يعود اهتمام دول أمريكا اللاتينية بالقضية الفلسطينية إلى عام 1947م. وقد انحصر اهتمام تلك الدول وعددها 20 دولة في هيئة الأمم المتحدة بسبب بعدها الجغرافي وعدم وجود علاقات لها مع العالم العربي. أما مواقف تلك الدول فكانت في معظمها آنذاك مؤيدة لإسرائيل. إذ صوت لصالح قرار الجمعية العامة رقم 181/1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية وأخرى يهودية ، وتدويل القدس (13) دولة، أي ما يساوي 40% من مجموع الأصوات. ويعود دعمها لإسرائيل للأسباب آلاتية:

  1. تأثير النزعة الحقوقية في صناعة القرار السياسي والرأي العام في تلك الدول ،أي حق اليهود في أن تكون لهم دولتهم مثل باقي الشعوب.
  2. النشاط الصهيوني في دول أمريكا اللاتينية.
  3. تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في صناعة القرار السياسي في تلك الدول لأسباب جغرافية واقتصادية ومصلحيه.
  4. الوجود اليهودي القوي في الكثير من دول أمريكا اللاتينية.
  5. الغياب المطلق للتأثير العربي على ساحة أمريكا اللاتينية، إذ لا علاقات للدول العربية القائمة آنذاك مع دول أمريكا اللاتينية ولهذا خلت الساحة للتأثير اليهودي الصهيوني والأمريكي. لذا فليس غريبا أن يصوت مندوب هاييتي في الجمعية العامة لصالح قرار التقسيم بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية والدمعة في عينيه بعد أن كانت هاييتي تعارض التقسيم في اللجنة المكلفة بذلك.

وباختصار يمكن القول بأن مواقف دول أمريكا اللاتينية في المرحلة التي سبقت اندلاع حرب تشرين عام 1973م كانت لصالح إسرائيل في معظمها ومؤيدة لرؤيتها لتسوية الصراع الإسرائيلي -العربي. وكان قبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة بناء على اقتراح تقدمت به (7) دول من بينها (4) دول أمريكية لاتينية في 7/5/1949م عند التصويت عليه في اليوم التالي، اذ أيدته (18) دولة أمريكية، وامتنعت دولتان فقط عن التصويت هما: البرازيل والسلفادور..

كما أن علاقات دول أمريكا اللاتينية مع إسرائيل فكانت تقوم على الاعتراف العملي والقانوني بها وشاملة لجميع مناحي الحياة وبخاصة في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وبخاصة بعد الاعتراف بها وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها.

ووقفت دول أمريكا اللاتينية إلى جانب إسرائيل في تحويلها لمياه الأردن وظلت باستثناء كوبا المؤيدة للحقوق العربية وفي مقدمتها حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره تناصر سياسات إسرائيل ومواقفها دون قيد أو شرط حتى عام 1973م. كما دعمتها بالمتطوعين في حرب عام 1967م الذين حلوا محل المستوطنين الإسرائيليين في مواقع العمل والزراعة. كما واشترطت لانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية، المحتلة اعتراف الدول العربية بها ضمن حدود آمنة من خلال مشروع تقدمت به إلى الجمعية العامة في تشرين الثاني/1967م. وعارضت جميع القرارات التي تدين استمرار إسرائيل باحتلال الأراضي العربية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام تكثيف النشاط اليهودي الصهيوني على الساحة الأمريكية اللاتينية طمعا في كسب تأييدها لصالح قضايا بالغة الحساسية مثل قضية الأماكن المقدسة في القدس.

ولكن إسرائيل ورغم تدخل وزير خارجيتها آنذاك إبائيبان لم تفلح بإقناع دول أمريكا اللاتينية من خلال الجولة التي قام بها بتبني موقفها القائم على “استعداد إسرائيل لوضع الأماكن المقدسة في القدس تحت إدارة الأديان الثلاثة التي اعتبرها مقدسة”. فقد صوتت الدول الأعضاء منها في مجلس الأمن لصالح قرار مجلس الأمن الصادر في 21/5/1968م “الذي طالب إسرائيل بإلغاء جميع التدابير التي اتخذتها من اجل تبديل وضع مدينة القدس الدولي”، لا بل أن مندوب البرازيل في مجلس الأمن عبر عن موقف زملائه الأمريكيين اللاتينيين إزاء هذه المسالة قائلا: “أن حكومته أيدت باستمرار مبدأ تدويل القدس ولم تعترف بأي عمل قام به الأردن أو إسرائيل من طرف واحد لتبديل وضع المدينة”.

