عبد الله توفيق كنعان
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
إن من سنن الحياة وتصاريف الأقدار أن يفقد المرء منّا البعض ممن يعز عليه فراقهم ومن يحبهم ويحترمهم ويقدرهم، سواء كانوا من الأهل والأقارب أو من الزملاء والأصدقاء، يمضون إلى حياتهم الأبدية بسلام، يرافقهم الدعاء الصادق منّا لهم بحسن الخاتمة وجزيل الرحمة، إلا أن المرء في الوقت ذاته يعلم تماماً، أنه لم يفقدهم نهائياً وقد تركوا خلفهم ذكريات ليس من السهل نسيانها و أعمالاً وأنشطة متميزة، تجعله وغيره ممن زاملهم أو عرفهم يستذكر الخير والعمل الصالح الذي تركوه خلفهم بيننا.
نهى حتر في ذمة الله، خبر أصابني وقعه بالحزن والألم، كغيري من أفراد أسرتها وكحال كل من رافقها وعملت بمعيته أو عمل معها وعرفها، استذكرت عند سماعه مسيرة زميلة ذات عطاء ونشاط، لقد عرفتها منذ اليوم الأول الذي أتت فيه إلى مكتب سيدي صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال ولي العهد آنذاك موظفة مُعارة من الجمعية العلمية الملكية حيث كنت حينها صلة الوصل مع الجمعية من أجل تنظيم إجراءات إعارتها، لتعمل بداية سكرتيرة مكلفة ببعض الشؤون والمهام الخاصة بمكتب سموه وقد تنقلت في عدة وظائف في مكتب سموه،الى ان تولت الشؤون الادارية والتنسيق للأعمال الرياضية والفكرية ونظراً لطبيعة عملي بمعية صاحب السمو الأمير الحسن فقد كنت على تواصل مستمر مع الفقيدة لانجاز مهام مختلفة.
هي زميلة لي بالعمل من بين مجموعة زميلات وزملاء كنا معاً نعمل في مكتب صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال حفظه الله وما زلنا نخدم بمعية سموه ... وهكذا وجدت بالأخت نهى أنها أيقونة للعمل بإخلاص وتفانٍ تملك طاقات كبيرة وشخصية تجعلها قادرة على إنجاز المهام بسرعة ودقة، تكره المماطلة والتقصير في الأداء من الطرف المطلوب منه أداء مهمة معينة.
غادرتنا نهى بسلام ولم تكن رحمها الله تعلم أن وباء الكورونا سيكون سبباً في أن تغادر عملها لمعالجة المرض اللعين، وأذكر أنني اتصلت بها مرة وثانية وثالثة دون رد على غير عادتها، وعندما سألت عنها قيل لي أصابتها الكورونا وبعض الزملاء والزميلات شافاهم الله، وبعدها بقيت على اتصال يومي بزوجها الأخ المهندس غسان غانم للاطمئنان عليها وآخر اتصال كان جوابه لي: لا نملك إلا الدعاء والصلاة من أجلها فأيقنت عند سماع هذه الكلمات المؤلمة أن الوضع خطير، وهكذا غادرتنا رحمها الله وهي من تحمل في قلبها كل الحب والوفاء لعملها الذي أقسمت أن تقدم له ما تستطيع في ميادين متنوعة من العمل الإداري العام والرياضي وغيره من المجالات، لقد كان عملها محط رضا الكثير، وفي نفس الوقت قد تجدها تختلف مع البعض نتيجة لمواقفها الصلبة أحياناً وتمسكها برأيها ورؤيتها، إلا أن هذا الاختلاف الإيجابي كان في النهاية لمصلحة العمل ولا يفسد للود قضية، ولم يكن أبداً يخرج عن إطار الاحترام وقبول الآخر والاستماع لوجهة نظره، خاصة أن المسؤول الإداري المناط به اتخاذ القرارات، يكون مناخه الحذر والتروي دائماً قبل إطلاق الحكم أو البت في بعض المسائل تجنباً للخطأ.
وهكذا بعد أن غادرتنا رأيت نفسي ذاهباً إلى الكنيسة لحضور القداس الذي أقيم على روحها رحمها الله، وتشرّف الحضور بمشاركة صاحبة السمو الملكي الأميرة رحمة بنت الحسن ومعالي الأخ العزيز المهندس علاء البطاينة، حيث أصرت سموها مشاركة أسرة الفقيدة وزملائها ومعارفها قداسهم للتخفيف من حزنهم ومواساتهم، لقد رأيت وغيري ممن حضر للتعزية، الحزن يعم قاعة الكنيسة والوجوه والقلوب حزينة تبتهل القدير أن يغفر لها، كانت الكلمات الحزينة التي قالها ابن أختها أمام الحضور مؤثرة أبكت بها القلوب قبل العيون، وبالرغم من وباء الكورونا والخوف السائد منه، إلا أن قاعة الكنيسة كانت مليئة بالرجال والنساء لتقديم واجب العزاء، مع أخذنا جميعاً أسباب السلامة بالالتزام بالتباعد في الجلوس على المقاعد وارتداء الكمامات، وهو أمر ضروري لابد منه لنحمي أنفسنا وأسرنا ووطننا من هذا الوباء المقلق.
أيتها الأخت الزميلة سنبقى نذكرك بالخير ونذكر طلباتك السريعة وعطاءك وخدمتك لسمو الأمير وعائلته، ندعو الله أن يجعل مثواك الجنة، ويتغمدك بالرحمة ويلهم الأهل وكل الأحبة الصبر والسلوان وحسن العزاء، وداعاً والى جنات الخلد، ونقول لكم هذه هي الحياة استقبال ووداع وفراق، وفراق الفقيدة نهى كان صعباً على الجميع، فهي فقيدتنا جميعاً، ولكنها في النهاية إرادة الله ولا راد لإرادته.
إنا لله وإنا إليه راجعون.
13/1/2021