القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس في السياسة والضمير الكويتي

عبد الله توفيق كنعان*

إن الحضور الدائم للقضية الفلسطينية وجوهرتها القدس في السياسة والوجدان العربي والاسلامي والعالمي الحر، يشكل دلالة على عدالة القضية وعلى وحدة الموقف القومي العربي والاسلامي في دفاعه ونضاله لاجل فلسطين والقدس وحق أهلها في الحفاظ على هويتهم وتقرير مصيرهم بما في ذلك اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967م، فالقدس بوصلتنا جميعاً نعمل لاجلها دائماً، فلا مناسبة أو نشاط عربي الا فلسطين والقدس عنوانها، فالمؤتمرات واللقاءات وحتى الانشطة والفعاليات الرياضية والثقافية والمناسبات الوطنية والقومية تجد نُصرة ودعم فلسطين والقدس اهلها ومقدساتها في صدارتها وملفها الابرز.

فقد تلقيت قبل أيام دعوة كريمة من سفارة دولة الكويت لحضور حفل بمناسبة العيد الوطني لدولة الكويت الشقيقة حفظ الله أميرها وأرضها وأهلها من كل سوء ومكروه، ورغبت أن استذكر مع القراء الكرام بعض المحطات التاريخية في سياق حرص الكويت ممثلة بأمرائها وحكومتها وبرلمانها وشعبها، على مساندة القضية الفلسطينية ومن هذه المحطات ، توجيه حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر رحمه الله عام 1937م برقية الى وزير المستعمرات البريطاني في لندن آنذاك يلفت نظره فيها الى خطورة التقسيم الذي تنوي بريطانيا اعتماده وتبنيه في فلسطين المحتلة، ( حيث جاء التقسيم بناء على توصيات اللجنة الملكية البريطانية ( لجنة بيل التي تشكلت عام 1936) وأشارت في أواخر حزيران 1937 إلى أنها توصي بتقسيم فلسطين إلى ثلاث أقاليم : هي اقليم عربي واقليم تحت انتداب بريطانيا وهو القدس واقليم يهودي مزعوم، ورداً على تقرير «بيل» الذي دعا إلى تقسيم فلسطين شكل الشباب الكويتي عام 1937 لجنة تحمل اسم “شباب الكويت”، ولوعيها السياسي أرسلت برقيات ورسائل احتجاج لمجلس العموم البريطاني وعصبة الأمم ووزير المستعمرات والمقيم البريطاني آنذاك في الكويت.

وضمن التنسيق والتعاون بين الاردن والكويت الشقيق تمّ انشاء المعهد العربي في القدس عام 1958م، وقد وضع حجر الاساس عام 1966م برعاية المغفور له الملك الحسين بن طلال وبرعاية المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح ، هذا التنسيق المهم يعتبر نموذجاً للعمل والاستراتيجية العربية المشتركة .

ولاحقاً استمر الدعم السياسي الكويتي للشعب الفلسطيني من خلال سماح الكويت وكأول دول عربية عام 1964م للفلسطينيين بمن فيهم المقدسيين المقيمين على ارضها للتصويت في انتخابات أول مجلس وطني فلسطيني، كما نشأت في الكويت عام 1965م مؤسسة الاسرى والشهداء الفلسطينيين بمن فيهم المقدسيون، يقدم لها الدعم من حكومة وابناء الشعب الكويتي، يضاف الى ذلك أن الخطوط الجوية الكويتية وفي خطوة مهمة منذ ستينيات القرن العشرين كانت تقوم برحلات جوية منتظمة الى مدينة القدس ، حيث سافر الشيخ صباح السالم الصباح والشيخ عبد الله الجابر الصباح رحمهما الله عبر الخطوط الكويتية للصلاة في المسجد الاقصى المبارك لتأكيد اسلاميته ومكانته في الصدور، وفي اطار النضال في الحروب العربية ضد الاحتلال الاسرائيلي صدر مرسوم عن الشيخ صباح السالم الصباح رحمه الله بتاريخ 1967م يعلن فيه عن قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة، وقد شاركت الوية وكتائب كويتية شجاعة عديدة في الحروب العربية ضد اسرائيل وبرز من هذه الالوية الكويتية ( لواء اليرموك، وقوة الجهراء).

وعلى اثر حركة التهجير القسري الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني وفي عملية تطهير عرقي وابرتهايد بشعة، وانطلاقاً من واجب التعاضد العربي استقبلت دولة الكويت وبكل رحابة صدر النازحين الفلسطينيين على اثر حرب عام 1967م وقد بلغ عدد الفلسطينيين في الكويت منتصف العقد السابع من القرن العشرين ( 1975م) وحسب الدراسات حوالي ( 204) الف نسمة ، ليزيد عددهم لاحقا وتحديدا عام 1990م الى حوالي نصف مليون فلسطيني، كما اسس أول فرع لمكتب الهلال الاحمر الفلسطيني في دولة الكويت عام 1968م.

واستمر الدور الكويتي في العقود التالية ومن ذلك تبرع الكويت عام 1970 بمبالغ مالية لغاية المساهمة في تدريس الطلبة الفلسطينيين في دول العالم الاسلامي، كما تبرعت أيضاً عام 1973م بمبلغ مالي يزيد عن مائة مليون دولار لجمعية الهلال الاحمر الفلسطيني .

