بمناسبة الإسبوع الدولي للعلم والسلام

                                     عبد الله توفيق كنعان

         أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

   شكلت وما تزال مفاهيم الحرب والسلام والعلم المساحة الأكبر من جهود الساسة والعلماء على اختلاف اختصاصاتهم واتجاهاتهم، ضمن محاولتهم خلق المناخ الانساني السلمي البعيد عن مخاطر الصراعات والأزمات، لما لذلك من ضرورة في تحقيق الحريات الاساسية والتنمية المجتمعية، ومن بين الأدوات الفعالة والفارقة في حياتنا ومسيرتنا البشرية العلوم والمعارف، فاضافة الى دورها في نهضة الحضارات واستغلال مواردها وثرواتها فهي تساهم في زيادة وتحسين التواصل الانساني وتبادل المعلومات، الأمر الذي يقضي على ما يمكن تسميته بالتنافر الثقافي، ويبني قاعدة للتعايش والكرامة والتقارب الانساني، ويوفر كل ما تحتاجه المجتمعات من مستلزمات مادية.

    وبالنظر الى الجهود الدولية في صياغة مسار انساني سلمي يستند للعلوم، فقد اعلنت الجمعية العامة للامم المتحدة القرار رقم (61/43) بتاريخ 1988م، معلنة (الاسبوع الدولي للعلم والسلام) ويصادف 6 تشرين الاول من كل عام، ويرتبط به مناسبة دولية اعتمدتها اليونسكو عام 2001م باسم(اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية) ويصادف 10 تشرين الاول من كل عام، وهي رسالة للجامعات والمؤسسات العالمية للقيام بالأنشطة والمحاضرات المعنية في مجال العلم والتكنولوجيا وصون السلم والأمن ولزيادة الشراكة المجتمعية في رسالة السلام، وبهذا الاتجاه نستذكر الجهود القائمة في سبيل ذلك على مستوى الافراد والمؤسسات، ومنها تخصيص جوائز عالمية ذات صلة، مثل جائزة (نوبل للسلام) عام 1895م والتي تمنح لقطاعات عديدة في مجال السلام والعلوم، وجائزة (الذرات من أجل السلام عام 1955م المعنية بتطبيقات الذرة والطاقة النووية في التطبيقات السلمية، وجائزة (مادانجيت سينغ) لتعزيز التسامح ونبذ العنف الصادرة عن اليونسكو عام 1995م، وبنفس الاتجاه نشأت مؤسسات ومنظمات غير حكومية معنية بالعلم والسلام منها منظمة (العلم لأجل السلام) ومقرها جامعة تورنتو، وجهود الاتحاد الاوروبي في اصدار دراسات مهمة منها  أطلس الأزمات العالمية (GCA)المعني بتوفير منتجات مراقبة الأزمات، ومؤشر مخاطر الصراع العالمي (GCRI)، وعلى صعيد القيادات الروحية العالمية فقد وجه البابا فرنسيس رسالة بمناسبة انعقاد ( مؤتمر العلم لاجل السلام) في ايطاليا  عام 2023م، اشار فيها الى ما اسماه المحبة الفكرية فبها يجد الانسان السلام من خلال ما يقوم به من بحث ويمكنه أن يحقق نماذج ثقافية واجتماعية قادرة توفير احتياجاته، والذي جاء في مشاركته في المؤتمر ضمن محور” تلاميذ المعرفة الجدد، المنهج العلمي في تغير الحقبة” .

