصرار في حصوله على الزمالة البريطانية في مجال أمراض القلب والشرايين من أفضل المعاهد والمراكز الطبية المرموقة عالمياً، حيث حظي بالكثير من الإشادة والتقدير منها بسبب تفوقه، مروراً بعد ذلك بتدرجه الوظيفي في الخدمات الطبية الملكية الأردنية، إلى أن أصبح مديراً للخدمات الطبية الملكية، ولقد عرفت الدكتور القسوس حريصاً خلال خدمته العسكرية على الموائمة بين جديته وانضباطه العسكري وبين واجبه الإنساني الطبي الأساسي في تقديم الخدمة والرعاية الصحية لجميع مراجعيه دون تمييز بينهم، متواضعاً لا تشكل رتبته العسكرية العالية حاجزاً في إشرافه المباشر على مرضاه القادمين من كافة المحافظات والقرى والبادية الأردنية ممن يلتمسون العلاج والشفاء بإذن الله، وكما أعلم فإن سمعته الطيبة وأخلاقه الفاضلة كانت سبباً في أن يلجأ اليه الكثيرون من أبناء الوطن الصغير والكبير والشيوخ والنساء خاصة من شريحة البسطاء وذوي الدخل المالي المحدود الذي لا يستطيعون مراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة لينتابهم فوراً الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية لأنهم بين يدي طبيب ماهر، ونظراً للمعرفة العلمية التي يتسلح بها الطبيب القسوس وأقرانه من أطباء وكوادر الخدمات الطبية ووزارة الصحة الأردنية الذين يمتلكون التدريب والتأهيل العالي، إلى جانب ذلك فقد ربطت الطبيب القسوس علاقات صداقة عامة خارج النطاق الطبي مع رجالات السياسة والاقتصاد والنخب المجتمعية الثقافية وقد استثمرها في الأعمال التطوعية والتوعوية والخدماتية لأبناء المجتمع، لذلك تجده اجتماعياً يشارك الجميع مناسباتهم.

وعلى الرغم من تقاعده من العمل إلا أن عطاء الأخ الدكتور القسوس لم ينقطع، بل بقي مخلصاً لإنسانيته ولرسالته الطبية ليستمر في تقديم الاستشارة الطبية للجميع من خلال عيادته الخاصة، التي لم يكن هدفها أبداً الربح بقدر الرغبة لديه في إكمال المشوار الإنساني الذي بدأ به، ولا شك بأن دوره هذا استمر من خلال عمله رئيساً للجنة الطبية في مجلس الأعيان، وقد بقي أيضاً مستشاراً متميزاً لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ولكافة أفراد العائلة، التي تبادله الاحترام والأخوة والمحبة، وهذا نتيجة طبيعية لما يتصف به من الشخصية المرنة المحبة لكل من عمل معه أو عرفه، حتى شهد له الجميع باللباقة والكياسة وحسن المعاملة.

 وأذكر أثناء عملي بمعية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله وقد أوكلت بي الكثير من المهام وما زال لي الشرف بإشغال بعضها، كنت أتواصل مع الدكتور القسوس لمتابعة شؤون تتعلق بتوفير الرعاية والعلاج لعدد كبير من المواطنين بالخدمات الطبية الملكية من الذين يلجأون إلى سمو الأمير طلباً للمساعدة الطبية، فقد كان الدكتور القسوس يسارع إلى إدخال الحالات الحرجة لتلقي العلاج ولاحقاً يتم استكمال الأوراق المطلوبة التي يتطلب استكمالها بعض الوقت، وهذه المرونة الإدارية التي تستدعيها الحالات الطارئة للمرضى تعكس الإنسانية والمهنية التي يتمتع بها.

وأنا على اطلاع اليوم بالحرص الكبير لدى الأخ الدكتور القسوس على المتابعة المستمرة لكل جديد في مجال الدراسات والبحوث الطبية، ويأتي هذا لإدراكه أهمية التطور العلمي في عملية التجديد والتطوير المتعلقة بالبنية المؤسساتية، مستفيداً دون شك من الجهود والانجازات الطبية الكبيرة لمن سبقه من زملائه الأطباء والمدراء لهذه الصروح الطبية الوطنية الشامخة، ممن لهم بصمة واضحة في العمل.

إن علاقتي الشخصية بالأخ الدكتور القسوس كانت ولا تزال علاقة أخ وصديق نلجأ إلى استشارته الطبية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، والمدقق في سيرته الرائدة وخبرته الطويلة، يجد أنها مسيرة حافلة بالنشاط لطبيب مجتهد يستحق التكريم والتقدير، وهو نموذج لحالة من العطاء الفردي المستمر غير المنقطع من أجل مصلحة المجتمع، وهو أيضاً مثال على الطبيب الملتزم بواجبه الإنساني والمواطن الصالح المنتمي لمهنته ووطنه وإنسانيته، وإلى جانب تقديرنا له فعلينا أيضاً أن نتذكر دائماً أن الأطباء والكوادر الطبية جميعها هم جنود العصر والصف الأول في مواجهة الأوبئة والأمراض مثل وباء كورونا التي قدم وطننا ومجتمعنا الإنساني في سبيل مواجهتها ثلة من خيرة أبناء وطننا من الأطباء الذين ضحوا بحياتهم لحماية صحتنا.

إن التقدير الحقيقي لكل من يعطي الوطن من وقته وجهده وتميزه من أمثال الطبيب القسوس ورفاقه يكون بحفظ انجازاتهم بالبناء عليها، لذا فإنني أعرف يقيناً بأن جميع أبناء الوطن وعلى مختلف مسمياتهم الوظيفية واهتماماتهم العملية هم نموذج يماثل الطبيب القسوس، وكل واحد فيهم يحمل في قلبه ونفسه رغبة وطموح في أن يخدم الأردن بكل قوة ويشيد مع غيره دعائم التنمية فيه التي يقود مسيرتها ونحن على أعتاب المئوية الثانية سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، انطلاقاً من إيماننا جميعاً بثوابت النهضة العربية الكبرى ومسيرة مئة عام شيدها الأردنيون والهاشميون يداً بيد ولحظة بلحظة في بناء الأردن الحديث، لم يغفلوا خلالها عن الوقوف مع الأمة في كافة قضاياها وتحدياتها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وجوهرتها مدينة القدس، التي ضحى من أجلها وما زال يضحي الأردنيون وقيادتهم الهاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وستبقى مواقفنا وجهودنا متواصلة حتى ينال الأشقاء في فلسطين والقدس حقوقهم التاريخية والشرعية في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م .

   وأخيراً مع أطيب التمنيات للأخ العزيز الدكتور يوسف القسوس بدوام الصحة والعافية مكللاً بالتوفيق والنجاح على الدوام.

المواطنة الجامعة ثمرة المئوية الأولى للدولة الأردنية

عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

 

ان الوحدة التاريخية والجغرافية والثقافية لمنطقتنا العربية، كانت وما تزال هي السمة التي تشكلت منها الهوية الحضارية، والمتتبع للتاريخ والجغرافية السياسية والثقافة العربية بشكل عام، يجد أن مفاهيم الوحدة والانسجام والانتماء جعلت المواطنة الجامعة هي الهوية الحقيقية لنا جميعاً والتي ذابت معها مفاهيم العرق والدين والمذهب والولاء للجغرافيا الضيقة والقبيلة وغيرها من تشعبات يمكن تسميتها بالهويات الفرعية التي انطوت تحت عنوان كبير هو أمة عربية وإسلامية تاريخها ومستقبلها وتطلعاتها واحدة.

