القدس تستقبل عامها الجديد  بقيود الاحتلال والتهويد

عبدالله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

    تستقبل عادة المجتمعات البشرية أعوامها الجديدة بنظرة تفاؤل وبخطط تنموية واستراتيجيات شاملة تهدف إلى رفع معدلات انتاجها، وتسعى نحو تحقيق مستوى أعلى من رفاهية شعوبها، ولكن هذه العادة والنهج المدني لا ينطبق على مدينة القدس المحتلة، لأن الاستعمار الاسرائيلي وقيود سلطة الاحتلال تجعل الحصول على الحد الادني من الحقوق المتصلة بالحرية والكرامة الانسانية وحق تقرير المصير والعبادة والتعليم والصحة و الخدمات الاساسية أمراً غير متاح  في ظل الاجراءات والممارسات العدوانية الاسرائيلية التي   تناقض وبعنجهية قرارات الشرعية الدولية الأمر الذي يحتاج لارادة دولية حقيقية لالزامها بالتقيد بالقرارات والاعراف الدولية المجمع عليها.

   إن الاحصائيات والارقام المتعلقة بجرائم وانتهاكات الاحتلال والتي يغلب عليها الزيادة المتسارعة في ايجاد واقع مرير في كافة مناحي الحياة ، كما تعكس واقع الالم والمعاناة والظلم في فلسطين المحتلة بشكل عام والقدس بشكل خاص، فقد بلغ عدد شهداء في فلسطين عام 2022م حوالي 230 شهيداً والمصابين حوالي 9335  مواطناً فلسطينياً أصيبوا خلال الاقتحامات والهجمات الاسرائيلية، وبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، نحو 4760 أسيراً بمن فيهم الاسرى الاداريين من الشيوخ والنساء والأطفال الذين زاد عددهم عن 800 اسيراً يقبعون في السجون دون تهمة أو محاكمة قانونية يضاف لهم اكثر من 600 طفل طبقت عليهم سياسة الحبس المنزلي، وجميعهم يعيشون في السجون ظروفاً سيئة تنعدم فيها أبسط الحقوق ويواجهون مساعي الحكومة الاسرائيلية والكنيست اقرار قانون ابرتهايد جديد يعرف بقانون “اعدام الاسرى”، كما يحتجز الاحتلال أكثر من  370 جثماناً للشهداء من بينهم 11 شهيداً من الاسرى في ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام، وبشكل يتجاوز كل القوانين والاخلاق البشرية، كما هدم الاحتلال حولي 833 منزلاً وعقاراً واقتلع حوالي 13130 شجرة زيتون في فلسطين المحتلة ومنها مدينة القدس، يضاف الى ذلك تزايد أعداد المقتحمين من المستوطنين للمسجد الاقصى المبارك الذين يقودهم في معظم الأحيان حاخامات وقيادات سياسية ويتم ذلك وبحماية شرطة الاحتلال إضافة الى ما يهدد المسجد من الحفريات حوله وأسفل منه وفي آفق وسماء المدينة التلفريك ، وبخصوص سرطان الاستيطان فقد صادقت الحكومة الاسرائيلية على حوالي 116 مخططاً استيطانياً، إضافة الى تهديدها عدداً من الاحياء المقدسية مثل حي الشيخ جراح وبلدة سلوان التي قام المستوطنون وبقوة السلاح وعشية اعياد الميلاد المجيدة بالاستيلاء على 8 دونمات من أراضي وادي حلوة، وإمعاناً في حجب الحقائق والاخبار قامت اسرائيل بالتضييق على المنظمات الحقوقية الدولية اغتالت عدداً من الصحفيين ومنهم الصحفية شيرين أبو عاقلة، كما سارعت حكومة الاحتلال بفرض القوانين العنصرية لتسهيل وشرعنة مصادرة الاراضي والسيطرة على الممتلكات فيما يسمى اليوم  تسوية الممتلكات والعقارات في مدينة القدس، كذلك العمل على وضع قيود لاقامة الفلسطينيين في القدس وسحب هويات العديد منهم في محاولة احلالية لتغيير الواقع الديمغرافي في القدس.

   وأمام هذه الهجمة الاسرائيلية الوحشية خلال العام الفائت  والتي ما تزال مستمرة حتى اللحظة، فإننا أيضاً نطالع مئات القرارات الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية ومنها القدس تحتاج لارادة دولية من أجل تطبيقها بما في ذلك تفعيل البند السابع من ميثاق هيئة الامم المتحدة الذي يندرج تحته ضرورة استخدام كافة الامكانيات والوسائل لتحقيق الامن والسلام العالميين، ومن هذه القرارات الصادرة العام الفائت قرار اللجنة الرابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/11/2022م، وهي اللجنة الخاصة بالمسائل السياسية وإنهاء الاستعمار، التصويت لصالح قرار تطلب فيه فلسطين طلب فتوى قانونية، ورأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول ماهية وجود الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي في أرض دولة فلسطين بما فيها القدس الشرقية، كما اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة بتاريخ 15/12/2022م، قراراً يتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولكن ما نشاهده اليوم من ظاهرة الكيل بمكيالين في الدبلوماسية الدولية وموقف العالم من الحرب الروسية الاوكرانية وما ترتب عليها من عقوبات وخطوات وفي ظل غياب التعاطي الجدي مع ملف القضية الفلسطينة، يزيد من قناعة محبي السلام والشرعية الدولية بان اسرائيل ومن يدعمها من اللوبي الصهيوني بعيدة عن العقاب اسوة بغيرها ممن خالف الشرعية والقانون الدولي والامثلة كثيرة.

