القدس بين قرارات الشرعية الدولية و واقع الانتهاكات الاسرائيلية الخطيرة

عبدالله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

تشهد القضية الفلسطينية وجوهرها مدينة القدس ما يمكن وصفه بالواقع المعقد العصيب، بالرغم من مئات القرارات الشرعية الدولية الصادرة عن هيئة الامم المتحدة والجمعية العامة ومجلس الامن وغيرها من المنظمات التابعة لها، المطالبة بوقف ممارسات الاحتلال الاسرائيلي وانتهاكاته اليومية الممنهجة ضد أهلنا المدنيين العزل، بما في ذلك صدور قرار المجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو  في دورته رقم (215)، والذي أكد على أن جميع الإجراءات الإسرائيلية الرامية إلى تغيير طابع المدينة المقدسة ووضعها القانوني لاغيةً وباطلة، كما يُطالب القرار إسرائيل بوقف انتهاكاتها وإجراءاتها أحادية الجانب غير القانونية ضد المسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف، باعتباره ملكية خالصة للمسلمين، وضد البلدة القديمة للقدس وأسوارها، مطالباً اسرائيل أيضاً السماح بتعيين ممثل دائم لليونسكو في مدينة القدس لرصد الانتهاكات الاسرائيلية، علماً بأن هذا القرار  أكده سابقاً 22 قراراً للمجلس التنفيذي و11  قراراً  للجنة التراث العالمي في اليونسكو، والتي جاء فيها الاقرار  بأن المسجد الاقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف بمساحته (144) دونماً، هو ملكية اسلامية خالصة ولا علاقة لليهود به، وتكرار مضامين هذه القرارات يدلل على ثبات وشرعية الحق الفلسطيني، كما يكشف استمرار العنجهية الاسرائيلية ورفضها وعدم مبالاتها بالشرعية الدولية واغفالها وتزويرها للحقائق التاريخية التي تؤكد عروبة القدس وحق الشعب الفلسطيني بأرضه المحتلة.

    والمتابع لما يجري من تطورات ميدانية في فلسطين المحتلة والمحاصر أهلها من البحر الى النهر  بما في ذلك مدينة القدس، يجد أن قرار  منظمة اليونسكو يأتي في ظل واقع احتلالي اسرائيلي خطير يتمثل بسياسة القتل والاسر والاعتقال والتهجير ومصادرة الاملاك والاراضي والاقتحام اليومي للمسجد الاقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف وحصار الانسان الفلسطيني خاصة في قطاع غزة المحاصر منذ عقود، كذلك يلاحظ العالم اليوم مشاهد القمع الوحشية في جنين ومخيم شعفاط ونابلس وغيرها من مدن فلسطين، والتضييق الشامل على الفلسطينيين في كافة المجالات، ولا شك أن موعد الاعياد اليهودية أصبح ظاهرة يستغلها المستوطنون للعنف والاعتداء بحماية شرطة الاحتلال، فلا يمكن للمرء أن يفهم كيف تدعي اسرائيل كذباً الديمقراطية وهي تنشر الكراهية تجاه ملايين المسلمين والمسيحيين في فلسطين والعالم باقتحام مقدساتهم ومنعهم من حرية العبادة فيها، والقول في الوقت نفسه بأن لها ولمستوطنيها الحق باداء طقوسهم وخرافاتهم من خلال الاعتداء على المقدسات الاسلامية.

 ولا شك أن الواجب الانساني والقانوني للمنظمات والقوى الدولية يلزمها السعي نحو فرض سيادة الشرعية وايقاف سياسة الغاب وقانون القوة الباطلة التي يستخدمها الاحتلال ضد الانسان والارض والشجر في فلسطين المحتلة من البحر الى النهر، وعلى العالم الحر ممارسة كل ما من شأنه تعزيز السلم في العلاقات الدولية وعدم الانجرار وراء ضغوطات اللوبي الصهيوني بما في ذلك مساعيه حالياً الضغط على حكومات غربية بنقل سفاراتها إلى مدينة القدس المحتلة، الأمر الذي يساهم في محاولة تغيير ومخالفة الواقع التاريخي والقانوني لمدينة القدس، ويبدد الأمل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م، وعلى الدبلوماسية الدولية احترامها للشرعية وتحاشي اثارة الغضب واندلاع حرب دينية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.

    إن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد على الموقف الاردني الثابت شعباً وقيادة صاحبة الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، المتمسك بالسلم والامن العالميين وجميع قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية خاصة أن الدبلوماسية الأردنية وبتوجيهات ملكية كانت السبب في صدور الكثير منها بالتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة، هذا الموقف الداعم والمساند للاشقاء في فلسطين مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، والداعي والمبارك دائماً لوحدة الصف الفلسطيني بما في ذلك اعلان الجزائر مؤخراً المعني بلمّ الشمل الفلسطيني، والمطالب بتنسيق الجهود العربية والاسلامية والعالمية نصرة للشعب الفلسطيني، نظراً لأهمية ذلك في مواجهة كافة اشكال ممارسات وانتهاكات اسرائيل.

ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وفي إطار حالة التذمر لدى الرأي العام الدولي بما فيه العربي والاسلامي تجاه ظاهرة سياسة بعض الدول الكيل بمكيالين تجاه القضايا العالمية، وبشكل وَفرَ لاسرائيل للأسف مناخاً للقيام بممارساتها المرفوضة، تدعو العالم ممثلاً بمنظماته الشرعية مطالبة اسرائيل بانهاء احتلالها والالتزام بتطبيق جميع القرارات الدولية المجمع عليها الخاصة بالقضية الفلسطينية، علماً بأن السلام والأمن لن يتوفر ابداً للاجيال والمنطقة ما دامت اسرائيل تتحدى القانون وتضرب بعرض الحائط بالشرعية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية وتشعر واثقة بأنها بعيدة عن العقاب وفوق القانون، فقد آن الاوان لرفع الظلم والمعاناة عن أهلنا ووقف آلة وسرطان الاحتلال التي تهدد الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في ارضه ودولته وحق تقرير مصيره ومستقبل أجياله.

16/10/2022

Comments are disabled.