لقد سبق لي زيارة دبي في مهمات رسمية، لم اكن لاستطيع الاطلاع على الحياة فيها كما يجب، وفي كل زيارة لاولادي الى عمان يحدثوني عن دولة الامارات العربية الشقيقة وشعبها وعن دبي حيث عملهم فيها، كنت اعتقد ان كثرة اعجابهم وحبهم وتقديرهم لاهل الامارات ولمدينة دبي واميرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقع من باب الادب والمجاملة، والعرفان بالجميل والشكر هو دافعهم فقط، الى ان لبيت الحاحهم لزيارتهم في دبي لامضي فيها بضعة ايام.
رغبت بعد عودتي ان اسجل خواطري لما لمسته وشاهدته وعشته في مدينة دبي، حيث وافقت ابنائي على كل ما كانوا يحدثوني عنه، وتيقنت لماذا يحبون دبي واهلها واميرها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حفظه الله.
ما اكتبه هو غيض من فيض وكلماتي اراها تمثل حبه قمح من سنابل دبي الخيرة الزكية ، وتعجز العبارات والكلمات ان تعبر عما شاهدته ولمسته منذ لحظة الوصول الى مطار دبي الدولي وحتى مغادرتي لهذا المطار. فقد زرت مدناً وعواصم كثيرة في هذا العالم ولا اجامل على الاطلاق حينما اقول لكم ان ما لمسته وشاهدته بام عيني لم اشاهد له مثيلاً في تلك المدن والعواصم من تقدم وازدهار في جميع المجالات، وجدت كل ما يحتاجه الانسان من أمن وامان وراحة للعائلة وافرادها الكبير والصغير، وساعة الوصول الى المطار وهو المرآه التي تعكس الصورة الجميلة عن امارة دبي واهلها، وجدت رقياً في التنظيم في الاستقبال والمغادرة ولطفاً وحسن تعامل من كل العاملين والعاملات الذين التقيتهم في كل مكان خاصة من اهل الامارات بالذات فقد اعجبت بهدوء اعصابهم وتهذيبهم ولطفهم والتعامل معهم كما سررت بما يتمتعون به من ادب جم في الحديث والسؤال والجواب.
ان استخدام التكنولوجيا والتسهيلات والارشادات والتعليمات تلفت النظر بدقتها وسهولتها وتقدمها في كل الاماكن والدوائر والمؤسسات الرسمية والخاصة التي شاهدتها او زرتها ، وكنت اركز نظري وسمعي وبصري للاخ الاماراتي قبل غيره، كما وصفته لكم ولاشاهد الابتسامة تعلو محياه.
لقد استرعى انتباهي واقولها بكل صدق النظافة، النظافة، النظافة، اذ انني لم اجد ورقة او منديلاً او مخلفات هنا وهناك ، في كل الاماكن التي زرتها وحتى في اكثرها ازدحاماً، وكذلك في الشوارع الكبيرة والصغيرة كلها، فكم سررت ان من تجاوز سن الستين له امتيازات كثيرة لا يحصل عليها في أي بلد آخر ، ومن طريف ما حصل معي هو انني دفعت ثمن تذاكر دخول للقرية العالمية الى حين قدوم ابني من موقف السيارات ، فتعرض علي الموظفة اعادة تذكرتي وزوجتي لتقول لنا انتم مجاناً لبلوغلكم كما اراكم سن الستين ، وكنت ارغب ان لا تذكرني بعدد السنين فتذكرت قول الشاعر:
سني بروحي لا بعد السنين
وروحي ثابتة على العشرين
عمري نحو الستين يركض مسرعاً
لاسخرن غداً من التسعين
وقول المتنبي :
وفي الجسم نفس لا تشيب بشيبه
ولو ان ما في الوجه منه حراب
لها ظفر إن كل ظفر أعده
وناب إذا لم يبق في الفم ناب
يغير مني الدهر ما شاء غيرها
وابلغ أقصى العمر وهي كعاب
اقسم بانني طيلة الزيارة لم اشاهد سيارة واحدة تخالف قواعد المرور كما لم اشاهد شاحنة واحدة او باصاً يسير في وسط شارع او على يساره بل على خط ومسرب اليمين ، وعندما سألت ابني انني ارى شارع على اليمين لا تسير عليه السيارات مطلقاً قال هذا الشارع مخصص فقط للاسعاف والطوارىء وللامن ولا يستطيع احد السير عليه ، فهو جاهز لاية سيارة شرطة او اسعاف، ولا ابالغ ان قلت بانني لم اشاهد حفرة في شارع كان خارج دبي او داخلها وكأنها مرصوفة بالرخام. كما لفت نظري ادب التعامل والسلوك والتسامح للسائقين الخاص والعمومي وغيرها سواء في الشارع عند التجاوز او في اصطفاف السيارة في كراجات المولات وغيرها.
