عبدالله كنعان/ أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس
المنـبر هو الموضع الذي يقوم عليه الخطيب في المسجد لخطبة الجمعة، فإضافة للموعظة الاسبوعية التي تقام يوم الجمعة فإن للمـنبر وظائف عديدة لها دلالتها الدينية والثقافية والسياسية والاجتماعية، فمن على المنبر يكون تعليم المسلمين أمور دينهم وتناقش وتعالج قضايا اجتماعية عديدة، كما كان يتم أيضاً من على المنـبر اعلان القرارات الرسمية في الدولة بما فيها الحرب والسلم، ولعل وجود النقوش والكتابات على المنابر سواء ما يتصل باسم الخليفة والأمير والوالي الذي أمر بصناعته أو تاريخ ذلك، يعكس أهمية حضارية وثقافية أيضاً، ومنبر نور الدين زنكي المصنوع في موضع يُسمى (الحلوية) في مدينة حلب، والذي أمر بعمله سنة 564هـ/1168م وعزم على نقله إلى المسجد الأقصى المبارك عند تحرير مدينة القدس، وهو من المنابر المشهورة في تاريخ حضارتنا لرمزيته ودلالته.
عُرف بمنبر صلاح الدين الايوبي لأن نور الدين زنكي استشهد قبل تحرير مدينة القدس، فأتم مشروع تحريرها من الفرنجة القائد صلاح الدين الايوبي عام 583هـ/1187م فأمر فوراً بنقل المنبر الى مكانه في المسجد الأقصى المبارك، ليكون رمزاً للعزة والنصر وابقاء فكرة النضال حيّة في نفوس الاجيال، وقد تعرض المنبر للحرق والدمار بتاريخ 21 آب 1969م على يد المتطرف الصهيوني الاسترالي (مايكل روهان)، وبتوجيهات وتبرع ملكي أمر جلالة المغفور له الملك الراحل الحسين بن طلال بترميم المسجد الاقصى من الاضرار الناتجة عن الحريق بما في ذلك إعادة صنع منبر صلاح الدين عام 1993م، قائلا في كتاب وجهه إلى رئيس الوزراء آنذاك: «لقد صممنا وآلينا على أنفسنا أن نحافظ على المقدسات والتراث الخالد الذي منه منبر صلاح الدين الأيوبي ذلك المنبر الذي لم يعمل في الإسلام مثله، ولا بد من إعادة صنعه على صورته الحقيقية المتميزة ببالغ الحسن والدقة والإتقان ليعود إلى سابق عهده في أداء دوره التاريخي في هداية المؤمنين وتوعيتهم وحفزهم على التعاون والتضامن»، ولأنها ثابت ورسالة هاشمية فقد أمر جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله بالاستمرار في ذلك الواجب المقدس.
ويتكون هذا المنبـر من 16500 قطعة وقد عمل بطريقة التعشيق أي تركيب وتثبيت أجزاء الخشب وربطها دون استخدام أي مسمار أو مواد لاصقة، وقدرت تكلفة صناعة المنبر بحوالي (2 مليون و200 ألف دينار أردني)، وقد أُنجز في كلية الفنون والعمارة الاسلامية في جامعة البلقاء التطبيقية وقد شارك في صناعته حوالي 40 من علماء وخبراء من عدة دول جرى تكليفهم واستمر العمل مدة سبع سنوات ونصف السنة.
وبتاريخ 18 تشرين الأول 2002م وضع جلالة الملك عبدالله الثاني اللوحة الزخرفية الأساسية على المنبر، وبتاريخ 25 تموز 2006م ازاح جلالته الستار عن المنبر مؤذناً ببدء عملية نقله، ولكن ونظراً للأحداث والتطورات السياسية في المنطقة خاصة في فلسطين ولبنان تمّ تأجيل ذلك، فكان وضعه في موقعه بتاريخ 2 شباط 2007م وبهذا التاريخ أقيمت أول خطبة صلاة الجمعة في المسجد الاقصى على المنبر بعد اعادة ترميمه وتركيبه.
ولا شك أننا ونحن نستذكر في هذه الايام ذكرى اعادة منبر صلاح الدين الايوبي الى مكانه في المسجد الاقصى المبارك، وفي وقت عصيب تحتاج فيه مدينة القدس أهلها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية للدعم والمساندة وهي تتعرض لنهج التهويد والعبرنة والاستيطان، نؤكد بأن القدس ومقدساتها هي بوصلة أردنية هاشمية، فالوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس واجب وأمانة تاريخية مستمرة تحافظ على هوية المدينة العربية وقدسية مقدساتها الاسلامية والمسيحية.
ان اللجنة الملكية لشؤون القدس تُبين أن أي مناسبة تاريخية وحضارية تتعلق بالقدس وفلسطين ومقدساتها هي جزء من التاريخ الاردني والعربي والاسلامي الاصيل، ورسالة المنبر الحضارية ورمزيته في التمسك بالحقوق والدفاع عنها والنضال لأجل الحرية والخلاص من الظلم والعدوان ستبقى في ضمير الاجيال على الدوام، فالمنبر هو صوت الحق والعدالة ولا يمكن لأي قوى بربرية تستند لشريعة الغاب والاحتلال والاستيطان أن تقضي عليها، وسيبقى الاردن شعبا وقيادة هاشمية السند الداعم لأهلنا في القدس وفلسطين مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.
الرأي 3/2/2025 ص8