بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية نستذكر حرب التهويد والعبرنة الإسرائيلية

                                                                    عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

  أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 كانون الاول/ ديسمبر عام 1973م، قراراها المتضمن إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها الرئيسية، واعتبر هذا التاريخ يوما عالمياً للغة العربية، وبالرغم من هذا التقدير العالمي للغة الفكر والحضارة التي أفادت العالم ونقلت له الكثير من مبادىء ونظريات ونتائج العلوم والمعارف التي ساهمت في النهضة الحضارية المعاصرة، إلا أنها وللاسف تواجه الكثير من التحديات وفي مقدمتها حرب التهويد الاسرائيلية ضدها، بهدف محو وطمس الهوية العربية في فلسطين والقدس.

     تمارس اسرائيل ( السلطة القائمة بالاحتلال) منهجاً تهويدياً ضد فلسطين المحتلة شعباً وارضاً وثقافة ومقدسات، ولان اللغة العربية ركيزة مهمة في هوية وثقافة الشعب الفلسطيني، ورمز ووسيلة نضال وصمود يدافع بها أهلنا في فلسطين عن تاريخهم وعروبتهم ووجودهم الحضاري، فقد أصبحت ضمن دائرة الاستهداف الاسرائيلي من خلال سلسلة من الاجراءات العنصرية المتمثلة بقيام الوكالة اليهودية عام 1922م بتشكيل لجنة لاطلاق الاسماء العبرية الصهيونية على المستعمرات، تبعها تشكيل ما يسمى  (اللجنة الحكومية للاسماء) في عام 1948م، تضم في عضويتها باحثين في التاريخ والجغرافيا والاثار من الاسرائيليين مهمتها دراسة الاسماء العربية الفلسطينية، ووضع بدائل عبرية عنها تتصل باساطير تلمودية وشخصيات صهيونية، الامر الذي نتج عنه تغيير الكثير من اسماء الشوارع والمعالم والمواقع العربية والاسلامية،  بهدف محو اسماءها العربية الاصيلة من الذاكرة ففي عام 2015م أقرت بلدية الاحتلال في القدس قائمة تضم 800 اسم عبري لتكون بديلاً عن الاسماء العربية، والى جانب ذلك تواجه المؤسسات الفلسطينية الثقافية سياسة الاغلاق والمصادرة، اضافة الى الحرب العنصرية المستمرة ضد التعليم في القدس وفلسطين وعرقلة تنقل الطلبة والمعلمين  من خلال الحواجز والتضييق الشامل عليهم، إلى جانب تحريف المنهاج الفلسطيني والعمل على اجبار المدارس الفلسطينية تدريس المنهاج الاسرائيلي، وربط الموافقة على ذلك بدعمها للمؤسسات التعليمية  التي تواجه ضائقة مالية شديدة بسبب جملة الاجراءات الاسرائيلية، ومن الناحية السياسية المساندة للتهويد فقد اصدرت اسرائيل عام 2018م ما يسمى بقانون الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي أعلن ان اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدولة وان اللغة العربية التي كانت سابقا لغة رسمية الى جانب العبرية يقتصر العمل بها وفق قانون خاص.

   ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية تذكر المنظمات العالمية بما فيها الجمعية العامة التي اصدرت قراراها باستخدام اللغة العربية في مقرها ومنظمة اليونسكو التي من اولى مهامها حماية الثقافة ورموزها، بواجبها كمنظمات دولية قانونية وشرعية تجاه حرب التهويد والعبرنة الاسرائيلية، خاصة أن هذه الهجمة على اللغة العربية مقترنة بالقضاء على الانسان العربي الفلسطيني وتاريخه ومقدساته الاسلامية والمسيحية،  الامر الذي يلزم الارادة الدولية ممارسة شرعيتها وضغوطها على الاحتلال الاسرائيلي من اجل وقف عدوانه واحتلاله والالتزام بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بما فيها القدس.

وتؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس أن مناسبة اليوم العالمي للغة العربية يجب ان تكون دافعاً لكل الشعوب الناطقة بالعربية وكل الاحرار المهتمين بالثقافات الانسانية مساندة الشعب الفلسطيني في حماية وجوده وتاريخه ولغته، وذلك من خلال اتباع نهج شامل يتضمن التاليف والتوثيق عن فلسطين والقدس وثقافتها وحضارتها وتاريخها، وحتى يكون هذا النهج فعالاً يجب أن ينطلق من استراتجية قومية، هدفها كما اشار صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال (في رعاية سموه الاحتفال الذي اقامه مجمع اللغة العربية الاردني بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية يوم الاثنين 18 / 12 /2023م ) على”تعزيز اللغة العربية ونشرها والحفاظ عليها، يضعها ويشرف على صياغتها هيئة حكماء”،  خاصة أن اللغة كما بين سموه هي  عامل أساسي في ” تحفيز مفهوم الوطنية الجامعة والقواسم المشتركة”،  وبنفس السياق جاءت دعوة سموه الى “الاهتمام بلغة الإعلام والسعي لزيادة المحتوى العربي على الانترنت “، ومن المعلوم ان ذلك خطوة مهمة في فضح جرائم اسرائيل ووضع الراي العام بما تمارسه من تطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني، كذلك تعزز هذه المنطلقات المهتمة باللغة العربية من سبل  وحدة الامة لمواجهة المخاطر وفي مقدمتها الاحتلال الاسرائيلي، كما ينبغي على الجميع دعم المؤسسات التعليمية والتربوية والعلمية العاملة في فلسطين، وتنبيه العالم من خلال اعلام حر عن المخاطر التي تواجه الثقافة الانسانية الفلسطينية التي تواجه ابرتهايد اسرائيلي ظالم.

  وسيبقى الاردن بقيادته الهاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وشعبه وعبر مختلف الجهود السياسية والاقتصادية والثقافية الداعم للشعب الفلسطيني في حماية هويته وتاريخه وثقافته الاصيلة التي لن يستطيع الاحتلال اقتلاعها من جذورها الضاربة في اعماق التاريخ، مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.

Comments are disabled.