ومراجعة سريعة لتاريخ منطقة بلاد الشام يتضح خلالها أن الإدارة الإسلامية منذ البداية قسمتها لوحدات إدارية هي: (جند الأردن وجند قنسرين وجند دمشق وجند حمص وجند فلسطين)، وبقيت تدخل ضمنها المدن والقرى والبوادي وفقاً لسياسة الحكم الإداري في كل مرحلة،والغاية منها تنظيمية ولا يقصد بها فصل المجتمع على أساس انتماء لعرق أو دين أو بين شعوب مختلفة، وقد بقي الأمر حتى مجيء الدولة العثمانية والتي قسمت إدارياً المنطقة إلى ولايات معينة يتبع لها ألوية، ففي عام 1864م صدر قانون الولايات العثماني وبموجبه قسمت ولاية سوريا إلى ولايتين هما : ولاية حلب وولاية سوريا التي قسمت إلى ثمانية ألوية هي: لواء حوران ولواء حماة ولواء اللاذقية ولواء عكا ولواء البلقاء ولواء بيروت ولواء طرابلس، وجرت لاحقا عليها عدة تغييرات منها تشكيل قضاء عجلون الذي ضم منطقة شرق الأردن والذي الحق بلواء حوران وبقي حتى عام 1918م، كذلك استحداث ولاية عمّان عام 1876م، ومع مجيء الحكومة الفيصلية عام 1918م أصبح يقع ضمن حدودها كل من سوريا وشرق الأردن.

 وهكذا أصبح تنقل الأفراد ضمن هذه الولايات وكأنه أشبه بانتقال من مدينة إلى مدينة أخرى داخل الدولة نفسها باعتبارها تتبع للدولة العثمانية العلية، لذلك عاش المواطن العربي والمسلم ضمن هذه الأقاليم يتنقل بينها لأسباب اقتصادية تجارية وثقافية وتعليمية أو بدافع الهجرة القسرية التي كانت نتيجة المضايقات والضغوطات التي يتعرض لها الفرد نتيجة للعنصرية الدينية أو الإرهاب الفكري الذي يمارس ضده، كما هو حال أخوتنا من الشركس والشيشان والأرمن، الذين كان انتقالهم للحفاظ على دينهم وهويتهم وثقافتهم التي تعرضت لهجمة شرسة من روسيا القيصرية آنذاك، كما التقى ذلك مع رغبة الدولة العثمانية الاستفادة من خبراتهم في رفد المجتمعات الحضارية بخبرات اقتصادية وعسكرية جديدة،

ومع انطلاق الثورة العربية الكبرى عام 1916م والتي أعلنت منذ البداية أن من أهدافها الحرية والاستقلال، شهدت المنطقة العربية وتحديداً بلاد الشام ممارسات عملية للفكر والمشاريع الوحدوية، مثل مشروع سوريا الكبرى والذي لم يكتب له النجاح بسبب خيانة الحلفاء للشريف الحسين بن علي وعدم الوفاء بوعدهم له، نظراً لسياسة الاستعمار والانتداب الفرنسي والبريطاني في المنطقة والقائمة على منع مشاريع الوحدة والوفاق العربي، وبالرغم من ذلك كان من ثمار الفكر الهاشمي صدور الدستور الفيصلي عام 1920م القائم على المساواة والتعددية والاعتراف بالآخر والمواطنة وحفظ الحقوق المتساوية لجميع المواطنين بمن فيهم غير المسلمين وهو نموذج يحتذى لصياغة الدساتير العصرية، كذلك قيام الممالك الهاشمية في العراق وسوريا وشرق الأردن، وها نحن ولله الحمد نحتفل اليوم بالمئوية الأولى للمملكة الأردنية الهاشمية،حيث كان وما زال النهج السياسي الهاشمي قائم على المواطنة الكاملة والعدالة والتي نصت عليها المادة الأولى من الدستور ((المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة ملكها لا يتجزأ ولا ينزل عن شيء منه، والشعب الأردني جزء من الأمة العربية ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي))، وبالتالي فقد أسهمت ومنذ البداية الشخصيات القومية المرافقة للشريف الحسين بن علي في الثورة العربية الكبرى إضافة لمن التف حولهم من أحرار العرب في إدارة الدولة الديمقراطية التي أرادها الهاشميون، وتعكس مُسميات وأهداف العديد من الأحزاب السياسية التي ظهرت في إمارة شرق الأردن درجة الاعتناء بالاستقلال والقومية لدى الشعب الأردني ومنها جمعية الشرق العربي عام 1923م وحزب الشعب الأردني عام 1927م وكلاهما ينادي باستقلال سوريا الكبرى بقيادة الملك عبد الله الأول بن الحسين وتعزيز الأفكار الاجتماعية القومية، والمتتبع للإدارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الأردن يجد ان الجميع من أبناء هذا المجتمع المتماسك شارك وبفعالية كل في مجاله في المسيرة الحضارية والتنموية للدولة الأردنية التي نفاخر بها وبقوة العالم.

ان الوقت الصعب الذي نعيش تحدياته اليوم يتطلب منّا الالتفاف حول أنفسنا وقيادتنا لنبني هذا الوطن العزيز ليكون سنداً قوياً لأمته العربية والإسلامية، وعلينا في الوقت نفسه إدراك عظمة تكويننا ونسيجنا الوطني الذي تكمن فيه قوتنا، وأن نبتعد عن قيام البعض عن قصد أو غير قصد برواية تاريخنا العريق بشكل مغلوط يخالف السرد التاريخي الصحيح، الأمر الذي اتمنى من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي ووزارة الثقافة والأندية والملتقيات الثقافية والحزبية والنقابية العمل على بناء جيل يدرك معنى المواطنة ونعزز سلوكه بقيم تخدم مسيرة البناء والتقدم لبلدنا العزيز، جيل يعرف تاريخه الأصيل ويحافظ على موروثة ويعمل على خدمة وطنه وأمته ، ولي مع جيل الشباب الأردني تجربة شخصية فقد تشرفت بالإشراف على منتدى الشباب العربي الذي تأسس عام 1988م بدعوة من صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله، حيث ضم آلاف الشباب الأردنيين ووصل عدد أعضائه عام 1994 خمسة آلاف شاب من خيرة أبناء الأردن من جميع أبناء المحافظات الأردنية وعُني بمسؤولية توعيتهم الوطنية بالارتكاز إلى منطلقات النهضة العربية والدستور الأردني لتكون المواطنة المظلة التي يعملون تحتها بانتماء وإخلاص لوطنهم، وخلال عامين فقط استطعت تشكيل فرع في كل محافظة ولواء وجامعة أردنية، وعليه يجب تعليم وتوعية الأجيال بوصفها بناة المستقبل التمسك بتاريخها ووطنيتها، إذ ما أزال  حتى اليوم احتفظ في أرشيفي الخاص بجواز السفر الصادر عن الدولة العثمانية والذي كان يحمله والدي رحمه الله، كذلك أعتز بأن والدي من أوائل من سكن مدينة عمّان إلى جانب غيره من الشركس والشيشان والأرمن والشوام ((بمفهومه الجديد أما كلمة الشوام فهي تعني كل أبناء سوريا الكبرى الأردن وسوريا ولبنان وفلسطين)) وأبناء القبائل وجميع العمّانيين الأردنيين، وما أزال وسأبقى أعلم أولادي بأننا كلنا أردنيون من أجل الأردن، وكلنا فلسطينيون من أجل فلسطين، وكلنا عرب (مسلمين ومسيحيين) وكلنا أبناء بلاد الشام لأجل كل بقعة عربية وإسلامية وإنسانية نقدم لها ما يساهم في نهضتها، ونحميها ونترك لأجلها كل ما يسبب الفتنة والفرقة بين نسيجها  الواحد لا سمح الله.

حمى الله الأردن قيادة وشعباً، ليكون الحصن المنيع المدافع عن الحق العربي في فلسطين والقدس والداعم لجميع قضايا أمتنا، ونسأل الله أن يديم علينا نعمة الأمن والسلام بقيادة صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله صاحب الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وقائد مسيرة التنمية والبناء في بلدنا العزيز الأردن.

