عبدالله توفيق كنعان *
أستطيع القول صراحة بأنني من أشد الداعين للمحافظة على قوانين السير وقواعده وتعليماته والالتزام بها، نظراً لأهميتها بالحفاظ على حياة وسلامة أفراد المجتمع، كما أنني ومن منطلق أنني من أوائل من تشرف بعضوية الجمعية الأردنية للوقاية من حوادث الطرق، ومن المؤيدين والناصحين بضرورة مراقبة (وزراعة) شوارع وأحياء المملكة بالكاميرات كي نوقف إزهاق الأرواح التي تذهب ضحية للحوادث اليومية، ولكي يتعلم الطائشون والعابثون بحياتهم وحياة غيرهم أن الكاميرا تلحظكم يومياً كلما حاولتم ارتكاب المخالفة وتدفعكم نحو الالتزام بالقوانين.
وأنا من المؤمنين بأن من يخالف قواعد المرور وأخلاقيات القيادة لا يمكن له أن يجعلني أثق بأنه مواطن صالح، مهما كانت ثقافته أو مكانته ومركزه الاجتماعي، وأنا على ثقة كبيرة بأن المواطن المؤمن والمنتمي لوطنه وأمته والحريص على حمل همّ قضاياها لا يمكن له أن يخالف قواعد السير إطلاقاً، وأنا من جملة من يقدرون ويحترمون بل يقفون إجلالاً لرجل السير الذي يقف تحت المطر وحرارة الشمس بينما ننعم في سياراتنا ببرودة المكيف أو دفئه، ونحتمي من أشعة الشمس وهطل المطر، لهذا أنا من أعوان المرور وأحمل هويتها بفخر وإن كنت أشعر أحياناً أنها قد لا تسمن أو تغني من جوع، بسبب حجم التجاوزات التي نشاهدها يومياً.
نعلم جميعاً بأن الحركة المرورية على أي دوار في شوارع وطننا الغالي غالباً ما تكون بطيئة خاصة باتجاه الدوار السادس صباحاً، ففي أحد الأيام وقبل أن أصل للدوار قاصداً مكان عملي، حيث كان لا بد لي من إبطاء حركة السيارة إذ كان يقف على رصيف الدوار رقيب سير في مقتبل العمر، يرتدي زيه الجميل ويعتلي جبهته شعار العز والمجد، شاب تلمع عيناه وكأنه يرسلها بالحب لكل السائقين أمامه، تعلو وجهه ابتسامة آملة دافئة تبعث بالنفس الراحة والاطمئنان، تلك الابتسامة الصادقة التي تجعلك تطمئن إليه وإن كنت السائق المخالف للسير، فما أن وصلت الدوار إلا وبه يشير إلي بالتوقف ويتقدم نحوي بخطوات ثابتة تدل على شخصية متزنة مهيبة، قائلاً: أنت مخالف، عليك مخالفة وكررها فقلت له: خيراً إن شاء الله.
قال: مخالفتك أنك غير مبتسم ابتسم كي لا أخالفك. فاجأني بقوله هذا، فضحكت وبدت على كلينا الابتسامة فشكرته، ووعدته أن لا تغيب الابتسامة عن وجهي (كرماله) أولاً ولأنني أُعجبت وسررت بطريقته المدهشة، ثانياً. كررت شكري له الممزوج بالثناء والتقدير مباركاً له ولدائرة السير، وللأمن العام بهذا النموذج للشرطي الشاب النشمي.
سلوكيات وظيفية أخلاقية من شأنها أن تبني جسراً من المحبة بينه وبين السائق، فتحية إكبار وإجلال أزجيها لهذا الرقيب الذي أتمنى أن أعرف اسمه، وان كان فعله هذا يكشف عن ملامح رجولية نبيلة تضفي على اسمه الذي لا أعرفه، الكثير من صفات الطيب والرقي، ومن يومها قررت أن أبقى مبتسماً على الرغم من أن طبيعة عملي تجعلني في كثير من الأحيان منقبضاً مغموماً مهموماً بأوجاع أولئك الصامدين في الأرض المغتصبة ومدينة القدس المحتلة، إلا أن مخالفة رقيب السير هذه بعفويتها وجل مضامينها جعلتني ابتسم مخفياً تلك الأوجاع والهموم، لأبعث في نفسي ونفوس الغير الأمل بأن يوم التحرير والخلاص قادم بإذن الله فأصحاب الحق لهم وعد من الله بالنصر القريب ما داموا مثابرين متحدين متفقين غير منقسمين، عاملين غير راكنين، ولأن آل البيت من بني هاشم الأوصياء على القدس ومقدساتها إلى جانب التضحيات ودماء الشهداء الأردنيين الخالدة في سجل التاريخ والتي جبلت في ثرى القدس وفلسطين تؤكد لي بأنهم لن يتركوها أو يتخلوا عنها أبد الدهر، كما تخلى عنها الآخرون مهما بلغت بنا التضحيات وكان الثمن.
وصلت المكتب مبتسماً فجمعت الزملاء والزميلات ورويت لهم قصة شرطي السير الرائع المدهش الذي أحب عمله وأخلص له وأحب الناس وكل من يجلس خلف مقود السيارة، لقد نبذ مشاعر ضغط العمل عن نفسه وعمقها بالحب وكره أن يرى سائقاً غير مبتسم، ونصحتهم بأن يكونوا مبتسمين رافدين النفس بالأمل الذي يتجسد بمزيد من العطاء والبذل.
فإلى شرطي السير صديقي الذي أذكره اليوم وإلى جميع رفاقه بجهاز الأمن العام وإلى البواسل من ضباط وأفراد أجهزتنا الأمنية والعسكرية القابضين على الوطن بجفونهم، إليكم أيها العيون الساهرة التي وعدها رب العرش العظيم بأن لا تمسها النار أحييكم وأرفع إلى قيادتنا الهاشمية الرائدة أصدق تحيات العز والافتخار فبكم تبنى الأوطان وتحفظ الأرض والأعراض، وبعزيمتكم تنتصر الأمة، ودعواتي لكم وللقدس الغالية شقيقة الروح بالحفظ والرفعة والسلم والتحرر.
راجياً من كل قائد سيارة مهما كانت صفته ومنزلته أن يتقيد بقواعد السير احتراماً وتقديراً لرجل السير ولتأكيد انتمائه إلى وطنه والإخلاص له.
* أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس