طوفان الاقصى هبّة دولية نصرة لفلسطين والقدس

عبد الله توفيق كنعان

أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

     لم يعد غريباً على العالم الحر ادانة انتهاكات وجرائم إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال)، خاصة في ظل ما يجري اليوم من ابادة عرقية غير مسبوقة بحق اهلنا في قطاع غزة الفلسطيني المحتل، فإلى جانب حصاره منذ اكثر من 17 عام، والتضييق الاقتصادي والاجتماعي والصحي القائم، بات العالم الحر أمام مجزرة شرسة طالت الانسان والشجر والحجر، ولأن حرب غزة هي جزء من استراتيجية شاملة مضمونها اخضاع الشعب الفلسطيني وتنفيذ مخطط التهجير القسري ضده، أصبحت كذلك الضفة الغربية بما فيها القدس ميداناً تمارس فيها سلوكيات الاحتلال الهمجية من قتل واسر ومصادرة وهدم، نتج عنها 228 شهيداً منهم 56 طفلاً، واكثر من 3000 معتقل، اضافة الى اقتحامات يومية للمدن والمخيمات والمقدسات الاسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك، علماً بأنها أرض محتلة ولا يحق لقوات الاحتلال الاسرائيلي التواجد فيها وتغيير الوضع التاريخي القائم بها.

    وبالرغم من حملة التضليل الإعلامي (التغليط الاعلامي) الذي تنتهجه اسرائيل والاعلام الصهيوني المؤيد لها من أجل ايجاد غطاء مخادع يبرر مجازرها الوحشية، الا أن هناك ما يمكن تسميته (هبة اخلاقية) دولية غلب عليها في البداية طابع شعبي برز عندما خرجت المسيرات الكبيرة في مختلف انحاء العالم، تستنكر حرب الابادة الاسرائيلية وسياسة حكومتها اليمينية المتطرفة الاستعمارية في فلسطين المحتلة، ما لبثت هذه الاحتجاجات وأمام اصرار الشعوب أن تحولت لمواقف دولية، تدين ممارسات الاحتلال  وتلوح باتخاذ خطوات دبلوماسية مهمة فعند معبر رفح الحدودي اعلن رئيس الوزراء الاسباني أن بلاده :” قد تتخذ قراراها الخاص فيما يتعلق بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا لم يوافق الاتحاد الأوروبي على ذلك “، وبنفس السياق صرح رئيس وزراء بلجيكا بانه : “لا يوجد ما يبرر لاسرائيل حصار منطقة بأكملها، وحجب المساعدات الإنسانية، فهذا ليس عذرا لتجويع شعب”، كما اعلنت بلدية برشلونة تعليقها العلاقات مع اسرائيل حتى يتم وقف كامل ودائم لحربها على غزة، وقد حرك الشعور الانساني الرافض لتجاوزات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني مواقف اخرى منها دول امريكا اللاتينية حيث قطعت دولة بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجاً على سقوط ضحايا (شهداء) من المدنيين في غزة، واستدعت كل من تشيلي وكولومبيا سفيرها لدى إسرائيل، وبنفس الاتجاه المعارض لحرب الابرتهايد الاسرائيلية صوت برلمان جنوب افريقيا بأغلبية الأصوات على تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل وإغلاق سفارة تل أبيب في العاصمة بريتوريا، وهذه الصورة الانسانية والاخلاقية التي نراها في العالم والتي نأمل توسعها جاءت عندما شاهد العالم اشلاء الاطفال والنساء وعمليات القصف والتدمير التي لم يعد عالمنا في عصر حقوق الانسان والديمقراطية يقبل بوجودها.

  والسؤال المشروع اليوم، هو الى متى ستبقى اسرائيل تعيث فساداً في عالم ينادي للعيش المشترك والوئام وحقوق الانسان؟، والى متى سيبقى عقابها وردعها محمياً للاسف من قوى ترفع شعارات الديمقراطية؟، ان طوفان الاقصى وتاريخ طويل من الاستعمار الظالم ضد شعبنا الفلسطيني، كشفت حقيقة لوائح القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وهي انها مجرد ارقام وملفات تفتقد للتطبيق ويمارس عليها ارادة احادية تقوم على سياسة الكيل بمكيالين، ومع ذلك كله نبقى نتمسك بالأمل والارادة بأن الحقوق لن تذهب مع التقادم، وان الاجيال لن تنسى حقوقها وسترسم مستقبلها بكل امكانياتها، فالنضال والدفاع عن النفس ضد الاحتلال مكفولة بقرارات الشرعية الدولية واتفاقيات جنيف ولاهاي.

ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وانطلاقا من الموقف الاردني التاريخي شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، تثمن جميع المواقف الدولية الحكومات والشعوب المناصرة لحق الشعب الفلسطيني، وتؤكد ان الجهود الدبلوماسية المستمرة لجلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله لها تاثيرها في تعزيز الموقف الدولي الداعم لفلسطين المحتلة، الى جانب الجهود الاغاثية الاردنية المستمرة من قوافل المساعدات واقامة المستشفيات الميدانية في غزة ونابلس، وتؤكد اللجنة ان طوفان الاقصى هو عنوان كبير لحق الشعب الفلسطيني بحماية نفسه ومقدساته الاسلامية والمسيحية وصرخة في وجه الظلم والاحتلال، ونداء للعالم بان القضية الفلسطينية وجوهرتها القدس هي اساس السلام والامن في المنطقة والعالم.

الرأي 27/11/2023

Comments are disabled.