ومما اثار امتناني وشكري الخاص، تواجد رجال الامن الخاص المتواجدين في كل المولات والكراجات والحدائق والابراج او أي مجمع تجاري او مطعم او حديقة، مهمتهم خدمة الزائر والاجابة على أي استفسار وتنظيم حركة مرور المشاه والسيارات ، ولقد اعجبت عندما اشار ابني الى ان موقف انتظار الباصات ومحطات القطار كلها مكيفة فلا تشعر بالحر ولا بالبرد عند الانتظار، وفي كثير من كراجات المولات ، يشير الضوء الاخضر الى ان لسيارتك متسعاً هنا والضوء الاحمر، لا تحاول ابحث عن حارة او طابق آخر في الكراج. ليس هذا فحسب ففي الكراجات مواقف خاصة للسيارات الكهربائية وفيها يمكنك شحن بطارية السيارة. اما باصات المدارس ، فكل منها الى جانب السائق من اليسار واليمين، حين توقفه لاستقبال الطلاب او مغادرتهم، لوحة متحركة «قف» يبرزها السائق اوتوماتيكياً اذا توقف ولا تستطيع اية سيارة عدم الوقوف فالكمرات منتشرة في كل مكان، وقد علمت ان دبي وحدها فيها سبعون الف كمرة مراقبة، ومما سرني ولفت نظري خبر في الصحف اليومية هو صدور أمر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بمعاقبة عدد من الشباب الذين قاموا بالتشحيط بسياراتهم وكانت العقوبة هي العمل في تنظيف الشوارع اربع ساعات يومياً لمدة شهر كامل ،اما الشواطىء على البحر فهي مفتوحة، انها لكل الناس مجاناً، وفيها كل وسائل الراحة للعائلة حيث تتوافر فيها ادوات والعاب الرياضة للكبار والصغار. كما لاحظت توافر اثواب ترتديها النساء عند دخولهن المساجد اذا كان لباسهن غير لائق للمكان او لحرمة المسجد، كما يتوفر اثواب للرجال اذا كان لباسهم مزركشاً بالالوان وغير لائق ، فهي ممنوعة كلياً.
وقد علمت ان مدينة دبي تستقطب سنوياً 15 مليون سائح ، ويقام سنوياً في وسط دبي معرض مفتوح للفن الثلاثي الابعاد برسوم ولوحات متعددة ضمن مفهوم السعادة وهو الشعار الذي تعمل حكومة الامارات العربية لجعله جزءاً من صورتها الخارجية ، وهي تريد تصدير هذا المفهوم الى كل انحاء العالم.
وقد علمت انهم بصدد تنفيذ مشروع القطار الهوائي الذي يقطع المسافة بين دبي وبقية مدن الامارات على اكثر تقدير خلال خمس عشرة دقيقة فقط لا غير ،وهناك في دبي مهرجان السعادة الذي تنظمه الدكتورة رسل النعيمي وهو مفتوح لجميع الفئات وهو رحلة بحرية لمدة ساعة ، يتم خلالها زيارة عدد من الاماكن والتحدث الى الزوار في تخصصات مختلفة يقدم لهم خلال الرحلة الطعام والشراب مجاناً ، والمحاضرات لترجمة رسالة السعادة عبر المهرجان عن طريق تعليم الجمهور الاساليب والطرق المختلفة للوصول الى السعادة.
والغاية ايصال السعادة لاكبر شريحة اجتماعية في الامارات، ويستطيع الزائر ان يلحظ ان شيوخ الامارات يهدفون الى بناء دولة نموذجية « ففي مقابلة للشيخ محمد بن راشد / رئيس الوزراء وامير دبي يقول « انا انحنى لهذا الوطن وشعبه هم اخواني واخواتي وتاريخه اساس هويتي وهم اخواتي واخواني ليسوا على اجندتي بل هم اجندتي».
كما علمت ان سمو الشيخ محمد بن راشد قد انشأ الى جانب وزارة السعادة وزارات اخرى واحدة للتسامح كي تنشر مفهوم التسامح بين الناس ففي التسامح تنشأ المحبة واحترام الاخر فهو طريق للسعادة ووزارة اخرى للتغير المناخي ورابعة لشؤون المستقبل وخامسة لتنمية المعرفة وكل ما يفكر به هذا الشيخ الجليل هو ان تكون مهمة الحكومة اسعاد الناس. واكثر ما يثير اعجابك في دبي وانت تعيش مع اهلها وضيوفها، هو انك لن تجد ولم اجد اطلاقاً انساناً واحداً يستغيب او يعيب على الاخر دينه او مذهبه او عرقه، الى اخر اشكال التميز او التعرض للاديان.
انت لا يمكن ان تشعر الا ان هذا وطنك فقد اصدر رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوماً يقضي بتحريم الافعال المرتبطة بازدراء الاديان ومقدساتها ومكافحة اشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير وينعكس هذا كلياً على حياة الناس، فيصبح التعامل بينهم انسانياً ضمن القانون والنظام والدستور تسير حياتهم بكل محبة واحترام وكاني بهم يقولون الدين لله والوطن للجميع وكل من يحترم دينه ومذهبه وعقيدته كما يشاء ولا احد يفرض عليه او يزدريه.
يسرني ان اوجه باسمي واسم عائلتي وباسم اولادي الذين يعملون في دبي تحية اكبار واجلال واحترام الى كل الامارات العربية اميرها وشيوخها وشعبها العزيز الغالي.
سائلين الله العلي القدير ان يديم عليهم موفور الصحة والعافية ويكلل جهودهم بالتوفيق والنجاح ، وستبقى دولة الامارات العربية مصدر الفخر والاعتزاز بتقدمها وازدهارها ومواكبتها العصر أولاً بأول.
واختم كلمتي فأقول: « ليس بالمال وحده دبي هكذا «.
الراي 24/4/2017