ولأن ديمومة الدعم ومأسسته مهمة فقد قامت الكويت بتأسيس صندوق القدس في الكويت عام 1980م، والذي اقيم لدعم ابناء القدس والجالية المقدسية في الكويت ، وتأسس بيت الزكاة الكويتي عام 1982م، ومنذ تلك اللحظة التي شكل فيها جعل من اولوياته تقديم الدعم للشعب الفلسطيني حيث قدم اكثر من 7 مليون دولار، بما فيها ترميم المنازل واقامة المشاريع الصحية والخدمات الاجتماعية وكفالة اكثر من 1500 يتيماً فلسطينياً ومشاريع الاضاحي وافطار الصائمين في القدس.

وعلى صعيد دعم المرأة والطفل وهي الاطراف الاكثر تعرضاً للاضطهاد والخطر في الازمات خاصة ما تشنه اسرائيل ( السلطة القائمة بالاحتلال) من اعتداءات وحشية على الشعب الفلسطيني فقد تشكلت لجنة المرأة والطفل في الاراضي الفلسطينية عام 1987م، وكان مقرها دولة الكويت، حيث قدم لها الدعم من الحكومة والشعب الكويتي وتنشط في مساندة الشعب الفلسطيني بمن فيهم المقدسيين.

وضمن هذه الجهود تبرعت الكويت أيضاً ما بين عام 1980 وعام 1990م بمبالغ مالية الى مستشفيات القدس مثل مستشفى سانت جون للعيون بالقدس ، ومستشفى المقاصد الخيرية الاسلامية وما تزال التبرعات تقدم لها حتى اليوم، وعلى صعيد المؤتمرات العربية استمر الدعم السياسي والدبلوماسي الكويتي للشعب الفلسطيني من خلال القمم العربية، اذ وقفت الكويت بشكل حازم لدعم الموقف العربي الرافض للسياسة الاسرائيلية ودعمت جميع قرارات هذه القمم، كما ساهمت في تقديم دعم مالي لها ومن ذلك مبلغ 124 مليون دولار خلال قمة الجزائر عام 2005م واستمرت هذه المواقف في القمم العربية اللاحقة، وعلى صعيد الجهود الدولية المساندة للشعب الفلسطيني قدمت الكويت خلال مؤتمر الدول المانحة لدعم السلطة الفلسطينية المنعقد في العاصمة الفرنسية باريس عام 2007م، دعما ماليا مقداره 300 مليون دولار.

وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني عقدت منظمة ( BDS) ندوة في الكويت بعنوان ( القدس عنوان الامة) بتاريخ 2017م، وعلى الصعيد الثقافي قدمت دولة الكويت الشقيقة من خلال الصحافة والاذاعة والتلفزيون وكافة وسائل الاعلام دورا اعلاميا توعويا مهما للقضية الفلسطينية وجوهرتها القدس، وفي هذا الاطار وتقديرا لهذه الجهود فازت الكويت في مهرجان القاهرة الاذاعي عام 2001م بجائزة القدس عن برنامجها ( القدس لنا).

واقيم ايضاً عام 2017م مؤتمرا دوليا لفضح الممارسات الاسرائيلية وبيان اثر الاحتلال على زيادة معاناة الطفل الفلسطيني، وعام 2018م أُقيم معرض الكويت الدولي للكتاب ، بعنوان ( القدس عاصمة ابدية لفلسطين)، قبل أيام شارك وفد حكومي كويتي في اعمال مؤتمر القاهرة ( القدس صمود وتنمية) للتأكيد على موقف الكويت ومساندتها الدائمة للشعب الفلسطيني، وانا على يقين كغيري من ابناء أمتنا أن الكويت ستبقى على عهدها الداعم الازلي للقضايا والهموم العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ودرتها مدينة القدس المحتلة.

ان ما اريد تاكيده بعد هذا الاستعراض السريع بأن دولة الكويت كما هي المواقف العربية من المحيط الى الخليج همّها وبوصلتها فلسطين والقدس، واؤكد بأن الاردن شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس ستبقى الداعم والسند والدرع الذي يدافع عن القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية، خاصة مع ما نشاهده والعالم الحر من سياسة يمينية متشددة تقوم بها حكومة الاحزاب الصهيونية برئاسة نتنياهو ضد القدس وفلسطين بهدف تهويدها واسرلتها وتهجير اهلها منها، واذ ابارك للكويت أميراً وحكومة وبرلماناً وشعباً بعيدهم الوطني لادعو الله أن يديم عليهم التوفيق والنجاح والخير والسعادة والرفاه والتقدم والازدهار، وانني على يقين وثقة دائمة بأن العلاقات الأخوية المتينة بين البلدين الشقيقين، والتي عززتها الدبلوماسية والتوجيهات الحكيمة التي قادها جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين مع أخيه سمو الشيخ نواف الأحمد جابر الصباح حفظهما الله، ووثقتها أواصر المحبة بين الشعبين، ستدافع عن فلسطين والقدس وكافة الحقوق والمصالح العربية والاسلامية والانسانية العادلة على الدوام.

*أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

الغد 23/2/2023

Comments are disabled.