عبد الله توفيق كنعان
دفعتني غزارة المشاعر وتزاحم العبرات المثقلة بالشجون إلى قلمي لأدون على هذه الأوراق القليل من العبارات المحملة بالكثير من المعاني، لجأت إليها علّها تزيل عن قلبي وصدري الكثير الكثير ...، وفي نفس الوقت اعلم أنها هي الأخرى حملت ما لا تستطيع حمله، فكيف لها أن تحمل في مضامينها الاشتياق والتاريخ والإخلاص والمحبة والمعزة إلى أخي وصديقي ورفيقي ومن شاركته العمل بمعية سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، بل شاركته بإخوة وصداقة كل التفاصيل، إليك يا أخي العزيز ميشيل حمارنة اكتب وأناجي وأدعو القدير أن يرفع عنك المرض.
أخي الغالي أبو عمر....
لم أكن أتوقع يوماً أن أقوم بزيارتك وأشاهدك تجلس على الكرسي مريضاً لا تقوى على القيام، اعلم تماماً بأنها إرادة الله وحكمه، وأنا مؤمن يقيناً بأن القدر بيد الله، غير أنني لم أعهدك إلا أنسانا تحب العمل والحركة رافضاً الركون والكسل، ماذا أصابك أيها العزيز؟. فلا يليق بك الجلوس أيها النشيط، يا من تبث في الجميع من حولك النشاط والبذل والعطاء.
اطمئن عليك باستمرار، كل يوم أهاتف أسرتك للسؤال عنك، الأبناء الأعزاء عمر وديما ورانيا وهم الأبناء البارون بوالديهم يتناوبون على خدمتك ورعايتك في الليل والنهار، يا الله ماذا فعل بك المرض؛ كم يؤلمني وأنا أسمع صوتك الهزيل الضعيف، وأنت تتصل بي بعد إصرارك عليهم أن يطلبوني لنتحدث ونتناقش ونتشاور كعادتنا، يؤلمني أن تكون كلماتك وجُملك تهمسها بأذني همساً، وبحة صوتك الشجي العذب لم تعد كما كانت، تترآى أمامي مسرعة تلك الذكريات يوم قابلتك، عرفتك قبل أن تعرفني بحكم عملي بمعية سمو الأمير الحسن حفظه الله ولي العهد آنذاك، وهو الأمير الإنسان المحب الذي عرف وعرفنا من خلاله كل رجالات الوطن قبائله وعشائره وشيوخه وشبابه، وهو الأمير الذي كان وما زال يعرف كل شبر من أرض الأردن العزيزة ساكنيه وحجارته وكل ركن فيه، فسموه هو المدرسة والجامعة التي كنا ومعنا الكثير من الرفاق من الزميلات والزملاء الأعزاء، الذين كان لنا وما زال الشرف بأننا من خريجيها، نعمل بمعية سموه حفظه الله ورعاه وألبسه ثوب العافية والصحة وهدوء الفكر وراحة البال نخدم الوطن بكل حب وإخلاص، وأنت أيها الأخ العزيز نعمل معاً يدنا بيدك في كل الأمور. وبحمد الله لا أذكر أنه مرّ علينا يوم من الأيام وقد اختلفنا، كانت الثقة الوثيقة علامة بارزة في عملنا، تقول لي مازحاً : " لو أنك يا أبا علاء وضعت بين الأوراق التي تضعها للتوقيع كتاب استقالتي لوقعته"، تقولها وانت المدقق في كل شيء، على دراية بأننا لا نضمر في قلوبنا وعملنا أي ضرر أو غش معاذ الله، ولا تسكن قلوبنا الا المحبة وهي حديقة غناء مزهرة بالصدق والعطاء، لطالما كنت تطلب مني رغم معرفتك بمدى جديتي التدقيق في كل شيء نظراً لحجم العمل الكثير الذي يحتاج التعاون ويتطلب المساعدة من الجميع في إنجازه، أخوين كنا وما زلنا وسنبقى وأن لم نجتمع برابطة الدم ولكن إخوتنا جاءت من رفقتنا ومشاركتنا الهموم قبل الفرح، غايتنا خدمة سيدي الأمير الحسن وهي بطبيعة الحال تصب في خدمة الوطن وأهله الأخيار من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، جمعنا حب أمير وحب وطن وإخلاص للعرش، وذاك يا صديقي حصن منيع ورابط وثيق كفيل بتجاوز الصعاب.
أخي العزيز ابو عمر:
عرفتك نزيهاً بعيداً عن العنصرية والانحياز، رفيقك الصدق والنزاهة ونظافة اليد والقلب، حظيت بثقة جديرة من سموه، عرفتك متواضعاً متزناً لست ببعيد المسافة عن الآخرين، ما زلت أذكر رفضك لشرب الماء في رمضان ونحن من حولك صائمون، حريصاً على حفظ مشاعر الزملاء والزميلات، فما الذي أصابك وأقعدك ؟ رحم الله شريكة حياتكم الأخت الفاضلة أم عمر التي كانت تنقل إخبارك الطيبة باستمرار، لكنه القدر الذي فجع قلبك بفراقها وغيابها رحمها الله، وان كان قلبها الطيب ووجها البشوش المحب بيننا اليوم يشع بريقه ليضيء المكان والذكريات، أذكر يوم فارقنا فيه محياها وروحها النقية، يوم حزين مؤلم أبكاك وذرفت عليها الدمع والحزن وقد هاتفتني لتخبرني برحيلها رحمها الله، يا الله ما أصعب الذكريات وما أعقد ما فيها من لحظات، فقد عشت مثلها وأنا أتابع شقيقي "أبو امجد" عدنان توفيق كنعان في كل زيارة له للطبيب لـلإطمئنان عليه، وكم ضاق الصدر وفجعني رحيله رحمه الله، وها هو اليوم أيضاً ذات الشعور المرهق يعود، وأنا أتابع شقيقي الآخر الدكتور محمد علي في زيارته للطبيب وقد أسره المرض مثلك، بعد أن كان في عيادته طليقاً يعمل حتى منتصف الليل، عافاكم الله يا قطعة من الروح والعمر ومنّ عليكم الله العلي القدير بالشفاء العاجل.
أدعو الله بعد كل صلاة وفي كل ساعة أن يرفع عنكم المرض والألم، ويلبسكم لباس العافية والصحة، وأكرر الدعاء إلى العزيز القدير أن يمدكم بالسلامة والستر وراحة البال، فسلامتكم هي المبتغى والسؤال من الله وحده، وهو القدير على كل شيء ان يمن علينا بشفائكم للعودة إلى ما كنتم فيه من صحة وعافية.
الخميس الموافق 28/10/2021