الطبيب يوسف القسوس كما عرفته نموذجاً للمواطنة الفاعلة

   عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

 

سرني أن يصدر كتاب مذكرات الأخ والصديق الدكتور يوسف القسوس، ومما لاشك فيه أن كتب المذكرات عادة ما تكون الغاية منها رصد السيرة الذاتية للبعض، بهدف التكريم والعرفان لهم على ما بذلوه من جهود خيّرة خدمة لأمتهم من جهة، إضافة إلى تسليط الضوء على جانب من خبراتهم وانجازاتهم التي تحققت من قبلهم خدمة للمجتمعات الإنسانية كلها، وساهمت في إدارة وتفعيل عجلة التنمية والنهضة الحضارية الوطنية والإنسانية من جهة أخرى.

لذا فإن ما يقدمه الفرد باختلاف المواقع والمهام التي يشغلها خدمة لمجتمعه، وما ينتج عنها من نجاحات تتشكل عادة من الدافعية والمهارة الشخصية المكتسبة لديه من خلال عقود من العمل، كما أنه لا يجب إغفال ما يقدمه المجتمع الوظيفي والمؤسسات الوطنية المحيطة بالفرد الناجح من دور مهم، يجدر الاعتراف به إذ غالباً ما يمنح المناخ الوظيفي عوامل مساندة تساعد على نجاح الأفراد وتميزهم، وبالتالي يكون الفرد بحق صنيعة مجتمع وقيادة قدرت أهمية الإنسان وعرفت تماماً معنى بناء الدولة ونهضتها لتكون نموذجاً يحتذى في العالم.

لطبيب يوسف القسوس نموذجاً وطنياً طبياً متميزاً تعزز سيرته الناجحة والحافلة مفهوم المواطنة الحقيقية والعطاء من أجل الوطن والإنسان، عبر مختلف مراحل عمله في المجال الطبي، بدءاً من مشوار كفاحه الطويل لأجل إتمام دراسته لينال شهادة البكالوريوس في الطب من جامعة عين شمس المصرية، وبعدها الإصرار في حصوله على الزمالة البريطانية في مجال أمراض القلب والشرايين من أفضل المعاهد والمراكز الطبية المرموقة عالمياً، حيث حظي بالكثير من الإشادة والتقدير منها بسبب تفوقه، مروراً بعد ذلك بتدرجه الوظيفي في الخدمات الطبية الملكية الأردنية، إلى أن أصبح مديراً للخدمات الطبية الملكية، ولقد عرفت الدكتور القسوس حريصاً خلال خدمته العسكرية على الموائمة بين جديته وانضباطه العسكري وبين واجبه الإنساني الطبي الأساسي في تقديم الخدمة والرعاية الصحية لجميع مراجعيه دون تمييز بينهم، متواضعاً لا تشكل رتبته العسكرية العالية حاجزاً في إشرافه المباشر على مرضاه القادمين من كافة المحافظات والقرى والبادية الأردنية ممن يلتمسون العلاج والشفاء بإذن الله، وكما أعلم فإن سمعته الطيبة وأخلاقه الفاضلة كانت سبباً في أن يلجأ اليه الكثيرون من أبناء الوطن الصغير والكبير والشيوخ والنساء خاصة من شريحة البسطاء وذوي الدخل المالي المحدود الذي لا يستطيعون مراجعة العيادات والمستشفيات الخاصة لينتابهم فوراً الشعور بالطمأنينة والراحة النفسية لأنهم بين يدي طبيب ماهر، ونظراً للمعرفة العلمية التي يتسلح بها الطبيب القسوس وأقرانه من أطباء وكوادر الخدمات الطبية ووزارة الصحة الأردنية الذين يمتلكون التدريب والتأهيل العالي، إلى جانب ذلك فقد ربطت الطبيب القسوس علاقات صداقة عامة خارج النطاق الطبي مع رجالات السياسة والاقتصاد والنخب المجتمعية الثقافية وقد استثمرها في الأعمال التطوعية والتوعوية والخدماتية لأبناء المجتمع، لذلك تجده اجتماعياً يشارك الجميع مناسباتهم.

وعلى الرغم من تقاعده من العمل إلا أن عطاء الأخ الدكتور القسوس لم ينقطع، بل بقي مخلصاً لإنسانيته ولرسالته الطبية ليستمر في تقديم الاستشارة الطبية للجميع من خلال عيادته الخاصة، التي لم يكن هدفها أبداً الربح بقدر الرغبة لديه في إكمال المشوار الإنساني الذي بدأ به، ولا شك بأن دوره هذا استمر من خلال عمله رئيساً للجنة الطبية في مجلس الأعيان، وقد بقي أيضاً مستشاراً متميزاً لجلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال ولكافة أفراد العائلة، التي تبادله الاحترام والأخوة والمحبة، وهذا نتيجة طبيعية لما يتصف به من الشخصية المرنة المحبة لكل من عمل معه أو عرفه، حتى شهد له الجميع باللباقة والكياسة وحسن المعاملة.