الغد 20/1/2021 ص3

معالي الأخ العزيز ميشيل حمارنة "أبو عمر" سلامتك

عبد الله توفيق كنعان

    دفعتني غزارة المشاعر وتزاحم العبرات المثقلة بالشجون إلى قلمي لأدون على هذه الأوراق القليل من العبارات المحملة بالكثير من المعاني، لجأت إليها علّها تزيل عن قلبي وصدري الكثير الكثير ...، وفي نفس الوقت اعلم أنها هي الأخرى حملت ما لا تستطيع حمله، فكيف لها أن تحمل في مضامينها الاشتياق والتاريخ والإخلاص والمحبة والمعزة إلى أخي وصديقي ورفيقي ومن شاركته العمل بمعية سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، بل شاركته بإخوة وصداقة كل التفاصيل، إليك يا أخي العزيز ميشيل حمارنة اكتب وأناجي وأدعو القدير أن يرفع عنك المرض.

  أخي الغالي أبو عمر....

   لم أكن أتوقع يوماً أن أقوم بزيارتك وأشاهدك تجلس على الكرسي مريضاً لا تقوى على القيام، اعلم تماماً بأنها إرادة الله وحكمه، وأنا مؤمن يقيناً بأن القدر بيد الله، غير أنني لم أعهدك إلا أنسانا تحب العمل والحركة رافضاً الركون والكسل، ماذا أصابك أيها العزيز؟. فلا يليق بك الجلوس أيها النشيط، يا من تبث في الجميع من حولك النشاط والبذل والعطاء.

  اطمئن عليك باستمرار، كل يوم أهاتف أسرتك للسؤال عنك، الأبناء الأعزاء عمر وديما ورانيا وهم الأبناء البارون بوالديهم يتناوبون على خدمتك ورعايتك في الليل والنهار، يا الله ماذا فعل بك المرض؛ كم يؤلمني وأنا أسمع صوتك الهزيل الضعيف، وأنت تتصل بي بعد إصرارك عليهم أن يطلبوني لنتحدث ونتناقش ونتشاور كعادتنا، يؤلمني أن تكون كلماتك وجُملك تهمسها بأذني همساً، وبحة صوتك الشجي العذب لم تعد كما كانت، تترآى أمامي مسرعة تلك الذكريات يوم قابلتك، عرفتك قبل أن تعرفني بحكم عملي بمعية سمو الأمير الحسن حفظه الله ولي العهد آنذاك، وهو الأمير الإنسان المحب الذي عرف وعرفنا من خلاله كل رجالات الوطن قبائله وعشائره وشيوخه وشبابه، وهو الأمير الذي كان وما زال يعرف كل شبر من أرض الأردن العزيزة ساكنيه وحجارته وكل ركن فيه، فسموه هو المدرسة والجامعة التي كنا ومعنا الكثير من الرفاق من الزميلات والزملاء الأعزاء، الذين كان لنا وما زال الشرف بأننا من خريجيها، نعمل بمعية سموه حفظه الله ورعاه وألبسه ثوب العافية والصحة وهدوء الفكر وراحة البال نخدم الوطن بكل حب وإخلاص، وأنت أيها الأخ العزيز نعمل معاً يدنا بيدك في كل الأمور. وبحمد الله لا أذكر أنه مرّ علينا يوم من الأيام وقد اختلفنا، كانت الثقة الوثيقة علامة بارزة في عملنا، تقول لي مازحاً : " لو أنك يا أبا علاء وضعت بين الأوراق التي تضعها للتوقيع كتاب استقالتي لوقعته"، تقولها وانت المدقق في كل شيء، على دراية بأننا لا نضمر في قلوبنا وعملنا أي ضرر أو غش معاذ الله، ولا تسكن قلوبنا الا المحبة وهي حديقة غناء مزهرة بالصدق والعطاء، لطالما كنت تطلب مني رغم معرفتك بمدى جديتي التدقيق في كل شيء نظراً لحجم العمل الكثير الذي يحتاج التعاون ويتطلب المساعدة من الجميع في إنجازه، أخوين كنا وما زلنا وسنبقى وأن لم نجتمع برابطة الدم ولكن إخوتنا جاءت من رفقتنا ومشاركتنا الهموم قبل الفرح، غايتنا خدمة سيدي الأمير الحسن وهي بطبيعة الحال تصب في خدمة الوطن وأهله الأخيار من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، جمعنا حب أمير وحب وطن وإخلاص للعرش، وذاك يا صديقي حصن منيع ورابط وثيق كفيل بتجاوز الصعاب.

 أخي العزيز ابو عمر:

عرفتك نزيهاً بعيداً عن العنصرية والانحياز، رفيقك الصدق والنزاهة ونظافة اليد والقلب، حظيت بثقة جديرة من سموه، عرفتك متواضعاً متزناً لست ببعيد المسافة عن الآخرين، ما زلت أذكر رفضك لشرب الماء في رمضان ونحن من حولك صائمون، حريصاً على حفظ مشاعر الزملاء والزميلات، فما الذي أصابك وأقعدك ؟ رحم الله شريكة حياتكم الأخت الفاضلة أم عمر التي كانت تنقل إخبارك الطيبة باستمرار، لكنه القدر الذي فجع قلبك بفراقها وغيابها رحمها الله، وان كان قلبها الطيب ووجها البشوش المحب بيننا اليوم يشع بريقه ليضيء المكان والذكريات، أذكر يوم فارقنا فيه محياها وروحها النقية، يوم حزين مؤلم أبكاك وذرفت عليها الدمع والحزن وقد هاتفتني لتخبرني برحيلها رحمها الله، يا الله ما أصعب الذكريات وما أعقد ما فيها من لحظات، فقد عشت مثلها وأنا أتابع شقيقي "أبو امجد" عدنان توفيق كنعان في كل زيارة له للطبيب لـلإطمئنان عليه، وكم ضاق الصدر وفجعني رحيله رحمه الله، وها هو اليوم أيضاً ذات الشعور المرهق يعود، وأنا أتابع شقيقي الآخر الدكتور محمد علي في زيارته للطبيب وقد أسره المرض مثلك، بعد أن كان في عيادته طليقاً يعمل حتى منتصف الليل، عافاكم الله يا قطعة من الروح والعمر ومنّ عليكم الله العلي القدير بالشفاء العاجل.

  أدعو الله بعد كل صلاة وفي كل ساعة أن يرفع عنكم المرض والألم، ويلبسكم لباس العافية والصحة، وأكرر الدعاء إلى العزيز القدير أن يمدكم بالسلامة والستر وراحة البال، فسلامتكم هي المبتغى والسؤال من الله وحده، وهو القدير على كل شيء ان يمن علينا بشفائكم للعودة إلى ما كنتم فيه من صحة وعافية.

الخميس الموافق 28/10/2021

نهى حتر وداعاً

                                                                           عبد الله توفيق كنعان

   أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

 

إن من سنن الحياة وتصاريف الأقدار أن يفقد المرء منّا البعض ممن يعز عليه فراقهم ومن يحبهم ويحترمهم ويقدرهم، سواء كانوا من الأهل والأقارب أو من الزملاء والأصدقاء، يمضون إلى حياتهم الأبدية بسلام، يرافقهم الدعاء الصادق منّا لهم بحسن الخاتمة وجزيل الرحمة، إلا أن المرء في الوقت ذاته يعلم تماماً، أنه لم يفقدهم نهائياً وقد تركوا خلفهم ذكريات ليس من السهل نسيانها و أعمالاً وأنشطة متميزة، تجعله وغيره ممن زاملهم أو عرفهم يستذكر الخير  والعمل الصالح الذي تركوه خلفهم بيننا.

