القطار الهوائي تغيير مرفوض دولياً لهوية القدس العربية

عبد الله توفيق كنعان/ أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

        تمثل السياسة الاستيطانية التوسعية الاسرائيلية التي تخالف الشرعية والقرارات الدولية، حلقة مهمة من حلقات ومخططات تهويد مدينة القدس القائمة على الاعتداء على الانسان والشجر والحجر والارض وكل ما هو غير يهودي صهيوني، ويلاحظ أن السرطان الاستيطاني يرتبط باجراءات وممارسات متعددة، تعتمد في مضامينها على عمليات انشاء مستوطنات جديدة، وتسمين وتوسيع أخرى قائمة، اضافة إلى مشاريع خطيرة تتمثل في بناء الكُنس وملحقاتها من القاعات والمتاحف التلمودية ومرافق الخدمات على الاراضي الوقفية الاسلامية والمسيحية المصادرة بادعاء كاذب حول ملكية الشركات الاستيطانية والمستوطنين لها، والأخطر من ذلك هو اقامة شوارع ابرتهايد لربط المستوطنات مع بعضها البعض وخنق المدن والقرى الفلسطينية بشوارع التفافية تعيق حركتهم وانتقالهم واتصالهم مع التجمعات الفلسطينية الأخرى، وجميع ذلك يساهم في استبعاد امكانية حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م .

 ويعتبر مشروع القطار الهوائي ( التلفريك) في مدينة القدس المحتلة من المشاريع الاستيطانية الخطيرة، والذي صادقت عليه محكمة الاحتلال العليا برفضها الدعاوى التي رفعها ضد المشروع أهالي  حي سلوان، وأصحاب متاجر في البلدة القديمة، ومنظمات مثل مجتمع اليهودية القرائية، ومجموعة الآثار”عيمق شڤيه” الإسرائيلية، والمنظمة البيئية “آدم تيفا فدين، وسابقاً كان قد أقره المجلس الوزاري للإسكان الإسرائيلي عام 2019م، وبقيمة مالية تقدر بنحو ما بين 50-54 مليون دولاراً، ضمن خطة شاملة لما يُسمى بمشروع الحوض المقدس والذي يتطلع الاحتلال إلى تنفيذه والانتهاء منه مع حزمة أخرى من المشاريع الاستيطانية خلال المدة (2020-2030)، ويهدف مشروع التلفريك إلى ربط شرقي القدس بغربها، من خلال توفير خدمة نقل 3000 شخص في الساعة الواحدة يصلون وجهتهم في حدود أربع دقائق فقط، ومن المعلوم أن الأهداف الاستيطانية لهذا المشروع تأتي في سياق دعم الحكومة الإسرائيلية للشركات الاستيطانية ومنها جمعية (العاد) الاستيطانية التي غالباً ما يحال اليها عطاءات معظم مشاريع الاستيطان في القدس وكامل فلسطين المحتلة، حيث تنشط في هدم العقارات العربية وتدميرها بما فيها المقابر الاسلامية حول المسجد الاقصى المبارك، وذريعة اسرائيل وحجتها الواهنة والمخادعة هي بأن هذا المشروع يأتي لتوفير وسيلة آمنة وسريعة لنقل السياح والمصلين باتجاه حائط البراق وساحات المسجد الأقصى المبارك، ولكن الحقيقة أن ضغط الجمعيات التوراتية (منظمات وجمعيات الهيكل المتطرفة) ومطالبها المتكررة باقتحام المسجد الاقصى المبارك تدفع الحكومة الاسرائيلية لمثل هذه المشاريع، ولا يخفى على أحد تأثيرهم على سير الانتخابات الاسرائيلية في الكنيست وبلدية القدس المحتلة ونشاطهم في  الاحزاب الاسرائيلية واللوبيات الصهيونية داخل وخارج اسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال).

 ان اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد بأن هذا المشروع الاستيطاني، كما هو حال الاستيطان نفسه يعارض جميع قرارات هيئة الأمم المتحدة ومنها قرار مجلس الأمن رقم (2334/2016م)، وكل المنظمات التابعة لها بما فيها منظمة اليونسكو، حيث حذرت القرارات الشرعية وطلبت من اسرائيل عدم المساس بالوضع التاريخي القائم ( الاستاتيسكو)، واعتبرت أن أي تغيير في واقع مدينة القدس المحتلة أمراً مرفوضاً ويجب التوقف عنه فوراً، كما نلاحظ أن هناك معارضة واسعة من جمعيات البيئة والثقافة والسياحة العالمية وبعض المهتمين العالميين، ومنهم اسرائيليون يرون في مشروع التلفريك تعدّياً على معالم وجمالية وطبيعة المدينة وهويتها العربية التاريخية، وهو اعتداء سافر على مدينة القدس المحتلة، ومعالمها وخصائصها الثقافية والتاريخية والجغرافية والروحية الاسلامية والمسيحية، ومحاولة لفصل روح المكان والمنظر الثقافي العام عن أرض مدينة القدس، والسعي من أجل اضفاء الصبغة اليهودية الصهيونية المزعومة على المكان، في محاولة لتغيير المنظر العام للمدينة المباركة وتاريخها العربي العريق بما في ذلك الأفق الذي يعلوها.