 وأذكر أثناء عملي بمعية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله وقد أوكلت بي الكثير من المهام وما زال لي الشرف بإشغال بعضها، كنت أتواصل مع الدكتور القسوس لمتابعة شؤون تتعلق بتوفير الرعاية والعلاج لعدد كبير من المواطنين بالخدمات الطبية الملكية من الذين يلجأون إلى سمو الأمير طلباً للمساعدة الطبية، فقد كان الدكتور القسوس يسارع إلى إدخال الحالات الحرجة لتلقي العلاج ولاحقاً يتم استكمال الأوراق المطلوبة التي يتطلب استكمالها بعض الوقت، وهذه المرونة الإدارية التي تستدعيها الحالات الطارئة للمرضى تعكس الإنسانية والمهنية التي يتمتع بها.

وأنا على اطلاع اليوم بالحرص الكبير لدى الأخ الدكتور القسوس على المتابعة المستمرة لكل جديد في مجال الدراسات والبحوث الطبية، ويأتي هذا لإدراكه أهمية التطور العلمي في عملية التجديد والتطوير المتعلقة بالبنية المؤسساتية، مستفيداً دون شك من الجهود والانجازات الطبية الكبيرة لمن سبقه من زملائه الأطباء والمدراء لهذه الصروح الطبية الوطنية الشامخة، ممن لهم بصمة واضحة في العمل.

إن علاقتي الشخصية بالأخ الدكتور القسوس كانت ولا تزال علاقة أخ وصديق نلجأ إلى استشارته الطبية كلما دعت الحاجة إلى ذلك، والمدقق في سيرته الرائدة وخبرته الطويلة، يجد أنها مسيرة حافلة بالنشاط لطبيب مجتهد يستحق التكريم والتقدير، وهو نموذج لحالة من العطاء الفردي المستمر غير المنقطع من أجل مصلحة المجتمع، وهو أيضاً مثال على الطبيب الملتزم بواجبه الإنساني والمواطن الصالح المنتمي لمهنته ووطنه وإنسانيته، وإلى جانب تقديرنا له فعلينا أيضاً أن نتذكر دائماً أن الأطباء والكوادر الطبية جميعها هم جنود العصر والصف الأول في مواجهة الأوبئة والأمراض مثل وباء كورونا التي قدم وطننا ومجتمعنا الإنساني في سبيل مواجهتها ثلة من خيرة أبناء وطننا من الأطباء الذين ضحوا بحياتهم لحماية صحتنا.

إن التقدير الحقيقي لكل من يعطي الوطن من وقته وجهده وتميزه من أمثال الطبيب القسوس ورفاقه يكون بحفظ انجازاتهم بالبناء عليها، لذا فإنني أعرف يقيناً بأن جميع أبناء الوطن وعلى مختلف مسمياتهم الوظيفية واهتماماتهم العملية هم نموذج يماثل الطبيب القسوس، وكل واحد فيهم يحمل في قلبه ونفسه رغبة وطموح في أن يخدم الأردن بكل قوة ويشيد مع غيره دعائم التنمية فيه التي يقود مسيرتها ونحن على أعتاب المئوية الثانية سيدي صاحب الجلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه، انطلاقاً من إيماننا جميعاً بثوابت النهضة العربية الكبرى ومسيرة مئة عام شيدها الأردنيون والهاشميون يداً بيد ولحظة بلحظة في بناء الأردن الحديث، لم يغفلوا خلالها عن الوقوف مع الأمة في كافة قضاياها وتحدياتها، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وجوهرتها مدينة القدس، التي ضحى من أجلها وما زال يضحي الأردنيون وقيادتهم الهاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وستبقى مواقفنا وجهودنا متواصلة حتى ينال الأشقاء في فلسطين والقدس حقوقهم التاريخية والشرعية في إقامة دولتهم الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م .

   وأخيراً مع أطيب التمنيات للأخ العزيز الدكتور يوسف القسوس بدوام الصحة والعافية مكللاً بالتوفيق والنجاح على الدوام.

اللجنة الملكية لشؤون القدس

اللجنة الملكية لشؤون القدس هي لجنة أردنية رسمية مقرها العاصمة عمان تأسست عام 1971 لتُعنى بأوضاع مدينة القدس ونشر الوعي بأهمية قضية القدس.

مهامنا

وضع الإطار العام لتوجهات اللجنة سياسياً وإعلامياً والمصادقة على الخطة العامة السنوية للجنة، واتخاذ القرارات الكفيلة بإنجاحها ومتابعة تنفيذها.