منذ ان احتلت اسرائيل الشطر الشرقي من القدس وهي تعمل جاهدة وبكل الوسائل غير المشروعة على تغيير معالمها الحضارية والتاريخية والأثرية والديمغرافية والدينية وتهويدها بما يكرس احتلالها للمدينة واغتصابها والاحتفاظ بها عاصمة موحدة وأبدية. ولكن اسرائيل تدرك جيداً ان كل محاولات طمس الهوية العربية الاسلامية للمدينة المقدسة ووضع العرب والمسلمين والعالم مجتمعات ومحافل دولية امام سياسة الامر الواقع لم ولن تفلح طالما ظل الحرم القدسي والمسجد الأقصى وقبة الصخرة والمعالم الاسلامية والمسيحية شاخصة للعيان. لذا فليس غريباً ان تنتبه اسرائيل مبكراً الى أهمية المقدسات الاسلامية والمسيحية وبخاصة الأقصى المبارك وقبة الصخرة وكنيسة القيامة في تثبيت الهوية العربية الاسلامية للقدس وفلسطين وحتمية انسحاب اسرائيل من الاراضي العربية المحتلة ابتداءاً من القدس. لذا تركزت مخططات اسرائيل الاستعمارية العدوانية التوسعية الاستيطانية الاحلالية على القدس وضواحيها مستهدفة بالدرجة الأساس تدمير المسجد الأقصى المبارك تارة باشعال الحريق فيه كما في 21/8/1968م، وبأعمال الحفريات المستدامة تحت اركانه والتي ادت الى انهيارات متعددة من تحته وحوله وتصدعات وتشققات في بعض جدرانه كالانهيار الذي وقع فجر يوم الأحد الماضي في 15/2/2004م في جزء من الطريق المؤدي الى باب المغاربة أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى المبارك. ذلك الانهيار الذي يريد بعض علماء الآثار الاسرائيليون استغلاله بالبحث عن ما يسمونه بوابة بيركلي التي يزعمون بوجودها تحت بوابة المغاربة.

واذا كانت الفعاليات الشعبية والمدنية وشبه الرسمية الناشطة في مجال القدس ومنها اللجنة الملكية لشؤون القدس لا تملك سوى ان تعبر عن مواقفها بالبيانات والتصريحات الصحافية تشجب فيها وتندد وتطالب بموقف عربي ودولي يلجم اسرائيل ويلزمها بالامتثال لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالقضية الفلسطينية والقدس وما يسمى بصراع الشرق الأوسط، فانه لا يجوز للدول العربية وجامعتها والدول الاسلامية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وللعالم بدوله المختلفة ومؤسسة الشرعية الدولية وهيئة الأمم المتحدة والمنظمات الاقليمية المتعددة على اختلاف اشكالها ومهامها ان تقف مكتوفة الأيدي امام اصرار اسرائيل على تحدي المجتمع الدولي وارادته وقراراته التي ظلت حبراً على ورق بفعل التعنت الاسرائيلي وسياسة المعايير المزدوجة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والحماية التي توفرها امنياً وسياسياً لاسرائيل والعجز العربي واللاابالية الدولية. الم يئن الأوان حرصاً على تحقيق السلام الذي تدعي القوى العظمى سعيها اليه لتوحيد معايير السلوك الدولي ان تعاد القضية الى مجلس الامن ليقرر انسحاب اسرائيل من الأرضي العربية المحتلة كافة وفي مقدمتها القدس دونما قيد او شرط ضمن اطار زمني محدد ليمكن الشعب العربي الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة ذات السيادة الناجزة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس، ووضع اسرائيل امام خيارين لا ثالث لهما : اما الانسحاب ضمن الاطار الزمني المحدد من الأراضي العربية كافة امتثالاً لقرارات الشرعية الدولية، او مواجهة خيار فرض الانسحاب عليها بالقوة بما في ذلك القوة العسكرية؟

فالسلام لا يتحقق بفرض مناهج تعليمية على الدول العربية والاسلامية تشرع الاحتلال، كما لا يمكن فرضه بالقوة والاغتصاب، السلام يتحقق بتوحيد معايير السلوك الدولي في مسائل الصراعات والاحتلالات دونما تمييز بين دولة وأخرى وبين طرف وآخر. والا فان شريعة الغاب ستبقى الفيصل والأيام دول. فهل لنا ان نأمل بموقف عربي اسلامي ودولي مؤسس للسلام بدءاً بالزام اسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة ابتداءاً بالقدس.

عبد الله كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

18/2/2004م