   وانطلاقاً من ركائز السلم والامن والعلم لاجل السلام الانساني تأتي دعوة الاردن على الصعيدين الرسمي والاهلي، وتعتبر القيادة الهاشمية رائدة في هذا المجال على مستوى دولي، من خلال الرسائل الهاشمية للقيادات السياسية والفكرية ومطالبتها ان يخدم العلم والمعرفة استراتيجية السلام التي تأملها الأجيال، وبالوقوف عند دعوات جلالة الملك عبد الله الثاني المتعلقة بالسلام والمعرفة نلمس حرص جلالته على بناء منظومة معرفية عالمية في خدمة السلام، والتي حظيت بتقدير عالمي استحق لاجله جلالته الجوائز العالمية والاشادة المتكررة، ففي خطاب جلالته أمام طلبة الجامعات المشاركين في برنامج لاهاي الدولي عام 2018م، قال جلالته:”أدعوكم لاستثمار معرفتكم ووسائل التكنولوجيا الحديثة كسبل تقودنا نحو عالم أفضل. وأن تستندوا إلى قيمكم المشتركة حتى تنير لكم دربكم نحو المستقبل. كونوا شركاء لنا وساعدونا في نبذ الجهل وغياب الاحترام، وقودوا العالم نحو الأفضل، وساهموا في بناء المستقبل المشرق الذي تستحقونه جميعاً”، وهذه الرؤية الملكية السامية تجمع بين عناصر مهمة هي الشباب والعلم واحترام القيم والبحث عن الأفضل لسلام انساني، وعلى هذا النهج الهاشمي جاءت مناداة سمو الامير الحسن بن طلال بضرورة تحقيق غايات العلم والسلم المتمثلة بالكرامة الانسانية والعيش المشترك والشراكة الدولية لاجل الحياة الانسانية الكريمة، حيث جاء في كلمة سموه في اعمال المنتدى العالمي للعلوم المنعقد في الاردن عام 2017م تحت عنوان ( العلم لاجل السلام) الدعوة الى :” توظيف العلم من اجل السلم والامن الاجتماعيين ومناقشة ومعالجة القضايا العالمية المختلفة كما إيلاء الأهمية اللازمة لعملية تطوير المعرفة”، وهي ما اشارت له سمو الأميرة سمية بنت الحسن رئيس الجمعية العلمية الملكية وسفير اليونسكو للنوايا الحسنة للعلوم من أجل السلام، في مقالتها  الصادرة مؤخراً بعنوان” العلوم من أجل السلام: دعم للإنسانية في الأزمات”، والتي لخصت سموها فيها الدور الجوهري للعلوم في انقاذ البشرية ومساندتها وتخفيف التوترات المتسارعة اثناء الصراعات، والعمل على تعزيز حياة البشر، فالعلوم كما اشارت سموها :” توفر المعرفة والآليات اللازمة لدعم السلام واستعادة الكرامة المسروقة“.

    واليوم وفي خضم الصراعات والتعقيدات اللامتناهية الجارية في طروحات انعاش العملية السلمية، والتي أصبحت للأسف تواجه ترسانة من التعنت والمجابهة من قبل البعض، ممن يوظفون العلوم والتقنيات لمحاربة السلام وتعريض البشرية للابادة، خاصة وعالمنا الحر يشاهد ويلات علم السلاح والحروب التي يعاني جحيمها الشعب الفلسطيني في كافة مدنه خاصة الحرب الاسرائيلية الجنونية على قطاع غزة المحتل، والتي خلفت للآن عشرة الاف قتيل وعشرات الالاف من الجرحى ومئات الالاف من النازحين، فقد آن الأوان أن تتصدر علوم السلام ونتاجاته من أجل انقاذ حياتهم وتخفيف جراحهم النازفة، واذا لم يتحقق ذلك فان الايام والاسابيع الدولية والمنظمات الصادرة عنها ستكون في حالة حرج بل في واقع ضعف يزيد من القناعة لدى الشعوب المتألمة بعدم جدواها وقيمتها.

     ان رسالة الاسبوع العالمي للعلم لاجل السلام وما يرتبط به من فعاليات، هدفها السامي خدمة البشرية، كذلك العمل على ترسيخ قاعدة ثابتة، فحواها العلم لاجل السلام والتنمية فقط، بوصفها نتاجات تحقق الرفاه والكرامة الانسانية للجميع بعدالة، ولكن نظرة للحالة العالمية الراهنة ومراكز الصراع الدولي تدفعنا للقول بأن هناك حاجة فطرية ملحة للعلوم والتكنولوجيا السلمية، تحتمها ما نشهده أيضاً من مجازر وجرائم الاحتلال الاسرائيلي المستمرة على الشعب الفلسطيني، فرسالة العلم السلمية لعمارة الكون والحفاظ على الأرواح والتمتع بثماره نصت عليها الديانات السماوية ورسالات الأنبياء جميعهم، وهو نهج تستند اليه النظم السياسية المعاصرة التي تتمسك بالحرية والديمقراطية بعيداً عن سياسة الكيل بمكيالين ببعديها المعرفي والدبلوماسي، فمن حقنا إذاً أن ننعم بتكنولوجيا السلام والمحبة، بدلاً من صناعة سلاح سلب الأرواح والدماء والسلام، من هنا يكون النداء العالمي لنعمل جميعاً على نشر ثقافة العلم لاجل السلام، سعياً لتوفير ثنائية الكرامة والتنمية الإنسانية.

الرأي 6/11/2023

Comments are disabled.