كنعان : أسرلة التعليم في القدس مستمرة رغم شعارات أيام وأسابيع العلم والسلام العالمية

عبد الله توفيق كنعان/ أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

    ان مناسبة الاسبوع العالمي للعلم والسلام التي اقرتها الامم المتحدة  والتي  تجري ما بين 6-11 تشرين الثاني من كل عام، (ويتخللها احتفالية الامم المتحدة باليوم العالمي من أجل السلام والتنمية بتاريخ 10 تشرين الثاني من كل عام)، تهدف إلى التوعية بمخرجات العلم ودورها وعلاقتها في تحقيق السلام العالمي، ولكنها اليوم أصبحت تذكير بمأساة أهلنا في مدينة القدس الذين يقبعون تحت وطأة تنوع اساليب الاعتداءات الاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية الاسرائيلية، والتي يهدف الاحتلال من خلالها إلى ترسيخ التهويد والاسرلة والعبرنة لكل شيء في الاراضي الفلسطينية المحتلة ومنها القدس على وجه الخصوص، وخلق هوية صهيونية مزعومة على حساب الهوية العربية التاريخية العريقة لمدينة القدس، ولا شك أن سياسة طمس الهوية العربية مرتبطة بمخطط استراتيجي متكامل لحرب شاملة ضد التعليم القائم على المنهاج الفلسطيني في المدارس والجامعات في القدس، من خلال حذف التاريخ الوطني والقومي الفلسطيني العربي من المناهج، والسعي لفرض المناهج الاسرائيلية التي تروج للرواية الاسرائيلية وتزور الحقائق والمعلومات وتبث الكراهية ضد الفلسطينيين والعرب جميعاً بشكل صريح، وتفرض القيود على حرية الحركة والتنقل مما يعيق وصول التلاميذ إلى مدارسهم القليلة أساسا، خاصة بوجود عشرات الحواجز الاسرائيلية، وإجراءات التفتيش والتدقيق الشديدة للطلبة الذين يتعرضون خلالها للمضايقات من الجنود والمستوطنين، أما جدار العزل العنصري فانه يعزل أجزاء القرية الواحدة عن بعضها بما فيها المدارس وكافة الخدمات لاجبار الاهالي على التوجه نحو المؤسسات التعليمية الاسرائيلية، أو من خلال التضييق على التعليم باغلاق المدارس وعدم السماح ببناء مدارس جديدة واضافة غرف صفية ومنع صيانتها وتجريم أي محاولات لتوسيعها، لاستيعاب الاعداد المتزايدة من الطلبة المقدسيين الذين لا تكفيهم المدارس الموجودة، ويعانون في الاساس من نقص كبير في الكوادر الادارية والفنية بسبب محدودية الموارد المالية حتى في الجامعات والكليات أيضاً، فضلاً عن الازدواجية في المرجعيات وعدم وجود خطة تعليم موحدة قادرة على مواجهة التحديات والصعوبات المتراكمة، وذلك بسبب تعدد الجهات المشرفة على التعليم المقدسي مثل الاوقاف الاسلامية في القدس والاونروا وبلدية الاحتلال والقطاع الخاص .

   وتجدر الاشارة إلى أن الاسبوع العالمي للعلم والسلام واليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية واليوم العالمي للمعلمين كانت مناسبات عالمية محركة ودافعا أن لتقوم فلسطين بجعل يوم 14 كانون الاول من كل عام يوما للمعلم الفلسطيني، وهو أيضاً تذكير بالمأساة اليومية التي يتعرض لها المعلم في المدارس والكليات والجامعات المقدسية من الاعتقال والقتل ومنعه من الالتحاق بمدارسه ومراكز عمله التعليمية ومحاربته في رزقه ودخل عائلته لدفعه نحو ترك هذه المهنة والواجب الوطني والقومي الذي تمثله.

  وترتبط جذور يوم المعلم الفلسطيني بمحطة نضالية هامة انطلقت عام 1972 عندما تعرض عشرات المعلمين للقمع والتنكيل على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعد احتجاجهم على التدخل الاسرائيلي في التعليم، إضافةً إلى مطالبتهم بحقوقهم النقابية العادلة؛ وصولًا إلى يوم الرابع عشر من كانون الأول من العام 1980م، عندما انطلقوا في مسيرة كبيرة تعرضوا على اثرها للتنكيل الاسرائيلي، ليكون بذلك هذا اليوم مناسبة لفضح جرائم الاحتلال للراي العام العالمي.

     وللامعان في الخطة الاسرائيلية لاسرلة وتهويد التعليم خلال الشهور الاخيرة وضمن الحملة الاسرائيلية لمحاربة عناصر التعليم الاساسية (الطالب والمدرسة والمعلم والمنهاج)، تمّ سحب تراخيص ست مدارس مقدسية واستبدالها بتراخيص مؤقتة، تمهيداً لاغلاقها وتشريد طلبتها، فضلاً عن سياستها الموجهة ضد مدارس الاونروا في القدس وضواحيها ومخيماتها خاصة بعد قرار الرئيس الامريكي السابق ترامب وقف دعم منظمة الاونروا، وفي ذلك مخالفة صريحة للشرعية الدولية والقانون الدولي الذي الزم جميع الدول والكيانات المحتلة بحفظ الحقوق الاساسية للافراد في الاقاليم الخاضعة لها، حيث نصت المادة (26) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أن لكل شخص الحق المكفول في التعليم، كما اقرت الامم المتحدة أن يكون  9 ايلول من كل عام يوما باسم اليوم الدولي لحماية التعليم من الهجمات، ويوم 5  تشرين الاول من كل عام يوما باسم اليوم العالمي للمعلمين.

    ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة  الاسبوع  الدولي للعلم والسلام واليوم العالمي للعلوم من اجل السلام والتنمية وغيره من الايام الدولية والاقليمية المعنية بالعلم والتعليم توجه نداء انسانياً اعلامياً للجهات الراعية والشريكة في احياء هذه المناسبات وهي هيئة الامم المتحدة  واليونسكو ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة والاتحاد الدولي للمعلمين، مضمونه أن هناك حوالي 90 الف طالب وطالبة موزعين على 238 مدرسة في القدس المحتلة والاف الطلبة في جامعات وكليات القدس يجب أنقاذ تعليمهم وطفولتهم وشبابهم وانسانيتهم، فهم يواجهون حرباً تهدد وجودهم وهويتهم وحقهم الاساسي في التعليم والطفولة الآمنة، وقبل كل شيء حياتهم، وتؤكد اللجنة أن التعليم والثقافة مرتكزات اصيلة في الحفاظ والتثبيت للهوية المقدسية الفلسطينية، ولا يجوز تاريخياً وقانونياً وانسانياً لاسرائيل التعرض لها بأي شكل وبحجج مزعومة، لذا يجب تكثيف الدعم العربي والاسلامي والعالمي الفردي والمؤسسي بما في ذلك الاونروا واليونسكو للتعليم في القدس، لتعزيز الصمود وضمان حق الطفل والشاب الفلسطيني والمقدسي بشكل خاص في البقاء على اتصال حضاري بهويته العريقة والاطلاع على النتاج الفكري العالمي، كما يجب الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت من أجل توفير مادة معرفية علمية لاطفال وشباب القدس تشرف عليها جهات واعية لمسؤوليتها التربوية والتاريخية، لما في ذلك من دور هام في مواجهة المحتويات الالكترونية المسمومة التي تحاول بها اسرائيل اختراق المنظومة التعليمية لاطفال وشباب فلسطين والقدس.

وانطلاقاً من الوصاية التاريخية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس فإن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد على استمرار الاردن في دعم التعليم المقدسي بتوجيهات ومبادرات مباشرة من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين الذي أمر بالاهتمام بالتعليم بالقدس بكافة مستوياته ومن ذلك أمر جلالته  بانشاء الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام الغزالي في المسجد الاقصى المبارك وجامعة القدس ويرتبط بها منحة لدرجة الماجستير ومنحة أخرى لدرجة الدكتوراه، كما أطلقت جلالة الملكة رانيا مبادرة مدرستي في فلسطين وتحديداً في القدس، كما تم تأسيس مركز الحسن بن طلال للدراسات المقدسية في جامعة القدس، والذي يعنى بالدراسات المقدسية الأكاديمية لمرحلة ما بعد الدكتوراه، واضافة الى ذلك هناك اكثر من 50 مدرسة تابعة للاوقاف الاسلامية في القدس، فضلاً عن استقبال الطلبة المقدسيين في الجامعات الاردنية وتخصيص مقاعد لهم، ويشار الى أن وزارة التنمية الاجتماعية الاردنية تتبع لها جمعيات خيرية في القدس مثل جمعية دار اليتيم العربي حيث تتبع لها مدرسة مهنية مقامة على عشرات الدونمات من اراضي القدس،  من جهتها تعمل اللجنة الملكية لشؤون القدس على فضح الممارسات الاسرائيلية تجاه القدس بما في ذلك محاولات اسرلة وتهويد التعليم، وبيان ذلك من خلال مؤلفات تصدرها اللجنة، اضافة لمخاطبتها للجامعات والمدارس الحكومية والخاصة بضرورة جعل مادة القضية الفلسطينية إجبارية لكافة التخصصات ومؤلفات شاملة للتوعية بقضية فلسطين والقدس لتبقى حية في ضمائر وعقول الاجيال، فالتعليم حق اساسي وضرورة نضالية وهوية حضارية لا بديل عنه لاهلنا في فلسطين والقدس.

وتتطلع اللجنة الملكية لشؤون القدس في اطار الاحتفال هذه الايام بالذكرى الثلاثين لبرنامج توأمة الجامعات والكراسي الجامعية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، الذي عقد في مقر المنظمة بالعاصمة الفرنسية باريس، تحت شعار “تحويل المعرفة من أجل مستقبل عادل ومستدام”، بأن تكون القدس والتحديات التي تواجه التربية والثقافة فيها ضمن برامج هذه الكراسي العالمية المستقبلية الهامة، وتتمنى من الجامعات العربية والاسلامية والعالمية الاهتمام بهذه البرامج العالمية في الدفاع عن هوية وثقافة الشعب الفلسطيني التي تواجه المحو والتحريف والتزييف.

     ويبقى السؤال المشروع الى متى ستظل اسرائيل فوق القانون والشرعية الدولية، والى متى ستبقى الامم المتحدة وقراراتها ومناسباتها عاجزة عن تحقيق السلام والحقوق الاساسية بما فيها حق التعليم  للشعب الفلسطيني؟

9/11/2022

Comments are disabled.