نهى حتر  في ذمة الله، خبر أصابني وقعه بالحزن والألم، كغيري من أفراد أسرتها وكحال كل من رافقها وعملت بمعيته أو عمل معها وعرفها، استذكرت عند سماعه مسيرة زميلة ذات عطاء ونشاط، لقد عرفتها منذ اليوم الأول الذي أتت فيه إلى مكتب سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ولي العهد آنذاك موظفة مُعارة من الجمعية العلمية الملكية حيث كنت حينها صلة الوصل مع الجمعية من أجل تنظيم إجراءات إعارتها، لتعمل بداية سكرتيرة مكلفة ببعض الشؤون والمهام الخاصة بمكتب سموه وقد تنقلت في عدة وظائف في مكتب سموه،الى ان تولت الشؤون الادارية والتنسيق للأعمال الرياضية والفكرية ونظراً لطبيعة عملي بمعية صاحب السمو الأمير الحسن فقد كنت على تواصل مستمر مع الفقيدة لانجاز مهام مختلفة.

هي زميلة لي بالعمل من بين مجموعة زميلات وزملاء كنا معاً  نعمل في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله وما زلنا نخدم بمعية سموه ... وهكذا وجدت بالأخت نهى أنها أيقونة للعمل بإخلاص وتفانٍ تملك طاقات كبيرة وشخصية تجعلها قادرة على إنجاز المهام بسرعة ودقة، تكره المماطلة والتقصير في الأداء من الطرف المطلوب منه أداء مهمة معينة.

غادرتنا نهى بسلام ولم تكن رحمها الله تعلم أن وباء الكورونا سيكون سبباً في أن تغادر عملها لمعالجة المرض اللعين، وأذكر أنني اتصلت بها مرة وثانية وثالثة دون رد على غير عادتها، وعندما سألت عنها قيل لي أصابتها الكورونا وبعض الزملاء والزميلات شافاهم الله، وبعدها بقيت على اتصال يومي بزوجها الأخ المهندس غسان غانم للاطمئنان عليها وآخر اتصال كان جوابه لي: لا نملك إلا الدعاء والصلاة من أجلها فأيقنت عند سماع هذه الكلمات المؤلمة أن الوضع خطير، وهكذا غادرتنا رحمها الله وهي من تحمل في قلبها كل الحب والوفاء لعملها الذي أقسمت أن تقدم له ما تستطيع في ميادين متنوعة من العمل الإداري العام والرياضي وغيره من المجالات، لقد كان عملها محط رضا الكثير، وفي نفس الوقت قد تجدها تختلف مع البعض نتيجة لمواقفها الصلبة أحياناً وتمسكها برأيها ورؤيتها، إلا أن هذا الاختلاف الإيجابي كان في النهاية لمصلحة العمل ولا يفسد للود قضية، ولم يكن أبداً يخرج عن إطار الاحترام وقبول الآخر والاستماع لوجهة نظره، خاصة أن المسؤول الإداري المناط به اتخاذ القرارات، يكون مناخه الحذر والتروي دائماً قبل إطلاق الحكم أو البت في بعض المسائل تجنباً للخطأ.

وهكذا بعد أن غادرتنا رأيت نفسي ذاهباً إلى الكنيسة لحضور القداس الذي أقيم على روحها رحمها الله، وتشرّف الحضور بمشاركة صاحبة السمو الملكي الأميرة رحمة بنت الحسن ومعالي الأخ العزيز المهندس علاء البطاينة، حيث أصرت سموها مشاركة أسرة الفقيدة وزملائها ومعارفها قداسهم للتخفيف من حزنهم ومواساتهم، لقد رأيت وغيري ممن حضر للتعزية، الحزن يعم قاعة الكنيسة والوجوه والقلوب حزينة تبتهل القدير أن يغفر لها، كانت الكلمات الحزينة التي قالها ابن أختها أمام الحضور مؤثرة أبكت بها القلوب قبل العيون، وبالرغم من وباء الكورونا والخوف السائد منه، إلا أن قاعة الكنيسة كانت مليئة بالرجال والنساء لتقديم واجب العزاء، مع أخذنا جميعاً أسباب السلامة بالالتزام بالتباعد في الجلوس على المقاعد وارتداء الكمامات، وهو أمر ضروري لابد منه لنحمي أنفسنا وأسرنا ووطننا من هذا الوباء المقلق.

أيتها الأخت الزميلة سنبقى نذكرك بالخير ونذكر طلباتك السريعة وعطاءك وخدمتك لسمو الأمير وعائلته، ندعو الله أن يجعل مثواك الجنة، ويتغمدك بالرحمة ويلهم الأهل وكل الأحبة الصبر والسلوان وحسن العزاء، وداعاً والى جنات الخلد، ونقول لكم هذه هي الحياة استقبال ووداع وفراق، وفراق الفقيدة نهى كان صعباً على الجميع، فهي فقيدتنا جميعاً، ولكنها في النهاية إرادة الله ولا راد لإرادته.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

13/1/2021

حديث خارج السياسة.. كنت في دبي

عبدالله كنعان

لقد سبق لي زيارة دبي في مهمات رسمية، لم اكن لاستطيع الاطلاع على الحياة فيها كما يجب، وفي كل زيارة لاولادي الى عمان يحدثوني عن دولة الامارات العربية الشقيقة وشعبها وعن دبي حيث عملهم فيها، كنت اعتقد ان كثرة اعجابهم وحبهم وتقديرهم لاهل الامارات ولمدينة دبي واميرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقع من باب الادب والمجاملة، والعرفان بالجميل والشكر هو دافعهم فقط، الى ان لبيت الحاحهم لزيارتهم في دبي لامضي فيها بضعة ايام.

رغبت بعد عودتي ان اسجل خواطري لما لمسته وشاهدته وعشته في مدينة دبي، حيث وافقت ابنائي على كل ما كانوا يحدثوني عنه، وتيقنت لماذا يحبون دبي واهلها واميرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله.

ما اكتبه هو غيض من فيض وكلماتي اراها تمثل حبه قمح من سنابل دبي الخيرة الزكية ، وتعجز العبارات والكلمات ان تعبر عما شاهدته ولمسته منذ لحظة الوصول الى مطار دبي الدولي وحتى مغادرتي لهذا المطار. فقد زرت مدناً وعواصم كثيرة في هذا العالم ولا اجامل على الاطلاق حينما اقول لكم ان ما لمسته وشاهدته بام عيني لم اشاهد له مثيلاً في تلك المدن والعواصم من تقدم وازدهار في جميع المجالات، وجدت كل ما يحتاجه الانسان من أمن وامان وراحة للعائلة وافرادها الكبير والصغير، وساعة الوصول الى المطار وهو المرآه التي تعكس الصورة الجميلة عن امارة دبي واهلها، وجدت رقياً في التنظيم في الاستقبال والمغادرة ولطفاً وحسن تعامل من كل العاملين والعاملات الذين التقيتهم في كل مكان خاصة من اهل الامارات بالذات فقد اعجبت بهدوء اعصابهم وتهذيبهم ولطفهم والتعامل معهم كما سررت بما يتمتعون به من ادب جم في الحديث والسؤال والجواب.

ان استخدام التكنولوجيا والتسهيلات والارشادات والتعليمات تلفت النظر بدقتها وسهولتها وتقدمها في كل الاماكن والدوائر والمؤسسات الرسمية والخاصة التي شاهدتها او زرتها ، وكنت اركز نظري وسمعي وبصري للاخ الاماراتي قبل غيره، كما وصفته لكم ولاشاهد الابتسامة تعلو محياه.