    وتلفت اللجنة الملكية لشؤون القدس انتباه الرأي العام والاعلام بأن لهذا المشروع آثارا اقتصادية سلبية كبيرة على المجتمع الفلسطيني، بسبب عدم استفادة القطاعات والخدمات الاقتصادية والتجارية التي يوفرها المقدسيون في مدينة القدس من  الواردات المالية المتأتية من السياح وكل من يمر بهم، خاصة انهم يعيشون اليوم ضائقة اقتصادية بسبب اجراءات الاحتلال ضدهم، كما يفوت هذا القطار على السياح فرصة المرور بالمعالم والمواقع التراثية والتاريخية والثقافية والاقتصادية عبر الطرقات في محيط المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمدينة المقدسة، الأمر الذي يعزز نشر الثقافة المقدسية وينشرها للرأي العام الغربي، والذي تهدف اسرائيل إلى حجبها عنهم، بل وتضليله بالترويج لروايتها التوراتية الكاذبة، من خلال استبدال الطرق التاريخية المعتادة بالتلفريك، ولا شك أن المسلسل الإسرائيلي اليومي بشكل عام من الانتهاكات والإجراءات التهويدية في مدينة  القدس المحتلة، دليل قاطع على أن الفهم الإسرائيلي اليميني للسلام لا يضع أبداً ضمن أولوياته الحفاظ على الوضع التاريخي القائم، الذي يوفر حق احترام المواقع الدينية وما يتصل بها من شعائر أبسط مقوماتها الشعور بالأمان لدى من يؤديها من المسلمين والمسيحيين على حد سواء والحفاظ على تراثها الإنساني الأصيل.

   إن اللجنة الملكية لشؤون القدس وهي ترصد بقلق جرائم وانتهاكات إسرائيل على أهلنا في القدس وفلسطين المحتلة وعلى تراث المدينة المقدسة، لتؤكد دعوتها المستمرة لجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والدول الكبرى المنادية بالحرية والسلام والديمقراطية، والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بوجه خاص بالتصدي لمخاطر هذا القطار وايقاف تنفيذه، وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية خاصة تلك القرارات التي تؤكد ملكية المسلمين وحدهم للمسجد الأقصى المبارك/ الحرم القدسي الشريف وعدم وجود أي علاقة لليهود به، وعدم جواز تغيير أية معالم للمدينة المقدسة، وترفض كل محاولات التزييف والخداع الإسرائيلي للحقائق، خاصة أن القرار الأخير لليونسكو 2022م، طالب إسرائيل بتنفيذ أكثر من 18 قراراً صادراً عن اللجنة التنفيذية لليونسكو و11 قراراً للجنة التراث العالمي، والتي تشمل تعيين مُمثل دائم للمديرة العامة لليونسكو في البلدة القديمة للقدس لرصد الإجراءات كافة ضمن اختصاصات المنظمة، وإرسال بعثة الرصد التفاعلي من اليونسكو إلى القدس لرصد جميع الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل( السلطة القائمة بالاحتلال)، واحترام اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي لعام 1972م، غير أن  المساعي الاسرائيلية تتجه لتهويد واسرلة وعبرنة مدينة القدس في كافة المحاور، فمن تحت الأرض عبر الأنفاق والحفريات المزورة، وفوق الأرض عبر المستوطنات والكُنس، وفي الجو عبر القطار الهوائي.

  إن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد أن الموقف الأردني شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ثابت وراسخ في دعم الاهل في القدس وفلسطين المحتلة وتعزيز صمودهم وهويتهم الحضارية التاريخية مهما كان الثمن وبلغت التضحيات، بما في ذلك المطالبة بتحرك دولي عاجل لحماية المدينة المقدسة وهويتها الدينية والثقافية العالمية التي تشكل عقيدة لاكثر من ملياري مسلم ومليارات المسيحيين في العالم، تستفز مشاعرهم الممارسات الاسرائيلية اليومية، اضافة الى أن هذا المشروع يشكل خطورة على مدينة القدس تتمثل في تشويه جماليتها وهويتها وتراثها الإنساني، ولا يجوز أن تقف الجمعية العامة ومجلس الأمن ومنظمة اليونسكو والدول الكبرى متفرجة على هذا الانتهاك الخطير الذي يهدد آمال السلام المنشود، خاصة مع عدم ايلاء إسرائيل “السلطة القائمة بالاحتلال” أهمية للقيم والتاريخ والتراث والثقافة الانسانية، وأن جُل همها هو إقامة مشاريع التهويد وإلغاء هوية المدينة المقدسة وتراثها الحضاري، والسعي لترسيخ الزعم بأن القدس المحتلة هي عاصمة لاسرائيل، لذا فقد آن الأوان لإسرائيل أن تعلم بأن القوة والعنجهية وعقلية الغاب لن تحقق لها الأمن والاستقرار الذي تنشده حسب زعمها، كما ينعكس ذلك على الامن والسلام والاستقرار في المنطقة خاصة والعالم عامة، الذي تعاني فيه الشعوب الكثير من ويلات الاضطرابات والحروب التي يجب أن تتوقف.

Comments are disabled.