اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية ومواجهة الابرتهايد الاسرائيلي نموذجاً

عبد الله توفيق كنعان/ أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس

     تتمسك الشرائع والعقائد والاعراف والقوانين الدولية عادة بنشر الوئام والمحبة، وتنبذ ما يدعو للعنف والكراهية، غايتها الدينية الاخلاقية خلق سلوك عالمي يساهم في تحقيق السلام ، ويوفر مناخ انساني آمن  يكفل الانتاج والنماء والتطور، وبالتالي ينشأ مسار حضاري جامع يعزز التعاون والألفة المطلوبة في العلاقات الدولية، وفق مقياس إنساني عادل لا يتأثر بنهج التعصب على اساس الدين والمعتقد والأصل.

  ولتحقيق القيم الانسانية النبيلة في منظومة العلاقات والدبلوماسية الدولية رسخت منظمة الامم المتحدة استناداً للميثاق والمبادىء التي قامت لاجلها، مفاهيم ايجابية تنبذ التعصب والكراهية، وتجلى ذلك باصدار الامم المتحدة العديد من القرارات والاعلانات التي أطلقتها عبر عقود طويلة، منها اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية الذي يصادف 18 حزيران من كل عام، وذلك بموجب قرار الجمعية العامة رقم ( (A/RES/75/309 بتاريخ 21/7/2021م، وتعرف الأمم المتحدة خطاب الكراهية بأنه : ” أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية”، والراصد والمراقب لما يجري في فلسطين المحتلة وضد ومدنها بما فيها القدس وتجاه انسانها وارضها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية يجد بوضوح أن جميع ممارسات اسرائيل( السلطة القائمة بالاحتلال) تندرج جميعها تحت ما اعتبره التعريف السابق كراهية يجب مواجهتها ، بل وللموضوعية التاريخية والقانونية يمكن وصف ممارسات اسرائيل بالاستعمار الشامل الذي يسعى في كل لحظة لمحو هوية وتاريخ وحضارة الشعب الفلسطيني، والعمل وبوسائل غير مشروعة ومحرمة دوليا واخلاقياً على تهويد واسرلة وعبرنة الاراضي العربية المحتلة، مما يجعل العالم ومنظماته أمام نموذج ابرتهايد( عنصري) للكراهية يهدد السلام والقيم والاخلاق الدولية، ويجعل الامم المتحدة ودعاة السلام في العالم أمام اختبار حقيقي يجب عليهم البرهان  فيه شرعية وجودها وقدرتها على تحقيق جملة الاهداف التي قامت لاجلها.

     إن نهج اسرائيل في تشريع القوانين العنصرية وما يطلقه ساستها ومفكريها والحاخامات وما يدرج في مناهجها التعليمية  التي تحاول فرضها على كافة مؤسسات التعليم في فلسطين المحتلة، يدخل في نطاق خطاب الكراهية وممارساتها المفضية للعنف والتطرف، ومن الأمثلة الواقعية على هذه الخطابات ما خلصت له عدة دراسات منها دراسة قام بها المركز العربي لتطوير الاعلام الاجتماعي الفلسطيني؛ صدرت في آذار و حزيران من عام 2023م، تضمنت الاشارة إلى نشر وسائل التواصل الاجتماعي حوالي 685000 منشور خطاب كراهية، وبنفس السياق  المتطرف وعبر مغردين اسرائيليين على منصة تويتر وحدها نشر حوالي ((15250  تغريدة  باللغة العبرية، تطرقت لبلدة حوارة الفلسطينية التي تتعرض لحملة اعتداءات شرسة من قبل المستوطنين، وقد حصدت هذه التغريدات حوالي (315860) تعليق وتفاعل سلبي يساعد في نشر التطرف والكراهية، وردت وترددت فيها عبارات وكلمات مثل (يجب محو حوارة، لنحرق بالنار حوارة،  ابادة حوارة).

    إن اللجنة الملكية لشؤون القدس تؤكد على أهمية الثوابت التاريخية والدينية والقانونية الاردنية الراسخة ودورها في نشر رسالة الوئام والمحبة للعالم، وفعاليتها أيضاً في ترسيخ الكرامة الانسانية وقيمها ، انسجاماً مع النهج الاسلامي  العالمي الذي نؤمن به وبما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وامتثالاً لقوله تعالى : (( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا)) ،الاية 70 : سورة الاسراء.

 وتؤكد اللجنة الملكية لشؤون القدس أن الخطاب الرسمي والشعبي الاردني نبه من خطورة خطاب الكراهية، بما في ذلك نهج السياسة الاسرائيلية وحكومتها المتشددة عبر عدد من ساستها بما في ذلك زعماء وأعضاء الاحزاب ومنظمات الهيكل المزعوم والاعلام الاسرائيلي، وفي هذا السياق  تُذكر اللجنة الملكية وبمناسبة اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية بالجهود والمبادرات الاردنية المجتمعية العالمية في إطار مكافحة ومواجهة الكراهية، ومن ذلك رسالة عمّان و اسبوع الوئام العالمي بين الأديان الذي اعلنته الجمعية العامة للامم المتحدة باقتراح من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله عام 2010م، لتعزيز السلام ونبذ العنف، وكلمة سواء ، وقد استحق جلالته العديد من الجوائز العالمية منها جائزة ويستفاليا للسلام وجائزة  القديس أندريه وجائزة تمبلتون وجائزة مصباح السلام وجائزة رجل الدولة الباحث وجائزة زايد للاخوة الانسانية، والتي جاءت جميعها لدعوة جلالته المستمرة للسلام وحوار الاديان ونبذ الكراهية والعنف ، وحمل جلالته أمانة الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وكلها قيم ومبادىء ينادي بها الهاشميون ففي هذا السياق أيضاً كانت جهود صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال حفظه الله عبر الكثير من المبادرات والمؤتمرات والمقالات المتعلقة بنشر السلم والتعاون ونبذ التعصب واحترام الآخر على اساس الحقوق والحريات.

ان اللجنة الملكية لشؤون القدس وبرصدها اليومي للواقع المأساوي والخطير للاهل  والارض والمقدسات في فلسطين المحتلة وكافة مدنها في القدس وغزة وجنين وغيرها، ترى أن رسالة اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية تقتضي توجيه المنظمات المعنية للعمل الفوري على رفع كراهية ووحشية الابرتهايد الاسرائيلي عن الشعب الفلسطيني، والسعي لمواجهة الاعلام الصهيوني المضلل الذي يزيف الحقائق ويضطلع بدور سلبي كبير يتمحور حول استقطاب وحشد قوى الكراهية، ويمحو هوية وتاريخ الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب خطاب سلام وشرعية تتكاتف كل الجهود لنشره تحقيقاً للقيم وترسيخاً للعدالة بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

الراي 20/6/2023

Comments are disabled.