لقد استرعى انتباهي واقولها بكل صدق النظافة، النظافة، النظافة، اذ انني لم اجد ورقة او منديلاً او مخلفات هنا وهناك ، في كل الاماكن التي زرتها وحتى في اكثرها ازدحاماً، وكذلك في الشوارع الكبيرة والصغيرة كلها، فكم سررت ان من تجاوز سن الستين له امتيازات كثيرة لا يحصل عليها في أي بلد آخر ، ومن طريف ما حصل معي هو انني دفعت ثمن تذاكر دخول للقرية العالمية الى حين قدوم ابني من موقف السيارات ، فتعرض علي الموظفة اعادة تذكرتي وزوجتي لتقول لنا انتم مجاناً لبلوغلكم كما اراكم سن الستين ، وكنت ارغب ان لا تذكرني بعدد السنين فتذكرت قول الشاعر:

سني بروحي لا بعد السنين

وروحي ثابتة على العشرين

عمري نحو الستين يركض مسرعاً

لاسخرن غداً من التسعين

وقول المتنبي :

وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه

ولو ان ما في الوجه منه حراب

لها ظفر إن كل ظفر أعده

وناب إذا لم يبق في الفم ناب

يغير مني الدهر ما شاء غيرها

وابلغ أقصى العمر وهي كعاب

اقسم بانني طيلة الزيارة لم اشاهد سيارة واحدة تخالف قواعد المرور كما لم اشاهد شاحنة واحدة او باصاً يسير في وسط شارع او على يساره بل على خط ومسرب اليمين ، وعندما سألت ابني انني ارى شارع على اليمين لا تسير عليه السيارات مطلقاً قال هذا الشارع مخصص فقط للاسعاف والطوارىء وللامن ولا يستطيع احد السير عليه ، فهو جاهز لاية سيارة شرطة او اسعاف، ولا ابالغ ان قلت بانني لم اشاهد حفرة في شارع كان خارج دبي او داخلها وكأنها مرصوفة بالرخام. كما لفت نظري ادب التعامل والسلوك والتسامح للسائقين الخاص والعمومي وغيرها سواء في الشارع عند التجاوز او في اصطفاف السيارة في كراجات المولات وغيرها.

ومما اثار امتناني وشكري الخاص، تواجد رجال الامن الخاص المتواجدين في كل المولات والكراجات والحدائق والابراج او أي مجمع تجاري او مطعم او حديقة، مهمتهم خدمة الزائر والاجابة على أي استفسار وتنظيم حركة مرور المشاه والسيارات ، ولقد اعجبت عندما اشار ابني الى ان موقف انتظار الباصات ومحطات القطار كلها مكيفة فلا تشعر بالحر ولا بالبرد عند الانتظار، وفي كثير من كراجات المولات ، يشير الضوء الاخضر الى ان لسيارتك متسعاً هنا والضوء الاحمر، لا تحاول ابحث عن حارة او طابق آخر في الكراج. ليس هذا فحسب ففي الكراجات مواقف خاصة للسيارات الكهربائية وفيها يمكنك شحن بطارية السيارة. اما باصات المدارس ، فكل منها الى جانب السائق من اليسار واليمين، حين توقفه لاستقبال الطلاب او مغادرتهم، لوحة متحركة «قف» يبرزها السائق اوتوماتيكياً اذا توقف ولا تستطيع اية سيارة عدم الوقوف فالكمرات منتشرة في كل مكان، وقد علمت ان دبي وحدها فيها سبعون الف كمرة مراقبة، ومما سرني ولفت نظري خبر في الصحف اليومية هو صدور أمر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمعاقبة عدد من الشباب الذين قاموا بالتشحيط بسياراتهم وكانت العقوبة هي العمل في تنظيف الشوارع اربع ساعات يومياً لمدة شهر كامل ،اما الشواطىء على البحر فهي مفتوحة، انها لكل الناس مجاناً، وفيها كل وسائل الراحة للعائلة حيث تتوافر فيها ادوات والعاب الرياضة للكبار والصغار. كما لاحظت توافر اثواب ترتديها النساء عند دخولهن المساجد اذا كان لباسهن غير لائق للمكان او لحرمة المسجد، كما يتوفر اثواب للرجال اذا كان لباسهم مزركشاً بالالوان وغير لائق ، فهي ممنوعة كلياً.

وقد علمت ان مدينة دبي تستقطب سنوياً 15 مليون سائح ، ويقام سنوياً في وسط دبي معرض مفتوح للفن الثلاثي الابعاد برسوم ولوحات متعددة ضمن مفهوم السعادة وهو الشعار الذي تعمل حكومة الامارات العربية لجعله جزءاً من صورتها الخارجية ، وهي تريد تصدير هذا المفهوم الى كل انحاء العالم.

وقد علمت انهم بصدد تنفيذ مشروع القطار الهوائي الذي يقطع المسافة بين دبي وبقية مدن الامارات على اكثر تقدير خلال خمس عشرة دقيقة فقط لا غير ،وهناك في دبي مهرجان السعادة الذي تنظمه الدكتورة رسل النعيمي وهو مفتوح لجميع الفئات وهو رحلة بحرية لمدة ساعة ، يتم خلالها زيارة عدد من الاماكن والتحدث الى الزوار في تخصصات مختلفة يقدم لهم خلال الرحلة الطعام والشراب مجاناً ، والمحاضرات لترجمة رسالة السعادة عبر المهرجان عن طريق تعليم الجمهور الاساليب والطرق المختلفة للوصول الى السعادة.

والغاية ايصال السعادة لاكبر شريحة اجتماعية في الامارات، ويستطيع الزائر ان يلحظ ان شيوخ الامارات يهدفون الى بناء دولة نموذجية « ففي مقابلة للشيخ محمد بن راشد / رئيس الوزراء وامير دبي يقول « انا انحنى لهذا الوطن وشعبه هم اخواني واخواتي وتاريخه اساس هويتي وهم اخواتي واخواني ليسوا على اجندتي بل هم اجندتي».

كما علمت ان سمو الشيخ محمد بن راشد قد انشأ الى جانب وزارة السعادة وزارات اخرى واحدة للتسامح كي تنشر مفهوم التسامح بين الناس ففي التسامح تنشأ المحبة واحترام الاخر فهو طريق للسعادة ووزارة اخرى للتغير المناخي ورابعة لشؤون المستقبل وخامسة لتنمية المعرفة وكل ما يفكر به هذا الشيخ الجليل هو ان تكون مهمة الحكومة اسعاد الناس. واكثر ما يثير اعجابك في دبي وانت تعيش مع اهلها وضيوفها، هو انك لن تجد ولم اجد اطلاقاً انساناً واحداً يستغيب او يعيب على الاخر دينه او مذهبه او عرقه، الى اخر اشكال التميز او التعرض للاديان.

انت لا يمكن ان تشعر الا ان هذا وطنك فقد اصدر رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوماً يقضي بتحريم الافعال المرتبطة بازدراء الاديان ومقدساتها ومكافحة اشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير وينعكس هذا كلياً على حياة الناس، فيصبح التعامل بينهم انسانياً ضمن القانون والنظام والدستور تسير حياتهم بكل محبة واحترام وكاني بهم يقولون الدين لله والوطن للجميع وكل من يحترم دينه ومذهبه وعقيدته كما يشاء ولا احد يفرض عليه او يزدريه.

يسرني ان اوجه باسمي واسم عائلتي وباسم اولادي الذين يعملون في دبي تحية اكبار واجلال واحترام الى كل الامارات العربية اميرها وشيوخها وشعبها العزيز الغالي.

سائلين الله العلي القدير ان يديم عليهم موفور الصحة والعافية ويكلل جهودهم بالتوفيق والنجاح ، وستبقى دولة الامارات العربية مصدر الفخر والاعتزاز بتقدمها وازدهارها ومواكبتها العصر أولاً بأول.

واختم كلمتي فأقول: « ليس بالمال وحده دبي هكذا «.