  وبخصوص الموقف الاردني شعباً وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، فهو راسخ وثابت يتمسك بالشرعية الدولية والمبادرات والمطالبات العربية بالسلام العادل وفق قرارات الامم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات المتضمنة حل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية، وفي سياق جهوده المتواصلة والمستمرة تجاه القدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية فقد خصص الاردن في موازنة عام 2023م  مبلغ 14 مليون دينار لبرنامج اوقاف القدس، كما وشح جلالة الملك عبد الله الثاني بحضور الرئيس محمود عباس حجة وقفية المصطفى لختم القرآن الكريم في المسجد الاقصى المبارك، وقد حرص جلالته في كل وقت ومناسبة وفي كافة المحافل الدولية على بيان الثوابت والركائز الاردنية تجاه فلسطين والقدس، ففي خطاب جلالته في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للامم المتحدة عام 2022م قال فيما يخص القدس :” فنحن ملتزمون بالحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم فيها، وحماية أمن ومستقبل هذه الأماكن المقدسة. وكقائد مسلم، دعوني أؤكد لكم بوضوح أننا ملتزمون بالدفاع عن الحقوق والتراث الأصيل والهوية التاريخية للمسيحيين في منطقتنا، وخاصة في القدس، اليوم المسيحية في المدينة المقدسة معرضة للخطر، وحقوق الكنائس في القدس مهددة، وهذا لا يمكن أن يستمر، فالمسيحية جزء لا يتجزأ من ماضي منطقتنا والأراضي المقدسة وحاضرها، ويجب أن تبقى جزءا أساسياً من مستقبلنا“.

إن اللجنة الملكية لشؤون القدس وهي ترصد أخبار وواقع القدس لحظة بلحظة، تؤكد أن انتهاكات وجرائم الاحتلال خلال العام الفائت مؤشر خطير على حقوق اهلها وهويتهم الحضارية العربية التاريخية، والوقوف عندها من الاعلام العالمي والمنظمات الدولية دون بيان تداعياتها واتخاذ كل ما يلزم لردع حكومة اسرائيل يجعل العام القادم ومستقبل المدينة في نفس دائرة الخطر، خاصة أن ممارسات المستوطنين وبدعم من حكومة وشرطة الاحتلال تزداد حدتها في ظل الحكومة اليمينية المتطرفة الجديدة، بما في ذلك هجماتهم ضد المدنيين العزل والاعتداء على البيوت والاحياء ، مستندين في تصرفاتهم على افرازهم لحكومة اسرائيلية جديدة تظهر عليها ملامح سيطرة الاحزاب الدينية الصهيونية التي من المتوقع ادارتها لحقائب ابرز وزاراتها، الأمر الذي يعني زيادة الاستيطان والاقتحامات وتشريع القوانين العنصرية.

وترى اللجنة الملكية لشؤون القدس ومن خلال متابعة سلوك المستوطنين خاصة استغلالهم للاعياد الدينية اليهودية بما فيها المتزامنة مع الاعياد الاسلامية والمسيحية أن العام القادم سيشهد وبحسب المؤشرات الميدانية المطردة والسياسة المنحازة لاسرائيل مزيداً من الظلم والاضطهاد للشعب الفلسطيني المستعمر، لذا فاننا ونحن نستقبل العام الميلادي الجديد وفي غمرة الاحتفال بميلاد السيد المسيح عليه السلام نؤكد ضرورة تكثيف العالم ممثلاً بالمنظمات الدولية والقيادات السياسية المؤثرة دوره في الزام اسرائيل بالشرعية الدولية والعمل الفوري على وقف نزيف الدم الفلسطيني والمقدسي وحمايته أمام الة القتل الاسرائيلية، لذا فإن المخاطر والتهديدات الصهيونية تتطلب وحدة الصف الفلسطيني والعربي والاسلامي مدعوماً بتأييد أحرار العالم لمجابهة الخطر وتجاوزه حتى ينال الشعب الفلسطيني حريته ويقيم دولته على ترابه الوطني، وتؤكد اللجنة أن الاردن شعباً وقيادة سيبقى كل لحظة ويوم وعام مسانداً وداعماً للاهل في فلسطين والقدس مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

1/1/2023

Comments are disabled.