ولكن دول أمريكا اللاتينية لم تحرك ساكنا إزاء جريمة حريق الأقصى في 21/8/1969م، لا بل أن مندوبا كولومبيا وبارغواي وقفا إلى جانب إسرائيل وأعلنا في الجمعية العامة “أن لا مبرر للاعتقاد أن حكومة إسرائيل التي ليست لها مصلحة في الحريق قد تعمدت حرق المسجد الأقصى” وطالبا بإجراء تحقيق موضوعي أو غير متحيز في الحادث”.

كما أن دول أمريكا اللاتينية لم تكتف بمعارضة منظمة التحرير الفلسطينية ومقاومة منحها صفة مراقب في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فحسب، بل عارضت بشدة مشروع القرار الخاص بحقوق الإنسان الفلسطيني وانتهاك إسرائيل لها الذي قدمته المجموعة العربية في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد في طهران للفترة من 22/4-13/5/1968م.

كما رفضت الأرجنتين بتأثير يهودي وصهيوني وأمريكي عضوية لجنة ثلاثية خاصة بالتحقيق في الأحوال المعيشية للسكان العرب في المناطق المحتلة تعينها الجمعية العامة. كما سعى وزير خارجية غويتمالا الذي كان آنذاك رئيسا للجمعية العامة عرقلة إلى إرسال هذه البعثة. وناصرت كذلك إسرائيل عند مناقشة مجلس الأمن للشكوى الذي تقدم بها الأردن ضد اعتداءات إسرائيل الجوية على بلاده في 17/3/1969م.

ولكن تحولا في مواقف الدول اللاتينية أخذت تترسم معالمه بعد حرب تشرين عام 1973م لصالح القضية الفلسطينية لأسباب أهمها:

  1. تزايد الوعي لدى الرأي العام الأمريكي اللاتيني والأوساط السياسية الأمريكية اللاتينية بعدالة القضية الفلسطينية والحقوق العربية.
  2. نشاط الجاليات العربية وبخاصة الفلسطينية.
  3. بروز علاقات اقتصادية بين الدول العربية وبين دول أمريكا اللاتينية.
  4. تصاعد وتيرة نضال شعوب أمريكا اللاتينية ضد الإمبريالية وضد الصهيونية وتوجهها نحو حركة عدم الانحياز.
  5. تنامي حضور الثورة الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي و الدولي.
  6. حرب تشرين وانعكاساتها العسكرية والاقتصادية والسياسية على الساحتين الإقليمية والدولية.
  7. فشل السياسة الخاصة الأمريكية وتراجع تأثيرها على ساحة أمريكا اللاتينية.

ولكن ذلك التطور لم يحسم الموقف كليا لصالح الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الثابتة وأهمها حقه في تقرير مصيره، بل ظلت دول تناصر إسرائيل وأخرى تقف على الحياد. وعليه يمكن تقسيم الدول الأمريكية اللاتينية فيما يخص القضية الفلسطينية والقدس والصراع الإسرائيلي-العربي إلى ثلاث فئات:

الأولى – مناصرة للحق العربي الفلسطيني ولجميع قرارات الشرعية الدولية القائمة على رفض الاحتلال، وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة، بما فيها القدس وجميع قرارات هيئة الأمم المتحدة الخاصة بالقدس وهي الأرجنتين، و تشيلي، و كوبا، والبيرو، والايكوادور ، و نيكارغوا.

الثانية – المؤيدة لإسرائيل وهي: بوليفيا، و كوستاريكا، والدومينيكان، والسلفادور، وغويتمالا.

الثالثة – المحايدة وهي: البرازيل، و المكسيك ،و فنزويلا، و بارغواى، وأورغواي، ولكنها طالبت هي الاخرى إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والالتزام بقرارات الأمم المتحدة.