الراي 24/4/2017

رقيب السير ومخالفتي

عبدالله توفيق كنعان

أستطيع القول صراحة بأنني من أشد الداعين للمحافظة على قوانين السير وقواعده وتعليماته والالتزام بها، نظراً لأهميتها بالحفاظ على حياة وسلامة أفراد المجتمع، كما أنني ومن منطلق أنني من أوائل من تشرف بعضوية الجمعية الأردنية للوقاية من حوادث الطرق، ومن المؤيدين والناصحين بضرورة مراقبة (وزراعة) شوارع وأحياء المملكة بالكاميرات كي نوقف إزهاق الأرواح التي تذهب ضحية للحوادث اليومية، ولكي يتعلم الطائشون والعابثون بحياتهم وحياة غيرهم أن الكاميرا تلحظكم يومياً كلما حاولتم ارتكاب المخالفة وتدفعكم نحو الالتزام بالقوانين.

وأنا من المؤمنين بأن من يخالف قواعد المرور وأخلاقيات القيادة لا يمكن له أن يجعلني أثق بأنه مواطن صالح، مهما كانت ثقافته أو مكانته ومركزه الاجتماعي، وأنا على ثقة كبيرة بأن المواطن المؤمن والمنتمي لوطنه وأمته والحريص على حمل همّ قضاياها لا يمكن له أن يخالف قواعد السير إطلاقاً، وأنا من جملة من يقدرون ويحترمون بل يقفون إجلالاً لرجل السير الذي يقف تحت المطر وحرارة الشمس بينما ننعم في سياراتنا ببرودة المكيف أو دفئه، ونحتمي من أشعة الشمس وهطل المطر، لهذا أنا من أعوان المرور وأحمل هويتها بفخر وإن كنت أشعر أحياناً أنها قد لا تسمن أو تغني من جوع، بسبب حجم التجاوزات التي نشاهدها يومياً.

نعلم جميعاً بأن الحركة المرورية على أي دوار في شوارع وطننا الغالي غالباً ما تكون بطيئة خاصة باتجاه الدوار السادس صباحاً، ففي أحد الأيام وقبل أن أصل للدوار قاصداً مكان عملي، حيث كان لا بد لي من إبطاء حركة السيارة إذ كان يقف على رصيف الدوار رقيب سير في مقتبل العمر، يرتدي زيه الجميل ويعتلي جبهته شعار العز والمجد، شاب تلمع عيناه وكأنه يرسلها بالحب لكل السائقين أمامه، تعلو وجهه ابتسامة آملة دافئة تبعث بالنفس الراحة والاطمئنان، تلك الابتسامة الصادقة التي تجعلك تطمئن إليه وإن كنت السائق المخالف للسير، فما أن وصلت الدوار إلا وبه يشير إلي بالتوقف ويتقدم نحوي بخطوات ثابتة تدل على شخصية متزنة مهيبة، قائلاً: أنت مخالف، عليك مخالفة وكررها فقلت له: خيراً إن شاء الله.

قال: مخالفتك أنك غير مبتسم ابتسم كي لا أخالفك. فاجأني بقوله هذا، فضحكت وبدت على كلينا الابتسامة فشكرته، ووعدته أن لا تغيب الابتسامة عن وجهي (كرماله) أولاً ولأنني أُعجبت وسررت بطريقته المدهشة، ثانياً. كررت شكري له الممزوج بالثناء والتقدير مباركاً له ولدائرة السير، وللأمن العام بهذا النموذج للشرطي الشاب النشمي.

سلوكيات وظيفية أخلاقية من شأنها أن تبني جسراً من المحبة بينه وبين السائق، فتحية إكبار وإجلال أزجيها لهذا الرقيب الذي أتمنى أن أعرف اسمه، وان كان فعله هذا يكشف عن ملامح رجولية نبيلة تضفي على اسمه الذي لا أعرفه، الكثير من صفات الطيب والرقي، ومن يومها قررت أن أبقى مبتسماً على الرغم من أن طبيعة عملي تجعلني في كثير من الأحيان منقبضاً مغموماً مهموماً بأوجاع أولئك الصامدين في الأرض المغتصبة ومدينة القدس المحتلة، إلا أن مخالفة رقيب السير هذه بعفويتها وجل مضامينها جعلتني ابتسم مخفياً تلك الأوجاع والهموم، لأبعث في نفسي ونفوس الغير الأمل بأن يوم التحرير والخلاص قادم بإذن الله فأصحاب الحق لهم وعد من الله بالنصر القريب ما داموا مثابرين متحدين متفقين غير منقسمين، عاملين غير راكنين، ولأن آل البيت من بني هاشم الأوصياء على القدس ومقدساتها إلى جانب التضحيات ودماء الشهداء الأردنيين الخالدة في سجل التاريخ والتي جبلت في ثرى القدس وفلسطين تؤكد لي بأنهم لن يتركوها أو يتخلوا عنها أبد الدهر، كما تخلى عنها الآخرون مهما بلغت بنا التضحيات وكان الثمن.

وصلت المكتب مبتسماً فجمعت الزملاء والزميلات ورويت لهم قصة شرطي السير الرائع المدهش الذي أحب عمله وأخلص له وأحب الناس وكل من يجلس خلف مقود السيارة، لقد نبذ مشاعر ضغط العمل عن نفسه وعمقها بالحب وكره أن يرى سائقاً غير مبتسم، ونصحتهم بأن يكونوا مبتسمين رافدين النفس بالأمل الذي يتجسد بمزيد من العطاء والبذل.

فإلى شرطي السير صديقي الذي أذكره اليوم وإلى جميع رفاقه بجهاز الأمن العام وإلى البواسل من ضباط وأفراد أجهزتنا الأمنية والعسكرية القابضين على الوطن بجفونهم، إليكم أيها العيون الساهرة التي وعدها رب العرش العظيم بأن لا تمسها النار أحييكم وأرفع إلى قيادتنا الهاشمية الرائدة أصدق تحيات العز والافتخار فبكم تبنى الأوطان وتحفظ الأرض والأعراض، وبعزيمتكم تنتصر الأمة، ودعواتي لكم وللقدس الغالية شقيقة الروح بالحفظ والرفعة والسلم والتحرر.

 راجياً من كل قائد سيارة مهما كانت صفته ومنزلته أن يتقيد بقواعد السير احتراماً وتقديراً لرجل السير ولتأكيد انتمائه إلى وطنه والإخلاص له.

 

* أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

منير الدرة غاب دون وداع

بقلم :عبدالله توفيق كنعان

اتصلت به هاتفياً كعادتي للاطمئنان على الأصدقاء والتواصل معهم في ظل وباء الكورونا الذي أبعدنا عن فرصة الالتقاء ، واذا به يعاتبي كثيراً قال: مضى علي شهر في المستشفى ودخلت العناية المركزة ولم تتصل خيراً ان شاء الله قلت له: وأقسمت إنني لا اعلم وعتبت على أولاده الذين لم يخبرني احدهم وبعدها أصبحت أتواصل يومياً للسؤال عن أحواله داعياً الله ان يكون على الدوام بأفضل وأحسن صحة. وهكذا مضى شهر نتحدث معاً ويسرد لي انه يشعر بالافضل وفي يوم هاتفني ابنه حسين قائلاً: يؤسفني ان اخبرك بأن الوالد غادرنا الى رحمته تعالي وجواره بالأمس فرغبنا إعلامك قلت : لهذا السبب لم أجد جواباً بالأمس وانا أحاول الاتصال معكم للاطمئنان عليه.

 وهكذا غادرنا منير دون وداع فجأة اصابتة الجلطة وكنا على أمل ان يكون قادراً على العودة لحياته الطبيعية خلال أيام واليوم وقد مضى على وفاتك أيها الأخ العزيز أربعون يوماً، وقد انتابني الشعور بالحزن الذي اختطلت به مشاعر الفخر والاعتزاز بشخصك الأصيل عندما أُعلن عن تسلمك وسام مئوية الدولة الأولى ، وأنت من جيل وطني مميز قدمت وقدمنا والزملاء معك الجهد والعطاء بكل اخلاص ووفاء لرفعة الوطن ونهضته من خلال عملنا في الديوان الملكي الهاشمي.

عرفته قبل أن يعين أميناً عاماً للديوان الملكي الهاشمي إذ كان مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون وقبلها كان في رئاسة الوزراء وبحكم عملي في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله ولي العهد آنذاك ، كان لا بد لي من التعامل المستمر مع أمين عام الديوان الملكي والمدير الإداري وبقية الزملاء الآخرين في الديوان لانجاز ومتابعة كل ما له علاقة من معاملات وكتب تخص مكتب سموه، ومع مرور الأيام تولدت بيني وبين منير الدرة رحمه الله علاقة اتسمت بالصداقة والاخوة وأحسبنا ولله الحمد قد تلاقينا كثيراً في العديد من الصفات المشتركة وهي الإخلاص في العمل والوفاء للعرش والوطن ومحبة الأمير، ولمست أن منير رحمه الله يمتاز بحسن الخلق والأدب والنزاهة والسلوك والنظافة والانحياز نحو الصح وكل ما هو قانوني غير مخالف سواء للتعليمات أو النظام، وكثيراً ما كنت اجلس في مكتبه لغايات العمل، لأرى البعض من المراجعين او الزملاء عاتبون عليه لأنه لم يوافق لهم على بعض مطالبهم التي كان يراها غير مقنعة أو مخالفة أو انه لا لزوم لها حسب رأيه، لهذا بقدر ما كان منير رحمه الله محبوباً بقدر ما كان كثيرون لا يرتاحون لقراراته التي لم تُلبي طلباتهم الشخصية.

      فكل قرار يتخذه او كتاب يوقعه يسبقه الدراسة جيداً ويدرس تبعاته  حتى نال بذلك الالتزام والنهج ثقة جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله وثقة رئيس الديوان، وكان الساعد الأيمن للامين العام هو المدير الإداري أنور سعدو رحمه الله ، الذي كان الأخر موضع ثقة الجميع ولعمق الثقة به كان أنور سعدو كما اعتقد أنه الوحيد الذي يطبع ويصدر الكتب المكتومة التي تصدر من الديوان للتوقيع، فقد كان رحمه الله يعلم كل شيء وان سألته لا يعلم شيئاً .. بالرغم من العلاقة الأخوية التي كانت تربطنا معاً خلال الدوام وبعده، ما كان ليصرح لي بأي معلومة مكتومة وهو يعلم أنني احمل صفاته في الإدارة وحفظ المكتوم بحكم عملنا وقربنا من أصحاب القرار، نعم، أمضى أنور سعدو عمره كله  في الديوان الملكي يعمل بكل إخلاص ووفاء وتفان في الواجب، وكان انور سعدو نموذجاً في الخلق والادب واللباقة وحسن الادارة وقد كنا اصدقاء احباء في الديوان وخارجه إلى إن قرر دون ان يخبرني وأنا اقرب الزملاء إليه، إحالة نفسه على التقاعد بشكل مفاجئ للجميع وبعد أيام سألته لماذا فعل ذلك؟ قال : شعرت أن هناك رغبة من رئيس الديوان فرغبت أن تكون الإحالة بطلب مني قبل أن تكون بطلبه دفعاً لأي عتاب أو خلاف، وهذه بحق أخلاق الكبار، نعم هكذا كان انور سعدو رحمة الله عليه .

وهناك حادثة لا بد لي من ذكرها ولو أني لم أكن لأرغب بذكرها هنا لولا أنها هامة وضرورية للتوثيق والتاريخ، عندما ذهبت إلى مكتب أنور سعدو لمراجعته حول معاملة تعود لمكتب سمو ولي العهد لم أجده في مكتبه وعندما سألت عنه لعله مجازاً أو مغادراً قال لي الأخ منير صاحبك أنور (تحت) كان يعرف مدى علاقتنا الوطيدة مع بعض (وتحت) هذه تعني طابق التسوية وهو خاص لكافة شؤون الإدارة حيث القلم والملفات والطباعة والتصوير ذهبت إلى (تحت) وإذا بأنور وبعض الإخوة  الزملاء المسؤولين عن الملفات يجلسون حول طاولة وعليها عشرات الملفات.

      وبعد السلام عليهم سألت لماذا كل هذه الملفات شو القصة يا (ابو لارا) وهو أنور سعدو؟  قال : أنها الملفات المغلقة من زمان نجهزها لإتلافها سألت لماذا قال لي رحمه الله انظر لم يعد لدينا خزائن لحفظ الملفات الجديدة وهذه قديمة صدر الأمر الخلاص منها لان أخونا محمد حسن حاغور أبو مراد مسؤول عن القلم وتحفظ بإدارته كافة الملفات ونحن بأمس الحاجة إلى فراغ في الخزائن لنتمكن من حفظ الملفات الجديدة.

      مددت يدي على احد الملفات فوجدت مذكرة صادرة على ما اذكر من قائم مقام محافظ البلقاء موجهة لم أعد أذكر بالتفصيل إن كانت موجهه إلى محافظ العاصمة أم لوزير الداخلية يذكر فيها أن الشيخ حديثه الخريشة وهو شيخ مشايخ من بني صخر رحمه الله وهو شيخ جليل مشهود له بالوطنية ومساعدته للثورة الفلسطينية ومشهود له بالكرم والعطاء والشهامة قاد مع رجال من عشائر بني صخر وهي من قبائل الوطن الخيرّة لصد هجوم تعرضت إليه العشيرة من قبل جماعة أخرى .

      أمسكت بالورقة في الملف وقلت يا جماعة هذه وثيقة هامة وضرورية لا يجوز إتلافها ولا إتلاف أي ملف على الإطلاق، قالوا : هذه أوامر صدرت ونحن ما علينا إلا التنفيذ وعدت مسرعاً إلى الأخ منير الدرة الأمين العام وأخبرته رأيي بأن هذه الملفات يجب أن لا يتم إتلافها (وإذا عاد القارىء الكريم للملفات لوجد إنني قدمت مذكرة إلى رئيس الديوان الملكي وكان دولة مضر باشا بدران اقترحت فيها إنشاء مركز توثيق وإعلام في الديوان الملكي ، واستمرت محاولاتي فقدمت نفس المقترح بالاشتراك مع المرحوم محمود تيم وكان يعمل في الجمعية العلمية الملكية ورقة بهذا الخصوص، عندما كان المرحوم دولة احمد اللوزي رئيساً للديوان الملكي لم تسمح التكلفة المقدرة لتنفيذ المقترح وكانت حينها خمسون ألف دينار ، واضفت قائلاً: للأخ منير سوف اقترح إنشاء مركز توثيق في مكتب سيدى حسن قريباً بإذن الله " وفعلاً تم إنشاء المركز ولا زال حتى اليوم).

 ولأنها وثائق هامة وفيها تاريخ الأردن وجزء من أرشيفة قلت أيضاً في سياق الموضوع: أنت تذكر استاذنا في كلية الحقوق بجامعة دمشق المرحوم الدكتور رزق الله انطاكي كان يقول لنا كل ورقة هامة قد تكون وثيقة نحتاجها يوماً في القضاء فلا تهملوا اية ورقة اطلاقاً كما انني قد ذهبت في دوره توثيق وإعلام إلى القاهرة لمدة ثلاثة أشهر وتعلمت في الدورة أن قصاصة الورق مهما كانت يجب توثيقها وعدم إتلافها واضفت للأخ منير، وإلا فسوف أذهب الآن إلى سيدى حسن وأعلمه بذلك قال : لا تذهب الى سمو الأمير انتظر لأعرض رأيك على معالي رئيس الديوان، وكان المرحوم سيادة الشريف عبد الحميد شرف  وما أن غاب حوالي ربع ساعة وأنا في مكتبه انتظر حتى عاد منير وفوراً رفع سماعة الهاتف مخاطباً أنور سعدو قائلاً أبو لارا بأمر سيادة الشريف أوقفوا عملية وتجميع الملفات المغلقة وسنبحث فيما بعد موضوع حفظها، عندها شعرت بارتياح وقلت له فوراً اخ منير أحفظوها في مبنى ومكاتب العهدة المجاور للديوان هناك متسع كبير حيث تحفظ فيه كافة احتياجات الديوان من القرطاسية واللوازم والأثاث.

      قال "جبتها" والله معقول خلاص انحلت المشكلة التي نواجهها، ومازحني رحمه الله قائلاً: أنت من أين جئتنا، رئيس الديوان قال لي:  رأي عبدالله كنعان صحيح هذه وثائق هامة لا يجوز إتلافها أوقفوا العملية فوراً قلت له غداً ستقرأ الأجيال  ويستفيد الباحثون والمؤرخون من هذه الملفات وما تحويه هذه السجلات من وثائق تتعلق بكل مراسلات الديوان الملكي المحلية وغيرها من المراسلات على مدار عقود من تاريخ الدولة، وهكذا تم حفظ تلك الملفات وما تتضمنه دون إتلافها وإلا كانت كل المعلومات فيها قد ضاعت معها.

 عرجت على هذه القصة بعجالة، لأخلص بالقول: بأن المرحوم منير الدرة، كان غيوراً على عمله ووطنه واسع الصدر يستمع للرأي والمشورة السديدة، ومتفهماً لكل رأي صائب للخير وساعياً بإخلاص وعطاء لا ينقطع نحو النهوض بما يتولاه من أعمال ساهم معه في انجازها زملاء كرماء كان شعارهم الإخلاص ومنهجهم التفاني والبذل، أسسوا لمن جاء بعدهم من الزملاء الذين عمدوا إلى النهضة والتطوير لتعظم الانجازات، هو نموذج خيرّ لم يذمه أو ينتقذه أحد بل كان محور الثناء والتقدير من الجميع ، يُجمع كل من يعرفه بأنه إنسان خلوق طيب السيرة والمعشر ولثقة جلالة الملك الحسين رحمه الله بالأخ منير وحرصه على المال العام والمصلحة العامة تمّ تعيينه ناظراً للخاصة الملكية إثر انتهاء مهمة المرحوم أنور مصطفى الذي كان يشغل ذلك المنصب.

      رحم الله الأخ العزيز والهم أهله وذويه ومحبيه وعارفيه الصبر والسلوان ، فسبحان الله الذي اختص البقاء وكان قدره على عباده الفناء، ولكنها سنة الحياة وناموسها الاّبدي فالحياة استقبال ووداع وفراق، والفراق صعب والله لرحيل عزيز كريم علينا جميعاً، ولكنها إرادة الله ولا راد لمشيئته وإرادته سبحانه، رحمك الله أيها الأخ الصديق رحمة واسعة وأسكنك الله الجنة مع الأبرار، والبقاء لله وحده ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

 

إنا لله وإنا إليه راجعون

كنعان: الأردن بقيادته الهاشمية وشعبه الأصيل سيبقى السند القومي لأمتنا

عمان (بترا) - قال أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان، إن الأردن بقيادته الهاشمية وشعبه الأصيل كان وسيبقى البُعد العميق والسند القومي الأصيل لأمتنا، والمدافع بقوة عن كل قضاياها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقدس.

وأضاف في بيان صادر عن اللجنة الملكية لشؤون القدس الأربعاء 12/2/2025، أن المتتبع للأزمات والتحديات التي مرت بها أمتنا وطوال عقود عديدة، يجد أن الأردن لطالما كان الأول وفي مقدمة المدافعين والمناضلين عنها، فتضحيات الأردن تتقدمها تضحيات الهاشميين، وشهداء جيشه العربي على ثرى فلسطين والقدس ودوره الإغاثي والإنساني وجهوده الدبلوماسية وفي جميع المحافل وبقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني هي الشاهد والعنوان الأبرز الساطع لمواقفه تجاه أمته دائماً.

وأشار إلى أن لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني أمس مع الرئيس الأميركي ترمب، وما سبقه وتلاه من اجتماعات مع قيادات سياسية واقتصادية في أميركا و أوروبا، تؤكد أن موقف جلالته المعهود والمتوارث في الفكر والسياسة والنهج الهاشمي، يقوم على استراتيجية راسخة تقوم على ركائز 3 وهي: الأردن ومصالحه الوطنية والقومية، والدفاع عن القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس، والإيمان المطلق بوحدة أمتنا والحرص على أمنها، وجميعها كانت مضمون لقاء جلالته مع الرئيس الأميركي.
وأضاف أن عبارات ملكية كتبت بماء الذهب وصدحت أمام العالم ومن قاعات البيت الأبيض وبلسان هاشمي لا يعرف المساومة :" مصلحة الأردن فوق كل اعتبار"، ولأن فلسطين والقدس قضية وطنية وقومية وعالمية أكد جلالته:" لا للتهجير، أولوية الجميع إعمار غزة دون تهجير أهلها"، ولأن السلام والعدالة نهج هاشمي راسخ قال جلالته :" السلام العادل على أساس حل الدولتين"، حديث هاشمي جاء أمام نظر العالم حتى يدحض أي تكهنات ومزاعم يقصد منها البعض تفتيت الوحدة والصف العربي، خاصة أن جلالته أكد أن القضية الفلسطينية عربية وإسلامية، هذا الحضن العربي والإسلامي الذي يجب أن تكون له كلمة واحدة آن الأوان أن يسمعها العالم.

وأكد كنعان أن الموقف الأردني الهاشمي بقيادة جلالة الملك يمثل قوة دولية تحظى بثقة كبيرة نظرا لحكمة جلالته ودبلوماسيته التي تضع مصلحة الوطن والأمة وحقوق الشعب الفلسطيني وضرورة إغاثته وتضميد جراح مرضاه من الأطفال والشيوخ والنساء خاصة في غزة هاشم وإقرار حقه في تقرير مصيره، وبالطبع الى جانب رعاية أهل القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية التي تتعرض لمخطط تهويد وأسرلة واقتحامات يومية، يدرك جلالته أنه يجب على العالم ومنظماته التنبه لها وعدم الانشغال عنها، وهو أمر مهم لمواجهة مخططات حكومة اليمين الإسرائيلية.

وأضاف أن الشعب الأردني وبكل فئاته ومؤسساته يقف خلف جلالة الملك واثقاً ومدركاً أن شعباً ووطناً يحظى بنعمة القيادة الهاشمية سيتجاوز وأمته كل التحديات بإذن الله، فقوة الأردن دعامة لقوة ووحدة الصف العربي والإسلامي في وجه التحديات والأخطار المتسارعة، وسيبقى الأردن شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الداعم والسند لأهلنا في كل مدن فلسطين بما في ذلك قدس العروبة وغزة هاشم مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، وعلى العالم وقياداته الداعية للسلام والاستقرار الضغط على إسرائيل وحكومتها وإلزامها بالشرعية الدولية فسلام المنطقة والعالم لن يتحقق بالعدوان والإبادة والمخططات المرفوضة.

الغد 13/2/2025 صفحة 5

اللجنة الملكية لشؤون القدس

اللجنة الملكية لشؤون القدس هي لجنة أردنية رسمية مقرها العاصمة عمان تأسست عام 1971 لتُعنى بأوضاع مدينة القدس ونشر الوعي بأهمية قضية القدس.

مهامنا

وضع الإطار العام لتوجهات اللجنة سياسياً وإعلامياً والمصادقة على الخطة العامة السنوية للجنة، واتخاذ القرارات الكفيلة بإنجاحها ومتابعة تنفيذها.